الشعور بالأسى والقلق حيال ما يجري من اعمال عنف في فنزويلا غير كاف لانقاذ الحكومة الوطنية اليسارية من الانهيار فالمعارضة اليمينية المدعومة سياسيا ولوجيستيا من قبل الولايات المتحدة تدفع بتطورالأحداث الى الحرب الأهلية. فقد أعلن مجلس السلم الكندي في بيان أصدره في 29 تموز \ يوليو الماضي بيانا تضامنيا مع الحكومة الفنزويلية محذرا بأن أعمال العنف التي تزعزع الاستقرار في البلاد انما تمهد لتدخل عسكري أمريكي تحت مظلة منظمة الدول الأمريكية اللاتينية
وما يؤكد ذلك، التهديد الأخير الذي أصدره الرئيس ترامب الذي عارض فيه عزم الحكومة الفنزولية على السير قدما بخطة اجراء انتخابات للمجلس التأسيسي في 30 يوليو\ تموز الماضي ، وقد أجري التصويت بالفعل ما اعتبر نصرا للحكومة الفنزويلية ودعما للرئيس مادورو. فقد ساهمت جماهير واسعة في الاقتراع الذي حضرته وفود من العمال الامريكيين جائوا خصيصا لمراقبة عملية التصويت. لقد صعق الوفد العمالي عندما شاهد الحشود العمالية والجماهير الأخرى من مختلف المكونات وهي تقف في طوابير طويلة أمام مكاتب التصويت. وعندها أعلنوا بأن أغلبية ساحقة من الشعب ساهمت في التصويت ما يمنح الشرعية للمجلس. وقد فاز بعضوية المجلس الجديد ممثلوا الشباب والطلبة ونقابات العمال وممثلوا السكان الأصليين ذي الأصول الهندية التي ينتمي لها الراحل هوغو شافيز وهم الذين دعموا حكومته وسياساته الاقتصادية الوطنية ويدعمون حاليا حكومة خليفته نيكولاس مادورو.
فنزويلا ليست دولة اشتراكية ، لكنها بدون شك تعبر عن هموم الشغيلة والكادحين الفنزويليين والأمريكيين اللاتينيين وهي تتصدر جبهة الكفاح ضد الراسمالية الشرسة التي حطمت قاعدتها المادية في فنزويلا خلال مسيرة 18 عاما من الحكومة البوليفارية. وهذا بالضبط ما يقلق قادة دول العالم الرأسمالي فهم لا يرغبون ابدا ان تنجح فنزويلا في بناء اقتصادها على اسس اشتراكية كما فعلت كوبا بعد نجاح ثورتها عام 1959. ولا يتمنون أن يروا دولا أخرى تتخذ النهج ذاته الذي اتخذته فنزويلا حتى الآن. ولذا فانه من المهم والملح أن يدرك اليسار الفنزويلي والعالمي أهمية التضامن مع فنزولا وحمايتها من وحوش الوول ستريت وشركات النفط والغاز والبنك الاحتياطي الفيدرالي وكولدمان ساخس وغيرهم الذين يسعون لاسقاط السلطة الوطنية وفرض حكومة عميلة تتيح لهم الهيمنة من جديد على موارد البلاد الطبيعية التي أممتها الحكومة الفنزويلية..
ولتحقيق هذا الهدف فرضت الولايات المتحدة حصارا ماليا وتكنولوجيا وتجاريا لدفع البلاد الى مزيد من التردي الاقتصادي والتسبب في حالة تضخم نقدي وأزمة سياسية من أجل انهاء 18 عاما من الحكم التقدمي الذي عزز من التيارات الثورية في أمريكا اللاتينية. المعارضة اليمينية تحمل
الحكومة الحالية المصاعب الاقتصادية التي تواجه فنزويلا بنتيجة التناقص الحاد الذي شهدته أسعار النفط الخام منذ عام 2014 الذي يشكل أهم صادرات البلاد ومصدر رفاهية شعبها. فنزويلا ليست وحدها من عانى من آثار ذلك فقد تأثر بهذه الظاهرة معظم دول الشرق الأوسط التي لم تطور نشاطات اقتصادية أخرى كمصادر اضافية للدخل القومي. لكن فنزويلا مع ذلك هي في وضع أفضل من دول نفطية عديدة فلها موارد مهمة تأتيها من صادرات مناجم الذهب والغاز ومعادن أخرى التي سبق ان حولتها الى ملكية عامة نهاية القرن الماضي وهذا بالضبط ما اثار ويثير غضب الراسمال العالمي.
لكن خطأ حكومة فنزويلا الجسيم أنها التي أممت قطاعا اقتصاديا مهما وحولته الى ملكية عامة أبقت في الوقت نفسه تجارة الاستيراد والتصدير والتوزيع بيد شركات القطاع الخاص بما فيها اهم السلع الاستهلاكية والغذائية والطبية وهو ما استغلته قوى المعارضة اليمينية لصالحها لارباك سوق السلع الضرورية التي تعتمد عليها حياة جماهير الكادحين في البلاد. .
كانت نوايا الحكومة الفنزويلية من وراء ابقاء قطاع تجارة السلع بيد القطاع الخاص هي تحجيم الدور السياسي لممثليه في الحكومة الفنزويلية حتى لا يعرقلوا السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي استهدفت ارساء القاعدة المادية لتنفيذ تطلعاتهم الاشتراكية ، لكنهم أبقوها مدة أطول مما ينبغي لخطأ في تقدير مخاطرها على مجمل النظام في فنزويلا. كان تصرف الحكومة هذا أشبه بتجاهل بركان خامد ما يلبث أن يقذف بحممه دون موعد فيترك آثارا مدمرة على البيئة المحيطة به يصعب تقدير اضرارها.
وهذا ما حصل حيث تكابد الحكومة الفنزويلية حاليا آثار تلك الاستراتيجية السياسية التي نرى نتائجها اليوم في الأعمال التخريبية التي تقوم بها القوى اليمينية في البلاد عبر التظاهرات اليومية وأعمال العنف الواسعة ضد مؤسسات الدولة لاحداث أزمة مفتعلة في عرض السلع الاستهلاكية الأساسية ذات الاستخدام الواسع. وفي ظاهرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الاحتجاجات قامت القوى اليمينية باستخدام طائرات الهليوكوبتر لالقاء المتفجرات على المحال التجارية ومخازن السلع الاستهلاكية في مختلف المدن لاضرام النار فيها لحرمان المواطنين من الاستفادة منها كما قامت بقطع الطرق العامة بتدميرها بالمتفجرات لمنع المواطنين من الوصول الى مقار أعمالهم لمزيد من ارباك الحياة اليومية العادية. مثل تلك الاساليب يراد بها زعزعة الوضع السياسي في البلاد لاعطاء المسوغ للامريكيين للتدخل العسكري
فأثناء وجوده في القصر الأبيض أصدر الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما بيانا أراد به تخويف قادة فنزويلا من السير قدما بانجازاتهم الاقتصادية محذرا بان ” الحكومة الاشتراكية في فنزويلا تشكل تهديدا للأمن الوطني الأمريكي فنحن ملتزمون بالدفاع عن حقوق الانسان والمؤسسات الديمقراطية “. و قد عزز تهديده بمنع تصدير تكنولوجيا صناعة النفط والغاز الى فنزويلا وأمر المصارف الامريكية بعدم منح القروض لتطوير تلك الصناعات.
ولم يتخلف الرئيس الأمريكي الجديد عن الدلو بدلوه هو الآخر فأصدر تهديدا نهاية شهر تموز\يوليو الماضي يتوعد فيه باتخاذ المزيد من الاجراءات العقابية ضد فنزويلا اذا ما أصرت على اجراء التصويت لاختيار المجلس التأسيسي الوطني فالحكومة الامريكية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يجري في البلاد ” وانه لا يستبعد اجراءا عسكريا للتعامل مع ديكتاتورية مادورو ” وقد اتصل الرئيس مادورو بالحكومة الأمريكية على اثر التصريح غير المسئول للرئيس الأمريكي طالبا تفسيرا لما صدر عنه ، لكن الادارة الأمريكية امتنعت عن الرد
ومن عجائب الزمن الامبريالي ان تحذو السعودية حذو الحمقى الكبارفهي لسوء الحظ ترأس لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة. فقامت أخيرا باستنكار ( (خرق الحكومة الفنزويلية لحقوق الانسان ودعت لتدخل الدول الديمقراطية في العالم لوقف هذا الخرق )). .دولة لا علم لها اين تقع فنزويلا على خارطة العالم لم تكن ديمقراطية طوال وجودها تنشر الخرافة والدجل ونظام قطع الرؤوس في كل أنحاء العالم ، وتكبح بدموية حرية المراة والراي داخل بلادها ، وتقود منذ عامين بمباركة وتحالف الولايات المتحدة والدول الغربية حرب ابادة ضد شعب اليمن الوديع لا يمكن أن تتبوء مثل هذا الموقع الرفيع. لكنه الزمن الامبريالي
المنجزات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت بفعل الثورة البوليفارية خلال مسيرة 18 عاما تحت قيادة هوغو شافيز وحزبه الحزب الاشتراكي الفنزويلي هي تراث ثمين للحركة الوطنية التحررية في العالم ينبغي علينا الدفاع عنها لحمايتها مما تخطط لها الشركات الراسمالية . ففي مجال الاقتصاد أممت نشاطات الشركات الأجنبية المتعددة الجنسية التي كانت تهيمن على استخراج وتجارة الذهب والنفط والغاز والبنوك والعديد غيرها فاصبحت ملكية عامة لصالح الجماهير وبالأخص الكادحة منهم. وفي المجال الاجتماعي والديمقراطي جرى تعزيز التنظيم النقابي والشبابي وحريات التعبير والتعددية الحزبية وأشرك ممثليهم في الحكومة والبرلمان وجعل الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية مجانية للشعب كله..
كما أجريت تعديلات للدستور عام 1999أقر في المادة التاسعة منه اعتبار لغة الأقلية السكانية من الأصول الهندية لغة ثانية وهم السكان الأصليون وعددهم نصف مليون مواطن بعد اللغة الاسبانية المستخدمة منذ سيادة الاستعمار الاسباني. كما نصت المادة الثامنة من الدستور على ان ثقافة تلك الأقلية وتقاليدها الاجتماعية معترف بها في جميع انحاء الجمهورية. كما صدرت تشريعات قانونية اعتبرت الأراضي التي يسكنونها منذ القدم حقا جماعيا لهم غير قابلة للانتزاع او نقل ملكيتها هي الأولى في تاريخ القارة الامريكية تعهدت الحكومة بموجبها بأن تلك الاراضي غير قابلة للاستثمارلاغراض اقتصادية دون أخذ موافقتهم. وقد حدد للسكان من هذه الاقلية ثلاثة ممثلين في مجلس الشعب الاساسي علما ان لهم أعضاء دائميون في الحكومة الفنزويلية ويجري احترام تلك التشريعات ويأخذ بها من قبل الحكومة الحالية
الحزب الشيوعي الفنزويلي يقيم عاليا منجزات الثورة البوليفارية ( البوليفارية تنحدر من اسم سايمون بوليفار وهو قائد حركة استقلال فنزويلا عن الاستعمار الاسباني عام 1809 – 1810 )ففي رأي الحزب انها كانت وما تزال حقيقة واقعة وان الكثير من منجزاتها ستظل لعقود طويلة تعيش في ضمير وعقل الكثيرين من أبناء الشعب الفنزويلي وخاصة الفقراء والكادحين. فبرنامج بناء المجمعات السكنية يقدم البيوت السكنية للكادحين دون استثناء مؤثثة بالثلاجات وأجهزة التلفاز والتكييف. وقد اصدرت الحكومة تشريعات جديدة لصالح العمال وتقود حملة لمكافحة الأمية واشاعة التعليم الأساسي في البلاد . فالجمهورية تعزز اقتصادها رغم انخفاض موارد النفط وهي تشكل نموذجا لم تسبقه به العديد من الدول النامية التي تشكل موارد النفط والغاز موردا أساسيا لها. للحزب الشيوعي الذي تأسس عام 1931 عضوان في الحكومة الائتلافية الحاكمة وله 23 مقرا في 24 ولاية في فنزويلا ويتمتع باحترام واسع كأقدم حزب في البلاد.
الطبقة العاملة الفنزويلية مقتنعة بان مصيرها معلق بما سيتمخض عنه الصراع الطبقي الحالي فآمالهم تتجه نحو المجلس التأسيسي الوطني المنتخب أخيرا فهو سلاحهم وما يطالبون به هو اللاعودة لهيمنة أرباب المال والشركات متعددة الجنسية على السلطة من جديد. ولهذا فان السير بالثورة البوليفارية الى الأمام غير ممكن دون الاستناد الى الجماهير الكادحة في معركتها مع اليمين وفلول الرأسمالية في فنزويلا. وعليه فان اتخاذ الاجراءات الحازمة لحماية مكاسب الطبقة العاملة والكادحين هو السبيل لمنع تكرار ما حصل في البرازيل عدة أشهر مضت عندما ازيحت الحكومة اليسارية ليحل بدلها اليمين والرجعية المحلية. وقبل ذلك حدث الشيئ نفسه في الارجنتين والهندوراس وما يجري الآن في جنوب أفريقيا لاطاحة رئيسها المنتخب بأكثرية كاسحة. فالولايات المتحدة جادة لتنفيذ تهديداتها لفنزويلا وما لم يقف الرأي العام التقدمي واليسار العالمي موقفا جادا وواسعا تضامنا مع الحكومة الفنزويلية فان الاطاحة بالسلطة الوطنية التقدمية سيكون أمرا محتما.. .
كتب السيناتورالمخضرم والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية رون بول في مقاله الأخير تحت عنوان ” الهجوم على فنزويلا : لا يمكن ان يكون جديا ؟؟ جاء فيه : ان عدم الاستقرار في فنزويلا والذي يعود لسنين هو نتيجة لمحاولات الولايات المتحدة للاطاحة بالحكومة هناك وكانت على وشك النجاح عام 2002. وقد أنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات للتأثير على الانتخابات التي كانت تجري هناك. فأمريكا تخلق عدم الاستقرار في البلاد ثم تستخدمه كحجة للتدخل العسكري .”
.
لمزيد من الاطلاع أنظر : ة
1- Joyce Nelson , Venezuela ; Target of Economic Warefare , Counterpunch , 11\8\ 017
2- Mark Wesibrot , Undeclared US War On Venezuela , Counterpunch , 24 \7\017
3- Joahim Hogopian , It Is Time to Stop Supporting Our Troops, Global Rresearch, 12\8\017
4- Shamus Cooke , Trump Versus The Venezuelan Revolution , Counterpunch , 14\8\017
5- Ron Paul , Attac Venezeula ? Trump Can`t be Serious , The Unz Review , 14\8\017
6- Sean Stinson, Fire And Fury , Six Places The US Could Invade That Aren`t North Korea , Counterpunch , 15\8\017