16 نوفمبر، 2024 8:40 ص
Search
Close this search box.

التجارة الموازية والتهريب في سياق العولمة، تشخيص وآفاق

التجارة الموازية والتهريب في سياق العولمة، تشخيص وآفاق

إعداد/ د.كمال العروسي
تعتمد الدراسة على بعض النتائج والاستنتاجات التي توصّلت لها الدراسة التشخيصية والاستشرافية التي أجريت منذ عقدين من الزمن حول “التجارة الموازية والتهريب بالفضاء الحدودي التونسي الليبي من 1988 إلى 2012″، وهو عمل وليد دراستين انجزتا منذ التسعينات بمعهد المناطق القاحلة بمدنين حول موضوع ظاهرة الاقتصاد الموازي الناشئة بجهة الجنوب الشرقي التونسي وانعكاساتها على الوسط الريفي والقطاع الفلاحي، والثانية قمنا بها لفائدة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية عقب الثورة التونسية واستفحال ظاهرة التجارة الموازية والتهريب في عموم البلاد مع انطلاق الثورة الليبية.

مقدمة :

جاءت الثورة التونسية لتثير في الآن ذاته عديد القضايا المتعلّقة بمسائل: “التحرّر والتحرير”، “المركز والهامش” و “الرسمي والموازي ” و”المهيكل والمهمّش”. فكانت من بينها مسألة الفضاءات الحدودية والحركيّة التي شهدتها عقب ثورتين متجاورتين (التونسية والليبية) جعلتا أصحاب النظر من القوى المهيمنة – وهي التي لا تزال تعتبر مسألة الحدود بين الدول العربيّة من مشمولاتها الجيوسياسية في العالم- تستنفر أجهزتها لمراقبة تلك الفضاءات التي صارت محلّ اهتمام ومحور بحث وتقصّ لعديد مراكز الأبحاث والاستشراف والمؤسّسات الدولية في العالم.

في هذا السياق تمت دراسة أحد المفاصل الجيوسياسية الحسّاسة المتمثّل في الفضاء الحدودي وقطاع التجارة الموازية والتهريب المتبلور فيه كمجال يختزل جملة من التقاطعات، داخلية بين الهامش والمركز، وخارجية مثّلت العولمة أحد أبرز الفاعلين فيه.

فلئن شهد الفضاء الحدودي التونسي الليبي منذ أواخر الثمانينات حركيّة بشريّة وتجاريّة لم نشهد لها مثيلا منذ ميلاده إبان الحقبة الاستعمارية في بداية القرن العشرين (1910) فإنّ هشاشة الوضع الأمني في الفترة الإنتقاليّة (ابتداء من 14 جانفي 2011) فسحت المجال لتغوّل شبكات التهريب ممّا سبّب أضرارا كبيرة لاقتصاد البلاد وساهم في غلاء المعيشة جرّاء تهريب بعض المواد الغذائية الأساسية والفسفاط والمنتوجات الفلاحية والأدوية إلى القطر الليبي الشقيق. وعلى الرغم من إحباط الجيش الوطني والحرس الديواني والحرس الحدودي العديد من عمليّات تهريب للممنوعات من السلع والعملات الأجنبية فإنّ مقاومة الظاهرة كانت جدّ متواضعة أمام الحجم الحقيقي الذي باتت تتمتّع به هذه الشبكات العاملة بين الحدود البرية للبلاد على الجانبين الليبي والجزائري. لقد أصبحت سنة 2012 سنة مرجعيّة في عدد عمليات التهريب التي تمّ إحباطها، إذ سجّلت فيها اللّجنة الفرعية لمقاومة التهريب (الوزارة الأولى) تزايدا بنسبة 330% مقارنة بسنة2011 وبنسبة 9% مقارنة بسنة 2010. فقد تبيّن لنا بعد اطّلاعنا على محاضر الديوانة والحرس الحدودي المتعلّقة بالسلع المحجوزة من المهرّبين في سنة 2012 أنّ ظاهرة التهريب وسّعت نشاطها وبسطت شبكاتها في جلّ القطاعات الإقتصادية والمجالات، وهذا دليل على أنّها قد شهدت تطوّرا لا سابق له إبان حكم بن علي واستقرّت في مكامن الحياة الإقتصادية للبلاد ومفاصل إدارة الدولة ممّا خوّل للعاملين فيها مواصلة نشاطهم حتى بعد سقوط رؤوس شبكاتها. فقد شملت هذه الظاهرة كافة القطاعات من مواد ومنتجات فلاحية ومواش وأبقار ومواد غذائية ومواد ومنتوجات معملية ومنجمية (اسمنت مسلّح، فسفاط) وأدوية ومخدّرات وذهب وعملة صعبة وأسلحة صيد وذخيرة وغير ذلك. ومن هذا المنحى وغيره باتت ظاهرة التجارة الموازية والتهريب تتبوّأ درجة غير مسبوقة في سلّم المخاطر الاستراتيجية المهدّدة لأمن البلاد واقتصادها وأصبح من الضروري تشخيصها واستشراف انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على المدى المتوسّط والبعيد.

من المعلوم لدينا أنّ هذه الأسواق الموازية التي فرضتها ديناميكيّة شبكات التجارة الموازية في المجال الحدودي التونسي الليبي، منذ نهاية الثمانينات (ومركزها مدينة بنقردان)، سرعان ما انتشرت مثيلاتها على كامل التراب التونسي مدنا وقرى (مدينة الجمّ مثالا). ومن المؤكّد أنّه لا يمكننا فهم هذه الظاهرة وسرعة انتشارها على امتداد دول الجنوب دون الرجوع إلى السياق العام الذي أفرزها ألا وهو “العولمة”. فإذا ما ألقينا نظرة على خريطة الشبكة العالميّة للتجارة الموازية سنجد أنّ هذه الأسواق تتوزّع في جلّ القارات وخاصّة في عديد البلدان العربية والإفريقية والآسيويّة، التي بات البعض من عواصمها كدبيّ (الإمارات العربية) وشنغهاي (الصين) وفايا (التشاد) والخرطوم (السودان) وطرابلس (ليبيا) من المرافئ الكبرى للتجارة الموازية والمزوّدة لشبكات التوزيع العالمية.

ومن هذا المعطى فإنّ شبكات التجارة الموازية التونسيّة تنخرط هيكليّا وتنظيميا في سياق “العولمة المتخفيّة” أو بمعنى أدقّ العولمة التي صيغت لدول الجنوب ذات الدخل المتدنّي والتي اتخذت من هذه الشبكات “حصان طروادة” لفتح أسواق موازية لبضائعها الجديدة والتي هي نماذج مقلّدة -لا تلتزم بمعايير الجودة التي تميّز البضاعة الأصليّة- ومن هذا المنظور الفنّي فهي “بضاعة موازية” أيضا إلاّ أنّها تُغري المستهلك لسعرها الزهيد. وهذه البضاعة الموازية المصنّعة بتكنولوجيا أمريكية في الصين ودول جنوب آسيا تحت إشراف الشركات “عبر الوطنيّة” (société transnationale (STN)) وبتمويل من المؤسّسات المالية الأمريكية والأوروبية الكبرى تكون معدّة للتصدير لأسواق دول الجنوب حصريّا وتُمنع منعا باتا من الدخول لأسواق دول الشمال التي تُخصَّص حصريّا للبضائع ذات المعايير الأصليّة وحيث تُشدّد الرقابة الديوانيّة لمنع دخول البضائع الموازية أراضيها. ولقد مثّلت البضائع المقلّدة في العالم سنة 2003[1]، نسبة تتراوح من 7 إلى 9% من حجم التجارة العالميّة وأنّ التجارة الموازية في العالم تمثّل 15% من مجموع المبادلات الإقتصاديّة العالميّة. وحسب إحصاءات إدارة الديوانة الفرنسية فإنّ حجم البضائع المقلّدة التي يقع حجزها من مصالحها قد تضاعف إلى حدود 44،5 مرّة بين سنة 1994 و 2011 قافزا من 200000 قطعة محجوزة إلى 8،9 مليون قطعة لنفس السنوات المذكورة، وقد بلغت البضائع المقلّدة التي حجزتها مصالح الديوانة الأوروبية لسنة 2010 أكثر من 103 مليون قطعة بقيمة قدّرتها بـ: 1،100 مليار أورو، ويعزون هذا لتطوّر التجارة عن طريق شبكة الأنترنت. أمّا غرفة التجارة العالمية فقد ذكرت أنّ جملة الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد العالمي الرسمي فاقت الألف مليار دولار (1000 مليار دولار) سنة 2011 مع الإشارة إلى أنّها تتوقّع أن تتراوح تلك الخسائر بين 1220 و 1770 مليار دولار موفّى سنة 2015[2]. كما يتّضح من جلّ الدراسات المهتمّة بالموضوع أنّ نسبة 80% من إنتاج هذه البضائع يقع في الدول الآسيويّة (بالأخصّ في الصين).

إضافة إلى ما أشرنا إليه وبالرجوع إلى تطوّر نسب الاستثمارات الخارجيّة المباشرة (IED) الوافدة على الصين ودول شرقي آسيا من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة منذ التسعينات يتّضح لنا أنّ ما يسمّى ببضاعة مقلّدة أو بضاعة موازية ما هي في الحقيقة إلاّ نتاج استراتيجيات تجارية لشركات عالمية كبرى مختصّة في التكنولوجيات الحديثة تستهدف إنشاء أسواق جديدة في العالم والتعريف بمنتجاتها وخاصّة في دول الجنوب. ولقد سخّرت من أجل هذا الهدف -غير المعلن- عدّة إجراءات من بينها تحويل جزء هام من استثمارات المؤسّسات المالية الكبرى لاستثماراتها بالخارج نحو الصّين التي باتت تحتلّ مرتبة “دولة ذات حظوة” لدى الولايات المتّحدة، كما فتحت الولايات المتّحدة المسالك التجارية البحرية والجوية العالمية أمام هذا النشاط الجديد. ومن المفيد أن نشير هنا إلى بعض المعطيات والمؤشّرات الإقتصادية التي تميّزت بها الصّين والتي كان للدعم الأمريكي نصيب فيها خلال الحقبة المتراوحة من سنة 1990 إلى سنة 2002 حيث بلغت مجموع الاستثمارات الخارجية فيها 510،8 مليار دولار أمريكي ممّا يؤمّن نسبة 40% من نسبة نموّ الناتج المحلي الصيني كما قفزت فيها المبادلات التجارية (تصدير وتوريد) من 115،4 مليار دولار أمريكي إلى 509،8 مليار دولار ممّا خوّل للناتج المحلي الصيني القفز إلى الدرجة السادسة عالميّا بعدما كان يحتلّ الدرجة العاشرة. وفي ظلّ ما سمّي بسياسة “الإرتباط البنّاء” (“constructive engagement”) سمحت الإدارة الأمريكية لبيل كلينتون في نوفمبر 1996 بتصدير بعض المنتجات التكنولوجية والعسكرية الحسّاسة للصين، حيث سارعت الصّين باقتنائها منذ الوهلة الأولى (الحاسوب المتطوّر، تكنولوجيا عسكرية متطوّرة مستعملة للأقمار الصناعية، محرّكات الطائرات،…). وقد واصلت الإدارة الأمريكية في حقبة بوش-الإبن في انتهاج الإنفتاح على الصين من خلال سياسة “الترابط الإقتصادي” الشيء الذي جعلها تتبوأ ابتداء من سنة 2007 المرتبة الأولى من بين الدول المصدّرة للولايات المتّحدة وقد مثّلت واردات هذه الأخيرة من الصين نسبة 16،5% (321،500 مليار دولار) من مجموع وارداتها من العالم لتصل سنة 2012 إلى نسبة 18،6% (بقيمة 390،800 مليار دولار) بينما لم تتخطّ صادرتها إلى الصين 100،200 مليار دولار لنفس السنة[3]. ولكن في ظلّ ما توفّره العولمة من حريّة تنقّل و”انتجاع” للمؤسّسات الصناعيّة والخدماتيّة ولرأس المال العالمي بين القارّات والدول، لنا أن نتساءل: هل ما زالت المفردات من قبيل “الواردات” و “الصادرات” لعصر ما قبل-العولمة تؤدّي نفس المعنى في عصرنا الحاضر؟ إذ ما معنى إدراج منتوجات صنّعها بلد ما خارج حدوده ثمّ جلبها لسوقه المحلي في خانة “الواردات”؟ حسب تقارير البنك الدولي أصبح الإقتصاد الصيني منذ سنة 2010 يحتلّ المركز الثاني عالميا وراء الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن يتبوّأ المركز الأوّل سنة 2030 كما يفيد خبراء أهمّ بنك في العالم. من جهة أخرى، وحسب موقع ويكيبيديا، هنالك أكثر من 20000 شركة ذات رأس مال مشترك (صيني أمريكي) في الصين وأكثر من 100 مؤسّسة متعدّدة الجنسيات مقرّها الولايات المتحدة تستثمر مباشرة في الصين. وللإشارة فإنّ هذه الشركات العالميّة، والتي غالبا ما يكون مقرّها الرّسمي بالولايات المتّحدة الأمريكية، أوروبا أو اليابان، أصبحت تحافظ على جنسيّتها الأمّ ولكن مع بعث وحدات انتاجيّة أو ماليّة لها في عموم العالم بحيث صارت تسْميتها المتداولة في المؤسّسات الأمميّة والدوليّة منذ عام 2000 بالشركات “عبر الوطنيّة” (société transnationale (STN)) أو ما سمّيناه استعارة من المنظومات الإنتاجيّة للبدو الرحّل بالشركات “المنتجعة في العالم”. وحسب إحصائيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (CNUCED, 2009) لسنة 2008 فإنّ عدد هذه الشركات عبر الوطنيّة (STN) في العالم النامي بلغ 82000 شركة أمّ أنشأت 810000 شركة فرعيّة لها في عموم العالم[4] وهي تساهم في تشغيل سبعة وسبعين مليون شخص (77000000 شخص) كما أنّ المائة شركة (STN) الأكبر تستفرد لوحدها بإنتاج 16% من الثروات الجديدة في العالم وتساهم في الناتج الداخلي الخام العالمي بنسبة مستقرّة منذ عام 2000 تقدّر بـ 4%. وقد بلغ إجمالي الإستثمارات الأمريكية في الصّين لسنة 2011 ثمانية وأربعون (48) مليار دولار أي ضعف ميزانية الدّولة التونسية، هذا علاوة على استقطاب الصّين لمختلف صناعات الدول الآسيويّة المجاورة التي باتت تحرص على علامة “صنع في الصّين” للحظوة التي باتت تتمتّع بها الأخيرة -برعاية أمريكية- في الأسواق العالمية. وقد مثّلت عموم منطقة شرق آسيا وجنوب شرق آسيا منطقة استقطاب بامتياز لتدفّق هذه الإستثمارات نحوها إذ قُدّرت بنحو 336 مليار دولار أي بنسبة 22% من إجمالي الإستثمارات الخارجية المباشرة. أمّا بالنسبة لإفريقيا فقد شهدت تراجعا من 4،4% لسنة 2009 إلى 2،8% لسنة 2011 من إجمالي الإستثمارات الخارجية المباشرة في العالم حيث لم تتجاوز قيمتها الإجمالية 42،7 مليار دولار لسنة 2011! ويُرجع التقرير هذا الإنخفاض في حجم الإستثمارات الخارجية للدول النامية في إفريقيا للأوضاع الإستثنائيّة التي شهدتها البلدان العربيّة كمصر وليبيا وتونس خلال ثوراتها الشعبيّة، بينما نسجّل ارتفاعا نسبيّا لحجم الإستثمارات المباشرة فيها من الدول في طريق النموّ والتي بلغت نسبة 53% من الحجم الإجمالي سنة 2011 بعدما كان يمثّل 45% سنة 2010.

أمّا في تونس وحسب الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي[5] فقد تطور حجم الاستثمارات الخارجية لعام 2012 بنسبة 79،2% مقارنة بسنة 2011 (وبنسبة 27،4% مقارنة بسنة 2010)، حيث قفز من 1718،3 مليون دينار سنة 2011 إلى 3079،5 مليون دينار سنة 2012 (من بينها 2996،1 مليون دينار استثمار مباشر خارجي IED). وتصدرت فيه دولة قطر المرتبة الأولى بحجم استثمار بلغ 784،2 مليون دينار أمام فرنسا (388،31 مليون دينار) وإيطاليا (133،96 مليون دينار) وألمانيا (102 مليون دينار).

إضافة لكلّ هذه المعطيات التي ذكرناها وبالتوازي مع هذه الإستراتيجية المُعتمدة من الدّول الكبرى، تطلّ علينا بعض المفاهيم النظريّة المموّلة من البنك الدولي والمعلّبة للغرض من بعض مراكز الدّراسات الغربيّة المعتمدة، من أهمّها مفهوم “الحَوْكمة“. إنّ هذا المفهوم الجديد هو دعوة مباشرة للشبكات المحلية للتنظّم من خلاله ومقارعة الهيكل الكلاسيكي للدولة الوطنية الذي بات عبئا وعائقا أمام حركة رأس المال العالمي ومتطلباته الجديدة، حيث تحبّذ الليبرالية المتوحشة التعامل مع الفضاءات المرتبطة بالشبكات عوضا عن الفضاءات المرتبطة حصريا بمجالاتها الترابية التي تختزلها مفاهيم الدولة التقليدية في مفاهيم “السيادة الوطنية” و “السيادة الترابية” إلى غير ذلك…فمفهوم “الحَوْكمة المحليّة” بات يمثّل المدخل الممهّد لبناء “الحكومة العالمية” ويتمّ هذا بعد القضاء على هيكل الدولة الوطنيّة الكلاسيكي، غاية ما فتئ العديد من منظّري ومهندسي السياسات المتّبعة في الدّول الغربيّة ومن بينهم جاك أطّالي[6] يدعون لها صراحة… ويبقى التساؤل مطروحا عن دلالات تلقّف الدوائر الحكومية لمثل هذا المفهوم الجديد وسرعة إنفاذه ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي لجهاز الدولة (حيث تمّ إنشاء وزارة للحوكمة في الغرض) دون مناقشة مضامينه ومراميه برويّة، الشيء الذي يمكن أن يتسبّب في إضعاف ما لم نتمتّع بعد بمزاياها -جرّاء الحكم الإستبدادي- ونقصد بذلك الدولة الوطنية القادرة المستقلّة ومؤسّساتها الديموقراطيّة. ويبدو أنّ الرهانات الجيوسياسيّة الجديدة للدول الكبرى باتت تتّجه نحو إضعاف الهيكل البنيويّ للدولة في منطقة ربيع الثورات العربيّة وذلك بعد إزاحة وكلائهم من على رأس تلك الدّول التي أصبحت، موضوعيّا، تُدرج في خانة الخطر الإستراتيجي -غير المعلن- لمصالحهم بالمنطقة.

ونلاحظ، في فترة ما بعد الثورة، أنّ عمليّة الخلط بين ظاهرة التهريب والإرهاب التي تسرّبت إلى بعض أجهزة الدّولة وصارت متداولة في عديد وسائل الإعلام لم تكن نتيجة أبحاث ودراسات لمختصّين في المجال بقدر ما تبدو توصية من أجهزة استخباريّة أجنبية تسعى إلى خلق نوع من التوجّس لدى الشعب -عبر فزّاعة الإرهاب -لتثبيت وجودها في تلك المفاصل الجديدة التي أنشأتها الديناميكيات الاجتماعية عبر التواصل والمبادلات عبر-الحدودية في ذاك الفضاء الذي لا تزال تعتبره مجالا جيوستراتيجيا خاضعا لأنظارها.

وربّما تتقاطع مسالك شبكات الإرهاب مع تلك التي تستعملها شبكات التهريب التقليديّة خاصّة في الجانب الجزائري للحدود، لكن لا يمكن بأيّ حال إدراجهما تحت عنوان واحد كما يفعل البعض لأهداف ما… سيّما وأنّ شبكات التهريب في المنطقة منذ نشأتها الأولى -عقب رسم الحدود التونسية الليبية سنة 1910- كانت تعمل إمّا في كنف مقاومة المستعمر أو في مجال تهريب السلع التجارية دون الانزلاق في متاهات الإرهاب أو المسّ من أمن الدّول، وتكون في بعض الأحيان ظهيرا لشبكات التجارة الموازية التي شهد حركيّتها الفضاء الحدودي التونسي الليبي بعد فتح الحدود سنة 1988، حركيّة يسترزق منها عشرات الآلاف من التونسيّين.

من الواضح أنّ للولايات المتحدة الأمريكية مصالح كبرى في عدّة مناطق من العالم، وخاصّة في ما يخصّ سيطرتها على المضائق البحرية وتأمين الخطوط التجارية الكبرى ومنابع النفط ومسالك توزيعه ومسألة الحدود.

وقد أثارت الثورات العربية كلّ هذه المسائل في آن واحد (في اليمن ومصر وتونس) في غفلة من مراكز الاستشعار التابعة للدول المهيمنة، فبادرت الولايات المتحدة باستخدام فزّاعة الإرهاب، خاصة بعد إعادة توجيه السياسات الاستراتيجية الأمريكية بمنطقة الربيع العربي ابتداء من منتصف سنة 2013.

و”فزاعة” الإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هي بمثابة العلامات الحدودية الدّالة على فصل للمجالات السياديّة بين الدول، فهي عادة ما تكون مقدّمات لتدخّل أمريكي في منطقة ما، وذلك على غرار ما قامت به في أفغانستان (2001) أو العراق (2003) أو كما تقوم به فرنسا من عمليات عسكرية جنوب الصحراء الكبرى ضدّ شعب الطوارق وثورته (الممثّلة خاصة في الحركة الوطنية لتحرير أزواد) في مالي تحت غطاء محاربة الإرهاب، وذلك حماية لمصالحها النفطيّة وتأمين شركاتها المستغلّة للموارد الطبيعية ومناجم الذهب والفسفاط واليورانيوم جنوب الصحراء في خطّ ممتدّ من موريتانيا إلى التشاد مرورا بمالي والنيجر.

فإقليم جنوب الصحراء -الذي طالما حرصت فرنسا على جعله مغنما حصريا لها- صار محلّ تنافس شرس بين المستعمر القديم والوافدين الجدد على غرار الإيطاليين والأمريكيين والصينيين الذين دخلوا سوق التنقيب عن النفط واليورانيوم والفسفاط*، ممّا زاد من تخوّف فرنسا التي تدخّلت بجيشها لحماية مصالحها ومناطق نفوذها التقليديّة في مالي (11 جانفي 2013).

كما تواترت تصريحات القيادات العسكرية الأمريكية حول تركيز قاعدة عسكرية تابعة لـ”آفريكوم” في شمال النيجر بصحراء آغاداس في منطقة تقاطع للحدود المالية والجزائرية والليبية مجهزة بطائرات-دون-طيّار ذات مهمّة رقابيّة وقتاليّة موجّهة ضدّ مجموعات قتاليّة جنوب الصحراء حيث تقوم أيضا بترصّد خطوط إمداداتها بالسلاح والرجال من ليبيا، ويتمّ كلّ ذلك بالتنسيق مع جيوش الدول المعنيّة وعلى رأسها الجزائر[7].

أمّا في ما يخصّ الفضاءات الحدوديّة التونسية فهي كذلك تحت المراقبة اللصيقة من قوى استعمارية قديمة وأخرى وافدة تحسب ألف حساب لثورات شعوب متجاورة يمكن أن تسعى لإزالة الحدود تحت تأثير التحوّلات السياسية العميقة التي تشهدها وتطوّر الأدفاق البشرية والمبادلات الاقتصادية لصالح مشروع بناء مغاربي مشترك كأفق مستقلّ عن إدارتها وإرادتها ومنفتح على محيطه الإفريقي جنوب الصحراء.

كلّ تلك العوامل جعلت القوى المهيمنة تهرع إلى تثبيت مواقعها الجيوستراتيجية عبر بوّابة مقاومة الإرهاب الذي لا نعرف له امتدادا في النسيج الاجتماعي لبلداننا المغاربية فيما نرى مراكز استخباراتها أكثر المطّلعين على خباياه في ذات الوقت الذي تكون فيه بلداننا ومستقبلها أكبر ضحاياه…

ومن هذه المنطلقات تصبح دراسة ظاهرة التجارة الموازية والقطاع الموازي بصورة عامّة ذات قيمة استراتيجية عالية تدخل في حدّها الأعلى ضمن الحيّز الخاص بأمن الدولة وديمومتها وفي حدّها الأدنى تنبّه إلى عدم التفريط في مكتسباتها جرّاء الإنخراط الأعمى في مخطّطات القوى المهيمنة ومشاريعها للمنطقة.

– السّياق التاريخي لظاهرة التهريب بالفضاء الحدودي التونسي الليبي من مقاومة المستعمر إلى متاهات “العولمة المتخفيّة”

مع دخول القوات الفرنسية المحتلة لتخوم البلاد التونسية في الجنوب شكّل عنصر المقاومة المسلحة عائقا حال دون استتباب الأمن لها على مدى سنوات، الشيء الذي جعلها تصنّف ابتداء من 30 أفريل 1888 مناطق الجنوب “ترابا عسكريا” (ابتداء من بلدة مارث) تحت إدارة الجيش الفرنسي (قرار وزارة الحرب الفرنسية). وكانت سياسة المحتل تستهدف ضرب المنظومات الانتاجية القديمة والنسيج السياسي والاجتماعي لتلك القبائل وإخضاعها لنظامه وسوقه الجديدة. كما كان لرسم الحدود التونسية الليبية حسب محضر اتفاق بين الباب العالي (الدولة العثمانية) والسلطة الاستعمارية الفرنسية لتونس بتاريخ 19 ماي 1910 الأثر البالغ في ضرب ما بقي من تجارة القوافل التي كانت تسيطر عليها هذه القبائل وإخضاعها للرسوم والمنظومة الجبائية للمحتلّ، الشيء الذي جعل المنطقة تدخل حقبة من صراعات جديدة حول إدارة المجال والتصرف فيه وظهرت شبكات سرية للتهريب كان لجماعات محلية تنحدر من القبائل المقاومة للاحتلال اليد الطولى فيها. وقد مثلت بعض القبائل الرافضة للاحتلال بالجنوب، كقبائل بني زيد والحوايا والودارنة والتوازين خطرا أمنيا تكبدت فيه القوات الفرنسية خسائر بشرية كبيرة كان أوجها في “ثورة الودارنة” (1915) إبان الحرب العالمية الأولى. وقد لعبت الحدود الليبية التونسية دورا إيجابيا بالنسبة لعناصر المقاومة التي راوحت تواجدها بين ضفتي الحدود حسب الضغوطات من هذا الجانب أو ذاك وخاصة بعد الإحتلال الإيطالي لليبيا سنة 1912 والذي تسبب في هجرة 70000 ليبي واستقرارهم في تونس بين سنة 1912 و 1952.

منذ تلك الحقبة، تمرّس سكان تلك المناطق الحدودية على المرور بمسالك موازية لتهريب الأشخاص والبضائع، وقد ظهر ذلك مثلا في تزويد رجال المقاومة المتحصنين في الجبال بالسلاح (جبال بني خداش وتطاوين) ثمّ تمريره لباقي نواحي البلاد وإلى القطر الجزائري عبر شبكة أشرفت عليها قيادات “مكتب المغرب العربي” بالقاهرة الذي حوّله الأمير عبد الكريم الخطابي عند استقراره بالقاهرة سنة 1947 إلى “لجنة تحرير المغرب العربي”. نشطت في تلك الفترة حركة تهريب الأسلحة من مصر عبر طرق بحرية ومسالك صحراوية تمرّ عبر التراب الليبي وتكونت شبكات تهريب بين ليبيا وتونس والجزائر لفائدة “جيش التحرير الوطني التونسي” و “جيش التحرير الوطني الجزائري” على السواء. وقد أشرف على تلك الشبكات عناصر من المقاومة تحت إشراف ضباط من الجيش أصيلي الجنوب التونسي (أمثال الضابط عبد الله عبعاب والمناضل حسن شندول أصيلي بنقردان). ولقد كان لشيوخ القبائل الليبية دورا مركزيا في تأمين طرق التزود من مصر إلى ليبيا ومنها إلى التراب التونسي، حيث ساعد المناضل الليبي الشيخ “العيساوي المحمودي” في نقل كميات كبيرة من الأسلحة إلى الحدود الليبية التونسية[8].

التهريب كأحد العناصر النشيطة في سياق “العولمة المتخفية”
بعد الاستقلال، وعلى مرّ العقود، صارت مسالك التهريب التاريخية التي استعملتها المقاومة الوطنية تستخدم من قبل شبكات التهريب المحلية مستعملة إياها في السبعينات لتهريب اليد العاملة (والتي تسمّى محليا بـ “المازقري”) إلى القطر الليبي وجلب الذهب والمصوغ منه، ثمّ ابتداء من الثمانينات ازدادت وتيرة تهريب السلع بمختلف أنواعها لتصل أوجها في التسعينات على إثر فتح الحدود التونسية الليبية. وقد برزت ظاهرة تهريب المخدرات وتفاقمت قضايا الحجز فيها من قبل حرس الحدود لتصل أوجها سنة 1991 حيث بلغت قيمة المخدرات المحجوزة في 15 قضية (3829524د)[9]، وتنوعت المخدرات من “الهيرووين” و”الكوكايين” إلى الأقراص المخدرة ومادة “الزطلة”. في السنوات الألفين تطوّرت قيمة هذه المحجوزات المسجلة لدى إقليم الحرس الوطني بمدنين لتبلغ (5094600د) سنة 2006 و (5241100د) سنة 2009، وهي أرقام تدلّ على استفحال هذه الظاهرة وترسّخها في هذا المجال سيّما وأنّ المتنفذين في حكم بن علي من أصهاره وغيرهم صاروا من الراعين لهذا النشاط.

إبان الثورة الليبية ازدادت وتيرة احتكار المواد الغذائية والأدوية وتهريبها إلى القطر الليبي، وتواصلت لتأخذ شبكات التهريب أشكالا متطوّرة في التنظّم سعيا لتلبية المتطلبات الضخمة للسوق الليبية من مختلف أصناف السلع، ممّا تسبّب في أزمة في السوق الداخلية التونسية، حيث شحّ العرض في أغلب السّلع وانقطع تماما في البعض الآخر مع ارتفاع مشطّ للأسعار. وقد لاحظنا انخراط بعض المضاربين وتجار الجملة وأصحاب مخازن التبريد المنتشرين في عموم البلاد في منظومة الإحتكار وربط البعض منهم صلات بشبكات التهريب المختصّة في المواد الفلاحية التي تقلّص فيها دور أسواق الجملة حيث وصل البعض من الوسطاء والمهربين بالتعامل مباشرة مع الفلاح مثلما اختصّت شريحة أخرى من المهربين في المواد الغذائية ومادّة الحليب ومشتقاته التي غالبا ما كانت تهرّب في شاحنات صغيرة وسريعة أو مموّهة تحت مواد انشائية أو معملية تحملها الشاحنات الثقيلة. كما ازدهرت ما سمّيناها “تجارة الليل” التي تمثّلت في حركة شاحنات صغيرة (نوع أوسيزي) ومتوسطة الحجم (نوع OM و IVECO) وثقيلة عابرة طريقها نحو رأس جدير أو ذهيبة طوال الليل ودون انقطاع محمّلة بشتى أنواع السلع المنجميّة منها والمعملية (الصناعيّة والغذائيّة) وخاصّة المنتوجات الفلاحية وقطعان الماشية (أغنام وأبقار وماعز). كلّ هذه الحركية التجارية النشطة على المستوى الرسمي والموازي، ساهمت من جانبها الإيجابي في إنعاش الاقتصاد حيث ناهزت درجة نموّه بالنسبة لسنة 2012 معدّل 3،6% (حسب آخر إحصائيات المعهد التونسي للإحصاء، 2012) أمّا من جوانبها السلبية فقد أحدثت إرباكا كبيرا في قاعدة العرض والطلب في السوق المحلية وارتفاعا في مؤشّر الأسعار ونسب التضخّم المالي، الشيء الذي جعل الحكومة تستورد الخرفان من رومانيا لتعويض النقص الحاصل وسدّ حاجيات المواطنين بمناسبة عيد الأضحى لسنة 2012. من جهة أخرى تعالت أصوات نواب من المجلس التأسيسي وقوى المجتمع المدني ووقفت بحزم تجاه ظاهرة التهريب واتُّهمت شبكاتها بكونها أصبحت ذراعا من أذرع قوى الردّة والثورة المضادّة.

– التهريب معطيات وأرقام

على مرّ السنين تنوّعت المواد والسلع المهربة من وإلى ليبيا حسب ظروف السوق والوضع السياسي الذي مرّت به العلاقات التونسية الليبية التونسية والظروف الدولية وخاصّة إثر الحضر الجوي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على ليبيا في التسعينات. ويمكننا حصر السلع المهربة خاصة في مجال المحروقات والزيوت الصناعية والآليات الفلاحية والصناعية وقطعان الماشية وفي الفترة الأخيرة الفسفاط والمنتوجات الفلاحية والغذائية المدعّمة إضافة للجعة والكحول والمخدّرات وصولا إلى تهريب السلاح…

وقد قفزت قيمة البضائع المهربة المحجوزة من قبل وحدات الحدود التابعة لإقليم الحرس الوطني بمدنين من942,8 (ألف دينار) سنة 2011 إلى ما يناهز 4460 (ألف دينار) سنة 2012، وهذا الرقم هو في حدود المعدلات السنوية للعشرية السابقة للثورة. وكذلك الأمر بالنسبة لقيمة البضائع المهربة المحجوزة من قبل وحدات الحدود التابعة لإقليم الحرس الوطني بتطاوين التي بلغت 2081,1 (ألف دينار) سنة 2012 بعدما كانت 990,2 (ألف دينار) سنة 2011. وإن دلّت هذه المعطيات على رجوع المنظومة الأمنية إلى سابق أدائها قبل الثورة من ناحية المعطيات الإحصائية إلاّ أنّنا لا يمكننا أن نعتمدها كمحرار يعكس المستوى الحقيقي الذي وصلت إليه المستويات العالية للتهريب في الجنوب الشرقي التونسي.

تعريف “التهريب” وتصنيفاته القانونية

ترتبط ظاهرة التهريب ارتباطا عضويا بعنصر الحدود الفاصلة بين البلدان أو المجموعات الإقتصادية. و قد تعدّدت أشكالها واتسع مجالها عبر الزمن ليشمل علاوة على تهريب السلع عبر مسالك موازية أو رسمية -باستعمال طرق يجرّمها القانون- اليد العاملة (“المازقري” و”الحرّاقة”) والأموال (تبييض الأموال) و”تهريب” بعض التكنولوجيات الصناعية الحديثة لاستخدامها في الدول الآسيوية لإنتاج بضائع مقلّدة، وكذلك “قرصنة” المنتوجات الفكريّة والأدبيّة والثقافيّة وعرضها في شبكة الاتصال العالمي (الانترنات)…

وبالرجوع للتعريف القانوني الصرف لظاهرة التهريب (أو “الكونترا” كما تسمى محليا، والمهرّب “كناتري”) فإنّ المشرّع التونسي حدّدها بكلّ عملية توريد أو تصدير لبضاعة تتمّ من خارج المكاتب الديوانية أو مسك لتلك البضاعة داخل “النطاق الديواني”[10] للدولة. وقد عرّف الفصل 283 من مجلة الديوانة التهريب كالآتي: ” تعتبر قانونا بمثابة بضـائع مهرّبة البضائع التي يطلق عليها عبارة «بضائع خاضعـة لضابطة النطاق الديواني» إذا كـان الجولان بها ومسكها في المنطقة الترابية من النطاق الديواني غير مطابقين للقواعد المحــددة”[11].

وقد أدخل الفصل 284 شيئا من المرونة في التعامل مع هذه الظاهرة وذلك بما تقتضيه المصلحة العليا للدولة والظروف الخاصة بالمناطق الحدودية[12]، كما دعّم هذا التوجّه في الفصل 289 من القسم الثالث بحيث “سمح” إلى حدود معينة بشيء من “المساكنة” أو “غض بصر مدروس” إزاء بعض التجاوزات: ” يمكن للتجـار المنتصبين طبقا للتراتيب الجاري بها العمل أن يمسكـوا قصد إعـادة البيع مخزونا من البضائع الخاضعة لضابطة النطاق الديواني على ألاّ تتجاوز قيمة هـذا المخزون مقدار خمسمائة (500) دينار لكلّ صنف من أصناف البضائع. ويمكن لمتساكني النطاق الديواني الاحتفاظ دون قيد بالبضائع المعـدّة للاستهلاك العائلي فـي حدود كميّـة تتماشى مع الاستهلاك المذكور… “[13].

و إن لم نختلف مع الدول الأوروبية في التعريف الرسمي للتهريب، إلا أن هذه الأخيرة وسّعت -ضمنيا- من دائرته في فصول تحت أبواب متعدّدة في مجلاتها الديوانية ليشمل “السلع المقلدة“، و”براءة الاختراع“، و”حقوق الملكية الفكرية” وما عادلها… وكل تلك المخالفات تندرج ضمن دائرة عقوبات يمكن أن تتجاوز الجانب المالي إلى الجانب الجزائي منها وعادة ما تكون شديدة الصرامة (من ذلك الفصل 414 في مجلة الديوانة الفرنسية لسنة 2012). وقد أفردت المجلّة المذكورة عدة فصول قانونية لمقاومة هذه الأوجه الجديدة في ظاهرة التهريب والناتجة عن العولمة وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة.

خصائص التعريفات للقطاع غير الرسمي والتجارة الموازية ومرجعياتهما التأسيسيّة
“موازي”، “غير رسمي”، “مهمّش”، “غير مهيكل”،… للتسميات أهمّيتها، فقطاع “موازي” يعني ضمنيّا وجود عالمين يتعايشان الواحد حذو الآخر، أي بمعنى أدقّ “الموازي” حذو “الرسمي” وذلك دون أن يكون لعوامل وجود أحدهما أيّ نوع من أنواع الإرتباط بعوامل وجود الآخر، في هذه الحالة يكون لكلّ قطاع مركزه وهامشه الخاصّ به تماما كما يحدث بالنسبة لظاهرة “التجارة الموازية” أو “التهريب”. إذ يمكن اعتبار “التجارة الموازية” إحدى ميكانزمات “العولمة المتخفية” مركز انتاجها منطقة جنوب شرق آسيا وخاصة الصين، فيما تمثّل المجالات الوطنية لدول الجنوب هامشا لنشاطها تبلور بفتح أسواق وشبكات تزوّد وترويج محلية موازية.

أمّا تسمية “قطاع مهمّش” فهي تتضمّن وجود علاقة وارتباط مع “القطاع الرسمي” الذي يمثّل “المركز” لـ”هامش” يُعتبر قطاعا غير ذي أهمّية ولا تغطّيه القوانين الشغليّة والإجتماعية الناظمة للقطاع الرسمي فأصبح يعيش على هامشه مستفيدا من هشاشة التوازنات الإجتماعية لخلق فضاءات للتبادل خاصّة به كمثل الباعة المتجوّلين وعملة المنازل ومختلف المهن الصغرى غير القارّة.

وأخيرا تأتي تسمية “القطاع غير المهيكل” لتوحي لنا ضمنيّا بوجوده داخل “القطاع الرسمي” الذي صار يحتوي على “قطاع مهيكل” وآخر “غير مهيكل” وذلك جرّاء انخرامات بنيويّة في المنظومة الإنتاجية الرأسمالية داخل “القطاع الرسمي” لكن يبقى يستمدّ من الأوّل أسباب وعوامل وجوده. و”للقطاع غير المهيكل” أهمّية كبرى في التنفيس عن المنظومة الرأسمالية للقطاع الرسمي عند “الأزمات” حيث يتكفّل بالضغط على المصاريف وكلفة الإنتاج ومنها كلفة اليد العاملة والجباية فهو ظاهرة وليدة للقطاع المهيكل وظهير لمنظومته الإنتاجية الرأسمالية كمثل الوحدات الإنتاجية الصغرى.

فيما يخصّ التعريفات المتداولة عالميا “للقطاع غير الرسمي” (secteur informel) أو المتفرّعة منه “كالقطاع المهمّش” (secteur marginal) أو “القطاع غير المهيكل” (secteur non-structuré)، فقد عرّجنا في دراستنا على مجمل تصنيفاتها، وإن بدا لنا رأي في هذا الباب يجعل من تعريفنا للإقتصاد “غير الرسمي” ذا معنى أشمل بمقياس مباشر يعتمده أهل القرار والشّأن السياسي في البلاد خلاصته: “تندرج ضمن ما اصطُلح على تسميته اقتصاد غير رسمي كلّ عمليّة إنتاجية أو تجاريّة لا يشملها الجرد ولا تخضع للقوانين الرسميّة الناظمة للشغل ولا تغطّيها الجباية ضريبة أو إعفاء، وهو لصيق بالاقتصاد الرسمي الذي يمثّل مركزا للهامش الذي يتبلور فيه“. ولنضفي على تعريفنا “للإقتصاد غير الرسمي” صفة أشمل فقد حرصنا علاوة على توصيفاته المعتمدة عالميّا والتي تخصّ عدم التزام منتسبيه بالتشريعات والقوانين الرسميّة الناظمة للشغل وظروفه الإجتماعية والبيئية على التركيز على صفة “التهرّب الضريبي” الجامعة لكلّ تعريفاته المتفرعة منه، حيث نجد مؤسّسات كبرى تنشط في القطاع الرّسمي لدول الجنوب تلتزم بقوانين العمل والتشغيل ولكن لارتباطها بمنظومة الفساد في أنظمة الحُكم الإستبدادية فهي غالبا ما تُعفى من الضرائب على المواد المورّدة التي تدخل في عمليّة الإنتاج (les Intrants) وذلك بعمليّة “غضّ بصر ممنهج”، وبإذن خفيّ من السلطات الإستبدادية الحاكمة (“الإعفاء الجبائي غير المُعلن”). فبتوسيعنا لمفهوم الإقتصاد غير الرسمي سنجده يشمل عديد المؤسّسات الكبرى في القطاع المهيكل فهي وإن وُجدت غالبا بالمناطق ذات الحظوة ستتساوى -بمقياسنا الذي يرتكز أساسا على الجباية- مع الناشطين في التجارة الموازية بالفضاء الحدودي. فبمقياس الإنعكاسات السلبيّة على إقتصاد البلاد وانخرام العدالة الإجتماعية في توزيع الثروة يتساوى التاجر المُدرَج ضمن القطاع المهيكل داخل البلاد والمتهرّب من الضريبة مع المهرّب الحدودي أو المتعاطي للتجارة الموازية، وهذا موضوع يستحقّ أن يفرد له الباحثون ما يستحقّه من اهتمام سيّما وأنّه أحد ركائز “العدالة الجبائية” ومدخلا مهمّا لإرساء “العدالة الاجتماعية” والتوازن التنموي بين الجهات.

أمّا “التجارة الموازية” (commerce parallèle) والتي بدأت بالظهور في تونس منذ موفى ثمانينات القرن العشرين فيمكننا اعتبارها ظاهرة موازية لا تمتّ بصلة إلى الإقتصاد الرسمي أو غير الرسمي من حيث المنشأ والصيرورة ونعرّفها كما يلي: “تندرج ضمن ما اصطُلح على تسميته “تجارة موازية” كلّ عمليّة تبادل تجاري ومالي (مبادلات سلعية وخدماتية وماليّة) في الفضاء الحدودي، لا يشملها الجرد ولا تخضع للقوانين الرسميّة الناظمة للقطاع، كما لا تغطّيها الجباية ضريبة أو إعفاء. تنطلق مراحلها الأولى من خارج البلاد لتُستكمَل مراحلها الأخيرة (الترويج والاستهلاك) داخل حدودها.

يسمح هذا النشاط بتزويد السوق المحليّة بالبضائع عن طريق المعابر بواسطة شبكة من العاملين دأبت على مراوغة الإجراءات والتراتيب القانونية الجاري بها العمل (كالاستيراد المتواتر للسلع المعدّة للاستهلاك العائلي -في حدود الكمّية المسموح بها قانونا-) أو بكميّات كبيرة باستعمال وسائل غير مشروعة (الرشوة) أو عبر المسالك البريّة”.

ويمهّد التعريف الأخير للتجارة الموازية لتعريف الاقتصاد الموازي: “الاقتصاد الموازي” هو منظومة اقتصادية دخيلة أفرزتها “العولمة المتخفية”، تنافس الدولة في إدارة المجال الوطني وفي أوجه منه تمثل خرقا لسيادته الترابية، وهو التقاء تاريخي لظاهرتي التجارة الموازية والتهريب في مجال واحد، لا يشمله الجرد ولا يخضع للقوانين الرسميّة الناظمة للمجال كما لا تغطّيه الجباية ضريبة أو إعفاء”.

يتأسّس “الاقتصاد الموازي” في المجال التونسي على التقاء جملة من العناصر الضرورية، هي:

1-“العولمة المتخفية“: تتمثل أساسا في الشركات عبر الوطنية (STN) الأمريكية والأوروبية والأمريكية-الصينية المشتركة العاملة في بلدان جنوب شرق آسيا (وبالأخص في الصين) والتي تمثل مصدر الإنتاج العالمي (المركز)، حيث توفّر الشركات الأولى التكنولوجيا ورأس المال في حين تهتمّ شركات الصين وبلدان جنوب شرق آسيا بعملية الإنتاج لبضائع “ذات مستويات جودة متفاوتة” مع كلفة إنتاج متدنية.

يكون من ضمن هذه المنتوجات “علامات تجارية مقلدة” وذلك لتحفيز عملية الطلب وفتح أسواق جديدة لتلك التكنولوجيات الحديثة حيث يتمّ تسويق هذه السلع حصريا في الأسواق الموازية ببلدان الجنوب (الهامش).

2- التجارة الموازية: هي كلّ عمليّة تبادل تجاري ومالي (مبادلات سلعية وخدماتية وماليّة) في الفضاء الحدودي، لا يشملها الجرد ولا تخضع للقوانين الرسميّة الناظمة للقطاع، كما لا تغطّيها الجباية ضريبة أو إعفاء. تنطلق مراحلها الأولى من خارج البلاد لتُستكمَل مراحلها الأخيرة (الترويج والاستهلاك) داخل حدودها.

يسمح هذا النشاط بتزويد السوق المحليّة بالبضائع عن طريق المعابر بواسطة شبكة من العاملين دأبت على مراوغة الإجراءات والتراتيب القانونية الجاري بها العمل (كالاستيراد المتواتر للسلع المعدّة للاستهلاك العائلي -في حدود الكمّية المسموح بها قانونا-) أو بكميّات كبيرة باستعمال وسائل غير مشروعة (الرشوة) أو عبر المسالك البريّة”.

3- شبكات “التجار الحدوديين”: وهي متكوّنة أساسا ممن يسمّون محليّا “تجّار الخطّ” (“الخطّ” هو الخطّ التجاري طرابلس-بنقردان)، متكفلة بتزويد أسواق منتصبة بجل مدن البلاد دُرج على تسميتها “سوق ليبيا” يوجد أكبرها في مدينة بنقردان حيث يؤمّن سوق الجملة فيها تزويد باقي الأسواق داخل البلاد.

4- شبكات الصرف و المبادلات المالية الموازية: يُدار هذا القطاع من قبل أصحاب رؤوس الأموال، وهي تمتلك مكاتب للصرف الموازي في المجالات الحدودية البرية وتتحكّم في أسواق الصرف المنتشرة فيها وتجنّد آلافا من أعوان الصّرف المنتشرين على طول الطريق الوطنية رقم واحد (من واد الزاس-مدنين- إلى حدود رأس جدير) يُعرفون باسم “صرّافة”.

5- المهرّبون أو “الكناتريّة”: وهم أصحاب رؤوس الأموال الضالعين تاريخيا في التهريب في المجال الحدودي التونسي الليبي والذين يمثّلون “شبه-إدارة محلية موازية” قادرة على تجنيد شبكات التهريب عند الضرورة.

بعض معطيات البحث الميداني

تبيّن الدراسة الميدانية والمسوحات الاستبيانية النجزة في المعابر الحدودية التونسية الليبية بمنطقتي “ذهيبة” و”رأس جدير” خلال سنوات 1992 و2005 و2012 أنّ ظاهرة التجارة الموازية تحوّلت شيئا فشيئا إلى “اقتصاد مواز” أنشأ عديد الأسواق الموازية (“سوق ليبيا”) في عموم البلاد مكّن من تشغيل عشرات الآلاف من التونسيّين في المناطق المهمّشة وساهم في دعم القدرة الشرائيّة لأصحاب الدخل المتدنّي. ونشطت في هذا المجال بصفة مباشرة عديد الشرائح من “نصّابة” و”تجّار جملة” و”صرّافة” و”تجّار الخطّ” الذين قدّرنا عددهم بـ: 3215 سنة 2012، كما وصل معدّل رقم المعاملات السنوي لـ”تجّار الجملة” إلى 500 ألف دينار، ووصل رقم معاملات “الصيارفة الموازين” (أو “الكناتريّة”) إلى 5 مليون دينار يوميا سنة 2012. كما اتّضح أن التهريب هو أحد الآليّات التي تستعملها التجارة الموازية وقد مكّن على مدى عقدين من تزويد الأسواق بشتى السلع الاستهلاكية والمحروقات والمعدّات الفلاحيّة والصناعيّة (قرابة 8000 جرّار فلاحي، ومعاصر زيتون وحاصدات دارسة وجرافات، وغيرها)…

كما أظهرت الدراسة أنّ نسبة التوريد الموازي من إجمالي التوريد الفعلي من القطر الليبي بلغ 76% سنة 2012 بعدما كان في حدود 36% سنة 2005 ونسبة 92% سنة 1992.

توصيات ومقترحات لمعالجة ظاهرة التجارة الموازية والتهريب بالفضاء الحدودي التونسي الليبي
في الختام، يعدّ من الأهمية بمكان تقديم جملة من التوصيات الأوّلية التي يمكن تدعيمها لاحقا ببرنامج مديري وتنفيذي يهتمّ بالنهوض بالمناطق الحدودية وتشريك الشرائح المعنية بالموضوع في مخطّط تنمية خاص بالمجال.

ومن هذه التوصيات ما هو محمول على عاتق هياكل الدولة ومنها ما يتعلّق بالجوانب الإجرائيّة والقانونيّة في معالجة ظاهرة التجارة الموازية والتهريب بالفضاء الحدودي نوردها مبوّبة كما يلي:

أ)- توحيد تعريفنا للمصطلحات والمفاهيم

نذكر منها «الاقتصاد غير الرسمي» و «الاقتصاد الموازي» و «التجارة الموازية» ونقترح الانطلاق من التعريفات التي توصّلت إليها دراستنا للموضوع وتحسينها، وهي كما فصّلناها آنفا.

ب)- أفق الاندماج المغاربي

إنّ الأفق الذي تشتغل عليه هذه الدراسة هو أفق اندماج مغاربي يكون مدروسا بحكمة وبُعد نظر، يتأسّس أوّلا على تشخيص علمي لإمكانات بلداننا ونقائصها. ويكون من أهدافه تطويع المناطق التي جعلتها “العولمة المتخفية” بوابات لإغراق أسواقنا ببضائعها لتصبح نواة أولى لبناء اقتصاد دول اتحاد المغرب العربي الموحّد.

-إنشاء منطقة تبادل حرّ نقترح عليها تسمية “المنطقة المغاربية الحرة للتصنيع والتبادل التجاري” في ذاك المجال الحدودي تقوم الدول والمؤسسات الاقتصادية المغاربية بإنشاء مؤسسات صناعية مشتركة فيها وتزويدها بالسلع المنتجَة حصريا في بلدان المغرب العربي ويقع تبادلها في تلك المناطق بأسعار تفاضلية ومعفاة من الرسوم الجمركية. وتتحوّل تلك الفضاءات الحدوديّة شيئا فشيئا لتكون نواة أولى لاقتصاد مغاربي متكامل. وهنا لسنا بوارد ابتداع حلّ جديد، بل هي مجرّد دعوة لتفعيل الاستراتيجية المشتركة للتنمية التي أقرّتها الدول الأعضاء باتحاد المغرب العربي منذ أكثر من عقدين (في مارس 1991) والتي تنصّ على إنشاء منطقة تبادل حرّ خاصّة بالمنتوجات المغاربية.

-الفكرة الأساسية لهذا التصوّر التنموي للمنطقة يتمحور حول جعلها على شاكلة لوحة متعدّدة الوسائط (Interface) تتجمّع فيها جملة الطلبيات التجارية بين البلدين ممّا يستوجب بعث مناطق لوجستية كبيرة يمكن توزيعها بين بنقردان وجرجيس حيث يكون لشركات النقل الكبرى محطات وقواعد علاوة على مخازن تستجيب لهذه الحركية الجديدة.

– نقترح بلورة “مخطّط مديري وتنفيذي” لفائدة “المنطقة المغاربية الحرة للتصنيع والتبادل التجاري” المزمع إحداثها في المجال الحدودي التونسي الليبي.

ج)- إدماج الشرائح المحليّة العاملة في المجال في الديناميكيّة المستحدثة

بالرجوع إلى فرضيّة إقرار فكّ الارتباط مع قطاع التجارة الموازية من عدمه واعتبارا للمخاطر الكامنة في هذا المنحى السياسي أو ذاك فمن الضروري أن نجد بين هذه الفرضيّة وتلك مجال وسط تضمن فيه “الدولة التونسية” ديمومتها وحدود سيادتها وهيبتها أمام مواطنيها، على أن يقع تأطير هذه الشبكات في الفضاءات الحدوديّة لتكون نواة أولى لاقتصاد مغاربي متكامل عبر تشريك تلك المجموعات المحلية في تصوّر مشترك لنهضة تلك المناطق لإخراجها من وضعية التهميش ومنظومات “الهامش”.

– نقترح أن يقع ادماج نفس العاملين حاليا في المجال الحدودي من صيارفة وتجار جملة وشركات نقل موازية و”تجار خطّ” حتى يتمكّنوا من لعب دور محوري وبنّاء في تسيير عمليات الأدفاق السلعية والمالية التي تمرّ عبر “المنطقة المغاربية الحرة للتصنيع والتبادل التجاري” المزمع إحداثها.

د)- تطوير أجهزة الدولة وقوانينها الناظمة للمجال

– تكثيف الدورات التكوينية لأعوان وإطارات المصالح الديوانية والأمنية العاملة بالحدود مع تشجيعهم بحوافز مادية خصوصية لاضطلاعهم بمهامّهم على أحسن وجه.

– التفكير في استنباط آليّات خاصّة لمكافحة الرشوة والفساد التي تنخر مختلف الهياكل العاملة في المجال الحدودي والتي يمكنها أن تؤول إلى تكوين مؤسّسات رقابية جهوية خاصّة في الغرض.

– توحيد نظام المراقبة والعقوبات بين مختلف الهياكل الحكومية المعنيّة بشأن قضايا التهريب والتجارة الموازية عبر بعث “مجلّة وطنية موحّدة لمقاومة الاقتصاد الموازي والتهريب” تُدمج فيها “مجلّة الديوانة” وجملة الإجراءات المعتمدة في هذا الشأن من قبل الوزارات المعنية. وتكون مشَكّلة من جملة من التراتيب الناظمة لها بين مختلف المتدخّلين (الديوانة، مصالح المراقبة التجاريّة، فرق الأمن والحرس الديواني) ومتضمّنة لجملة الفصول القانونيّة الجاري بها العمل عند مختلف الهياكل المتدخّلة في الموضوع مع تحيين نظام العقوبات والرقابة فيها في شكل مجلّة موحّدة ومرجع قانوني واحد.

– بالرجوع للمعايير التي اعتمدناها في تعريفنا للاقتصاد غير الرسمي يتمّ تعميم مراقبة مصالح الدولة لهذه الظاهرة على سائر النشاطات الإقتصادية حيث يمكنها التسرّب إلى جزء من العمليّات الإنتاجيّة في المجال الرسمي في عموم البلاد.

– خلق “وحدة قضائيّة” داخل وزارة العدل تختصّ بهذه القضايا وتطبّق ما تأتي به فصول هذه المجلّة الجديدة، ونقترح أن يكون اسمها “ المجلّة القانونية الموحّدة لمقاومة الاقتصاد الموازي والتهريب“.

– تفعيل الاتفاقيات الممضاة من تونس فيما يخصّ “اتفاقيّة أوروماد” (Euro-med، الممضاة في أغادير بين بعض الدول العربية والدول الأوروبية في أوت 2006) وهذه الإتفاقية تنصّ على شروط ونسبة المواد المضافة المشروطة في المنتوجات المصدَّرة للخارج، وكذلك اتفاقية “منطقة التجارة العربية الكبرى” الممضاة بين الدول العربية والتي دخلت حيز التنفيذ منذ جانفي *2005.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

[1] Chavagneux Christian et seuret Franck. Les contrebandiers de la mondialisation, Alternatives Economiques n°216, juillet-août 2003. pp. 38-54.

[2] Comité Colbert. La lutte anti-contrefaçon de l’industrie du luxe, 2012. Lien disponible sur : http://www.google.fr/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&ved=0CCEQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.comitecolbert.com%2Fassets%2Ffiles%2Fparagraphes%2Ffichiers%2F19%2FLutte%2520CC%2520contrefa%25C3%25A7on_dp_2012.pdf&ei=3GbsVLLyJoq9UdPSgrAP&usg=AFQjCNFNKbq0cZA3iJ00o6aIGf4JuJofmg&bvm=bv.86475890,d.bGQ

[3] U.S. Department of Commerce, US Census Bureau, novembre 2012.

[4] CNUCED (Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement). Rapport sur l’investissement dans le monde, Sociétés transnationales, production agricole et développement, ONU, New York et Genève, 2009, 69 p.

[5] Agence de promotion de l’investissement extérieur. Note IDE année 2012, mise en ligne 11-10-2013, http://www.investintunisia.tn/site/fr/documents.php?categorie=55&id_article=136

[6] Attali Jacques. Demain qui gouvernera le monde ? Paris, Fayard, 2011, 418 p

* تمّ اكتشاف احتياطي هامّ من النفط والفسفاط واليورانيوم شمال مالي من قبل شركة إيطالية كما تحصّلت الصين زمن الرئيس المالي “أمادو” – قبل الإطاحة به في انقلاب عسكري في مارس 2012- على رخصة في التنقيب عن اليورانيوم شمال مالي، كما تعدّ مالي ثالث دولة في إنتاج الذهب في إفريقيا. أمّا مناجم اليورانيوم في النيجر فتعدّ مزوّدا رئيسيا لمحطّات الطاقة النووية الفرنسية حيث تقوم شركة “أريفا” (AREVA) الفرنسية باستغلال مناجم اليورانيوم في المنطقة منذ ما يناهز الخمسين سنة. وكلّ تلك المناطق الغنية بالموارد المنجمية والنفطية تقع وسط أراض متنازع عليها مع قبائل الطوارق ولا تزال الحركة الوطنية لتحرير أزواد وغيرها تطالب بحقوقها في الانتفاع بتلك الثروات.

[7] Studer Elisabeth. L’Africom (commandement de l’armée US en Afrique) non remis en cause par le shutdown – www.leblogfinance.com – 5 novembre 2013. Disponible à: http://www.leblogfinance.com/2013/11/lafricom-commandement-de-larmee-us-en-afrique-non-remis-en-cause-par-le-shutdown.html

[8] عمار السوفي. عواصف الإستقلال، رؤية في الخلاف اليوسفي البورقيبي جذوره وتداعياته، من ثامر إلى الشرايطي. ر.د.م.ك: 7-169-61-9973-978، مارس 2006، ص 176، 271 ص. يذكر عمّار السوفي: ” لقد تمّ تجنيد مجموعة من الخبراء بمسالك الصحراء والتهريب من عناصر المقاومة للقيام بهذا الدور الذي مهّد له المناضل “عبد الله عبعاب” بتكليف من “صالح بن يوسف” و “علالة البلهوان” حيث اصطحب “أحمد بن بلة” إلى جهة نالوت واجتمعا بالمناضل الليبي الشيخ “العيساوي المحمودي” الذي ساعد على نقل كميات الأسلحة إلى الحدود حيث كانت تتسلمها شبكات تكوّنت لتهريبها عبر مسالك مختلفة”

[9] عائشة التايب كرشيد. حركة الهجرة السرية والتجارة الموازية عبر الحدود التونسية الليبية وظاهرة التهريب بأقصى الجنوب التونسي. أطروحة دكتوراه، قسم علم الاجتماع، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، 1996-1997، ص. 317، 403 ص.

[10] حدّد الفصل 44 من “مجلة الديوانة” “النطاق الديواني” كالآتي: ” 1- يشتمل النطاق الديواني علـى منطقـة بحرية ومنطقة بريّة. 2- تقع المنطقة البحرية بين الساحل والخط الخارجي للبحر الإقليمي كما يحدده التشريع الجاري به العمل. يضاف إلى هذه المنطقة البحرية المتركبة من المياه الداخلية والبحر الإقليمي المنطقة المتاخمة كما يحددها الفصل 45 من هذه المجلة. 3 – تمتدّ المنطقة البرية :أ- على الحـدود البحرية بين الساحل وخط مرسوم في الداخل على مسافة تتراوح بين 20 و30 كيلومترا من شاطئ البحر. ب- على الحدود البريّة بين حدود التراب الديوانـي وخط مرسوم في الداخل على مسافة تتراوح بين 20 و30 كيلومترا .-4 تشتمل أيضا المنطقة البرية للنطاق الديواني علـى تراب الجزر الطبيعية والاصطناعية والتركيبات المحدثة في المنطقة الاقتصادية أو الجرف القاري. -5 لتيسير ردع المخالفات والجنح الديوانية يمكن توسيـع مجال المنطقة البريّة إلى حدود 60 كيلومترا بمقتضى أمر. -6 تحتسب المسافات على أساس خط مستقيم دون اعتبار منحنيات المسالك .-7 يحدّد رسم الحد الداخلي للمنطقة البريّة بمقتضى أمر.”. مجلة الديوانة، 2008.

[11] مجلة الديوانة، العنوان التاسع (الجولان بالبضائع ومسكها داخل التراب الديواني)، الباب الأول الجولان بالبضائع ومسكها بالمنطقة الترابية من النطاق الديواني، القسم الأوّل أحكــام عامـــة، 2008.

[12] نفس المرجع السابق.

[13] مجلة الديوانة، العنوان التاسع (الجولان بالبضائع ومسكها داخل التراب الديواني)، الباب الأول الجولان بالبضائع ومسكها بالمنطقة الترابية من النطاق الديواني، القسم الثالث، مسك البضائع، 2008.

* وقعت الاتفاقية برعاية الجامعة العربية في القمة العربية في عمان عام 1997, وبتوقيع 17 دولة عليها لإنشاء سوق عربية مشتركة لتواجه التكتلات العالمية. كان الاتفاق على تخفيض الرسوم علي المنتجات ذات المنشئ العربي وإنشاء منطقة تجارة حرة عربية للاستيراد و التصدير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة