ليس بالغريب ان تنتشر عشرات العيادات لأطباء يحرصون على وضع الإعلانات واللوحات، التي تشير إلى اسمهم وأختصاصهم، لكن من الغريب عند دخولك لهذه العيادات تراها غير مؤهلة لاستقبال مرضى، وبنفس الوقت انها تكتظ بالمرضى الذين اتعبهم جهد الانتظار قبل ان يجهدهم المرض.
يبدي ابو فراس 60 سنة ضجره من الانتظار الطويل الذي يزيد من مرضه حتى يصله الدور في المراجعة ،واحيانا قد يضطر لمغادرة المكان ومن ثم المجيء مجددا لكي يقضي بعض الوقت ليصل دوره في لقاء الطبيب.
وتنحسر وسائل الراحة في العيادات حيث لا تتوفر فيها المقاعد الملائمة لجلوس المرضى ،ولا وسائل التبريد في الصيف والتدفئة شتاءا ،اضافة الى عدم وجود المياه والخدمات الاخرى بحسب مايبينه مصطفى محمد 25 سنة.
سلوى رجب تبين مدى الفوضى الموجودة في هذه العيادات قائلة “أمي أمرأة مسنة ومريضة بمرض القلب ،وتكون لها مراجعة بين الحين والاخر ،لكن موعد المراجعة بالنسبة لها ولنا عبارة عن يوم مزعج جدا، ونحمل له هم وتفكير قبل مجيئه، حيث ان عيادة الطبيب في الطابق الثاني من عمارة ، وعند وصولنا لها بالتعب الشديد الذي تبذله امي في الصعود لانها مريضة نجد العيادة تزدحم بالمرضى وجميع الحالات متعبة ،وطبعا انعدام الكهرباء ليس غريب لكن الغريب هو ان الطبيب لا يمتلك مولدة والجو حار جدا بحيث احيانا لايوجد هواء لاستنشاقه واقولها دون مبالغة ،ولا تتوفر أي سمة لراحة المريض فلا تجد سوى فوضى وانتظار ومكان غير نظيف.”
احمد ماجد بضحكة استهزاء قائلا “عندما نذهب للعيادة نعود مرضى جميعا حيث ان الشخص السليم من كثرة الانتظار ومن زخات العرق يعود مريضا ،لكن العتب هنا على الطبيب نفسه فلا نعتقد بأن جلب شخص للتنظيف وشراء مولدة وكراسي مريحة تكلف كثيرا ،فتكاليفها لا شيء مقارنة بمدخول الطبيب اليومي.”
العلاقات الشخصية بين الاطباء والصيادلة لم تصبح شخصية فحسب فأصبحت تدخل في مجال العمل حسب مابينت لنا سارة علي بقولها “عندما تذهب للعيادة فالطبيب يدليك على صيدلية لشراء علاجك منها ولايقبل بشرائك من صيدليات اخرى ،حيث الصيدلية تعود للطبيب نفسه او لصيدلي له علاقة بالطبيب الذي كانت مراجعتك لديه.”
المعاملة الغير جيدة التي تجدها في المستشفى من قبل الطبيب والصيدلي وكل من يعمل هنالك ترغمك على مراجعة العيادة ،فمحمود ياسين يؤكدها “مراجعة الطبيب في المستشفى لا يجدي نفعا فهو لا يهتم ابدا والسرعة في الفحص او عدم الفحص تجبرك على مراجعة العيادة ،واحيانا تكون المراجعة غير مجدية.”
صبا خالد 33 سنة تشكو من سوء الخدمات في الجناح العام والذي تختلف فيه عن الخاص قائلة “عندما ذهبت مع مع اختي لولادة ابنها الاول قد دخلت في مستشفى ابن غزوان للولادة في جناحها العام وهذا كان في الشتاء الذي مضى ،وللاسف لم تكن أي خدمة هناك فشدة البرودة وعدم نظافة المكان كان هو واقع المستشفى على العكس من الجناح الخاص، وبعد فترة من الزمن قد خضع اخي لعملية جراحية بسيطة وكانت في مستشفى الفيحاء، وعندما قمنا بزيارته فكان نفس الحال الذي رأيناه في المسشتفى السابقة لكن كان الجو حار جدا لان الذي اختلف هو الفصل فكانت الزيارة له في الصيف.”
وتضيف “ليس كل الناس يمتلكون نقودا كثيرة وليس جميعهم ميسورين واغنياء فمن ليس لديه مادة سيعاني في الجناح العام مايعانيه حتى يخرج الى منزله.”
سوء التشخيص بات من اكبر المشاكل التي يعاني منها الواقع الصحي في العراق ،فأغلب الاطباء اصبح تشخيصهم خاطىء وهذا ماتبينه أم محمد 45 سنة “ابنتي تشكو من الم في الساقين ذهبنا الى طبيب مشهور وبعد الفحص قد كتب لنا وصفة ،واستمرت على العلاج لمدة شهر وبعدها لاحظنا بأن الحالة بدأت تزداد ،وبدأت بالانتكاس وقد قمنا بالسفر الى الهند لان المريضة اصبحت مقعدة ولا تستطيع المشي، وبعد الفحص الطبي هنالك لكون الاجهزة متطورة فقد كان سبب انتكاسها هو التشخيص الخاطيء والعلاج الغير صحيح حيث سبب لها موت لاعصاب ساقيها.”
وتضيف “اثناء رحلة علاجنا في الهند رأينا حالات كثيرة ،وانا لا اقول الجميع كان يعاني من تشخيص خاطيء، لكن الاغلب كانت هذه المشكلة التي يعاني منها ، فهنالك عائلة وصف لهم الطبيب في العراق علاجا وقد استمر المريض على اخذ العلاج الذي كان 18 حبة في اليوم حتى اصبحت له مضاعفات مما ادى الى عدم السيطرة على المرض وغادر الحياة.”
وهنا القصص تتكرر فحالة لينا معتز لم تكن افضل ،فهي توضح “يعاني زوجي من ألم شديد ومفاجيء في البطن ،وخلال مراجعته لطواريء مستشفى الزبير ،لم يستطع الطبيب المقيم تشخيص الحالة واكتفى بأعطائه مسكن وقد نصحه بأخذ سونار ولم يكن متوفر في المستشفى،فراجع طبيب اخصائي وقد كان تشخيصه غير واضح وتم اخذ سونار، بينما ازداد الالم بشكل كبير فذهب الى طبيب اخر فتفاجيء الطبيب عندما رأى السونار والاعراض ،قائلا (معقولة محد عرف التشخيص يابه هاي زائدة وهسة تفوت عمليات) ،والحمدلله تم تشخيص الحالة ولكن لو تأخر اكثر لكانت هنالك مضاعفات وربما شيء أخر.”
بينما تثني نهى صالح 34 سنة على دور الطبيب العراقي بقولها “أعتقد أن ليس كل الأطباء سيئين او ليس لديهم فهم ،لكن هنالك فئة معينة قد ساروا بمسيرة التجارة وعدم المبالاة ،فهنالك اطباء جيدين ورغم خبرتهم الليست بالطويلة إلا اننا نجدهم ذو كفاءة ووعي ،حيث احيانا عند بعض المراجعات الطبية نرى في المستشفى الكثير من الاطباء المتعاونون مع المرضى والذي نراه الاسلوب الجيد وحسن المعاملة.”
وتكمل حديثها قائلة: لو أردنا ان نقول بأن واقع الصحة في العراق اصبح متردي فلا نلوم الطبيب فقط ، فالطبيب ليس له غرض في ذلك لكن المقصر الاكبر هو الدولة فالمستشفيات تفتقر الى الادوية والاجهزة والى اشياء اخرى كثيرة.”
ويقول الطبيب نادر أحمد ” دائما الناس تلوم الطبيب ولا ترى الجهد الذي يبذله فنحن كأطباء نقوم بجهد كبير بعلاج المرضى والحرص على راحتهم، ولكن هنالك اخطاء جرت وهي نادرة جدا لكن اصبحت حديث الجميع وبدأو يتناسون قيمة الطبيب وتعبه المبذول، فلماذا ينسون موقفنا مع جرحى الانفجارات والحوادث والتسمم ،ولماذا يغضون النظر عن ساعات عملنا الطويلة التي لا اعتقد من احد ان يتحملها في هذا المجتمع، فنحن رغم مانبذله ونقدمه نتعرض الى تهديد عشائري يومي واعتداء متكرر ولا احد يكون منصفا لنا ولم تتوفر أي حماية للطبيب.”
يشاطره الرأي الدكتور علي فيصل في مستشفى الصدر التعليمي قائلا “الجهد الذي يقوم به الطبيب لايوجد احد يقوم به ،وهذا الجهد يقوم به المقيم والتدرج والاختصاص ،لكن للاسف لا احد يحترمه لا في مكان العمل ولا من قبل الوزارة ولا الدائرة ،ودائما محارب بالعقوبة والغياب وحتى احيانا رئيس المجلس البلدي يعاقب الطبيب ويغيبه، ولا اعلم لماذا الكل يتهمنا بالتقصير ،فلا نجد من يقف معنا والسبب ربما كره المجتمع للطبيب وحقده لنا، وايضا جبن الاطباء ونقابة الاطباء في عدم المطالبة بحقوقهم ،نحن محاربون من قبل المدير والمدير العام ومدير العمليات ورئيس الاطباء ،وانا شخصيا الوم المجتمع ولا الوم شخص محدد فالمجتمع هو المسؤول ،واذا كان هنالك تقصير فسببه هو عند ممارستك المهنة احيانا يتغير السلوك نحو الاسوء بسبب تصرف مريض او ممرض او زميل او مدير او مرافق لمريض ما فيصبح هنالك تقصير، او خلل واحيانا يؤدي الى وفاة مريض.”
ويوضح احمد الساعدي نائب المفتش العام لوزارة الصحة “ان كفاءة المستشفيات في العراق ليس بمستوى الطموح،فهو يعاني من مشاكل عديدة ابرزها نقص الكادر الطبي ،فالعراق يحتاج الى 60 الف طبيب للعمل في المستشفيات بينما الموجود هو 18 الف فقط،، لذا نطلب بقبول اكثر في كليات الطب العراقية وايضا فتح كليات طب اخرى في باقي المحافظات.”
ويضيف الساعدي “هنالك تنسيق بين وزارة الصحة والمستشفيات الأهلية فهي تفتح ابوابها في الانفجارات والحالات الطارئة ،اضافة الى انه لدينا خطة في دعم القطاع الخاص وتقوية القطاع العام ،ومن خططنا بأننا سنعمل على تسعيرة الدواء في جميع الصيدليات فسيجد المريض سعر العلاج مكتوب على العلبة بالدينار العراقي، فسيكون السعر في كل الصيدليات بسعر موحد، وايضا سيتم تحديد سعر تذكرة المراجعة من 15 الى 35 الف حسب درجة الطبيب من ممارس الى اخصائي.”
وأشار الى “ان هنالك مشروع للرنين والمفراس حيث سنعالج الانتظار الطويل للمواطن والتي تصل الى اشهر وايضا السعر العالي الذي لا يستطيع الكل دفعه،فستعمل كل أجهزة الرنين والمفراس في المستشفيات العامة بعد الدوام الرسمي، في كل مستشفيات العراق وستكون باسعار رمزية لا تتجاوز 40 الف دينار مقارنة بأسعارها في المستشفيات الخاصة والتي تصل الى 350 واحيانا 500 الف.”
بين ارتفاع اسعار العلاج والمراجعات وعدم التشخيص الصحيح، وبين قلة الكادر الطبي والمستشفيات الغير مؤهلة ،وتهديد الاطباء وخطورة عملهم، بات الواقع الصحي يعمل دون كفاءة وبدأ يتراجع مستواه بعد ان كان الاول فكل هذه المسببات من الضروري ان يضعها من له الشأن في عين المجهر من اجل النهوض بواقع صحي جيد ،لكي لا يلام طبيب لا يمتلك مشرط جراحة،ولا تذهب حياة مريض سدى في ظل ظروف من الممكن حلها.