18 ديسمبر، 2024 11:01 م

عادةً ما تشير الدراسات الاجتماعية و النفسية الى إمكانية تغيير طبيعة و سلوك الأشخاص ,تبعاً للموقع الجغرافي و البيئة التي يسكن بها الفرد . لكن التغيير الذي تتحدث عنه العلوم هو مع الاشخاص المولودين في البيئة الجديدة او المتفاعلين معها , أما أولئك الذين تصّلب عودهم في بلادهم الاصلية فيكون التغيير عسيراً و مجهداً و مكلفاً. أخطر المراحل التي يعيشها المتصلبون من العهد القديم هي حرمان أنفسهم و أبنائهم من إمكانية التفاعل و الانجذاب مع العادات الجديدة الحسنة التي فيها رقي الانسان و التقارب نحو مشروع موحد لخدمة البلد و المجتمع .

لامناص من ان العربي تعلم في بلاده أشياء نافعة و بعض التقاليد الحسنة , لكنه بقي مسكوناً بما مورس عليه من ضغوط سياسية و عرفية و دينية , فأضحى كمن يحاول الانعتاق من ماضٍ فيه تعسف أمام حاضر يحمل قدر كبير من الفسحة و الانفتاح , وبين تعسف و انفتاح يعيش الاشخاص حالة الانفصام و الازدواج.

من المخاطر التي يحملها العربي القادم الى الغرب هي, وهم في نزعة التسلط , فبالوقت الذي يهاجر العربي من بلده المشحون بلغة التشابه و السلطة الفردية, صوب الغرب الذي يعزز إمكانية الفرد بالنهوض مستقلاً عن رأي الجماعة , لتكوين أفراد واعين مع مقدرة على إتخاذ قرارات خالية من الاملاءات الاولية. يشكل بعض العرب مؤسسات تتقارب مع الوهم و تبتعد عن الواقع محاولةً إسترجاع النزعة الاولية , من كبت و ضغوط و حرمان , فتحاول تلك المؤسسات, الهيمنة بدون أي مشروعية أخلاقية او قانونية , مع تصرفات و ممارسات فيها النصيب الاكبر من وحدانية التسلط , كما يقول ابن رشد.

أسكن الولايات المتحدة منذ أكثر من عشرين عاماً, تغيرت خلال هذه الفترة حكومات و رئاسات و مجالس بلدية , الشئ الذي لم يتغير هو عقلية العربي المتغرب, فعندما يكون رئيساً لمؤسسة , فعملية الالتصاق بالمنصب غير قابلة للإنفكاك, وليس مسموحاً بالحديث او التفاوض حول تعيين دماء جديدة لأستبدال رئاسة قديمة, يجب ان يكون الرئيس هو ذاته الى ان يأمر الله بإزاحته الى دار الاخرة. أكثر من عشرين عاماً ولازال بعض الواهمين يتشبثون بوهم السلطة , أغلب المراكز الدينية هنا بقى فيها رجالها دون تحريك . أغلب المؤسسات التي تزعم أنها الاكثر نفوذاً و قيادةً هاجعة كما رأيتها أول مرة . معظم الاشخاص الذين يحاولون التسلق على أنهم قيادات فاعلة في الجالية العربية لازالوا متخفين خلف المصدر المادي القوي او الدعاية الاعلامية لما يمتلكونه من إمكانية التسويق عبر صحف و اذاعات تابعة لهم .

لم تتغير عقلية العربي كثيراً , فهو لازال يحاور بطريقة المنتصر بينما الواقع افضى عن خسائر جسيمة في الهيكلية العامة للجالية العربية في أمريكا.

الجالية التي نقلت عقدها و أمراضها الى المنفى الجديد , لم تبارح العيش مع عقد التأريخ او ضغوطات السياسة القمعية في بلادنا العربية , و أصر البعض ان يكون رئيساً وهمياً لمؤسسة وهمية لأفراد لا وجود لهم الا بعقل ذلك الوهمي.

الانتخابات التي تجري في الغرب وفي أمريكا بالتحديد , يكون الفاعل العربي او المتحدث باسم العرب لا يمثل الا نفسه او جوقة من أصحابه و يكون الترشيد للإنتخابات بمثابة تجنيد فعلي, بحيث تكون الاصطفافات واضحة و علنية مبنية على صفات يحددها العقل الغث , فالدين و المذهب و الدولة و القرية او الضيعة من الصفات الرئيسية التي يعتمدها العقل العربي الساكن في أمريكا كشرط للإنتخاب. ولا تحتاج مثل هذه الثقافة لترويج كبير فعقل الشرق اوسطي جزئي و متحيز على رأي سكمند فرويد. أحدى المؤسسات العربية في أمريكا ،فيها كادر من بضع محامين و و رجال أعمال , تتحدث بالنيابة عن جميع الجالية العربية الامريكية, لكن هذه المؤسسة المفرطة بالضغائنية و الاستعلاء , ليس من أعضائها عراقي او سوري او مصري او يمني بينما نسبة اليمنيين عالية مقارنة بالجاليات الاخرى . كنت أعتقد ان مؤسسة تتحدث باسم الجالية العربية يمكن لها ان تحرز العدد الاكبر من الاعضاء و المريدين , إكتشفت لاحقاً ان هذه المؤسسة التي يديرها لبنانيون لا تمثل الا أصحابها وهي تمارس الغل و المقت ضد اللبنانيين . في إنتخابات سابقة كانت هذه المؤسسة ضد رئيسة المجلس البلدي (عربية) وبين رئيسة المجلس الفرد الطموح و بين وهم و تخبط مؤسسة يكون الفاصل الصوت الانتخابي , فكانت الصرخة مدوية عندما سحق صوت الفرد الحقيقي وهم و فشل المؤسسة البائسة .

أعتقد أننا يجب ان نفقه ثقافة الانتخاب و تحضر الدولة التي نعيش فيها , لسنا بحاجة لأنتخاب العربي لأنه عربي , هذا التمايز يجب ان نهمله و نغادر الى ما هو اسمى وانفع , فالدين و الطائفة و العرق ليست من مقومات نجاح الدولة المدنية و التعايش السلمي . كم من عربي فاسد و مرتشي و طائفي متحيز في مناصب الدولة أضر بالعرب و السمعة العربية , بينما نجد ان كثيراً من الامريكان لا يكترثون بالطائفة او العرق .

لازال العربي فيه بقايا رماد الحريق الطائفي و التحزب الكريه ولازالت الاغلبية تتصرف بعقلية البلد الأم , ولازلنا غير قادرين ان نتفاعل مع النهضة العالمية .

لذلك أقترح تغيير وجوه القيادات في الجالية العربية , و تعيين طاقات شابة و متفاعلة مع البيئة الامريكية و غير مهتمة لتأريخ الشرق الاوسط بشكل عام .