16 نوفمبر، 2024 9:29 ص
Search
Close this search box.

حقيقة الحجاب وحجية الحديث

حقيقة الحجاب وحجية الحديث

تأليف: د. محمد سعيد العشماوي
الناشر: دار الطناني للنشر والتوزيع
سنة النشر: 2013
عرض : رشا العشري

يستعرض هذ الكتاب قسمين القسم الأول يتطرق لحقيقة الحجاب عبر سلسلة من البحوث الذي نشرها المؤلف، بمجلة روز اليوسف المصرية، والقسم الثاني تتضمن حجية الحديث أوسنة النبي صلي الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا للقسم الأول سنجد الكاتب يتحدث عن الحجاب في الإسلام، حيث طرح المؤلف عدة أسئلة وحال الإجابة عليها:
_ ما هي حقيقة الحجاب؟ وما المقصود به؟
ـ ما الأساس الديني الذي يستند إليه من أنه فريضة إسلامية؟
ـ لماذا يرى البعض أنه ليس فرضًا دينيا، وإنما مجرد شعار سياسي؟
تعريف الحجاب
بداية الحجاب هو لغة الساتر، وحجب الشيء أي ستره، وامرأة محجوبة أي امرأة قد سترت بستر.
والآية القرآنية التي وردت عن حجاب النساء تتعلق بزوجات النبي وحدهن، وتعني وضع ساتر بينهن وبين المؤمنين.
(يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ( 53)سورة الأحزاب )
لفت الكاتب إلى أن هذه الآية تتضمن ثلاث أحكام :
الأول: عن تصرف المؤمنين عندما يدعون إلى طعام عند النبي (ص)،
الثاني: عن وضع الحجاب بين زوجات النبي (ص)، والمؤمنين؛
الثالث: عن عدم زواج المؤمنين بزوجات النبي (ص)، بعد وفاته.

واستخلص المؤلف من هذه الآية التي اعتمد في تفسيرها على الأدلة العقلية ، حيث أكد أن القصد من الآية هو وضع ستر بين زوجات النبي وبين المؤمنين، بحيث إذا أرد أحد من هؤلاء أن يتحدث مع واحدة من أولئك – أو يطلب منها طلب أن يفعل ذلك وبينهما ساتر فلا يري أي منهما الآخر، لا وجهه ولا جسده ولا أي شيء منه.
كما أن الحجاب بمعني الساتر هو خاص بزوجات النبي (ص)، وحدهن، فلا يمتد إلى ما ملكت يمينه (من الجواري)، ولا إلي بناته، ولا باقي المؤمنات.
ثانياً: أما بالنسبة آية الخمار
ففسر الكاتب الآية (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) سورة النور)
من أن سبب نزول هذه الآية أن النساء كن في زمان النبي يغطين رؤوسهن بالأخمرة ويسدلها من وراء الظهر فيبقى النحر (أعلى الصدر) والعنق لا ستر لهما، فأمرت الآية بلي (أي يسدلن) الخمار على الجيوب، لستر صدرها، وعلة الحكم في هذه الآية هي تعديل عرف كان قائما وقت نزولها، دون أت تقصد الآية وضع زي بعينه، أو قد تكون العلة هنا هي إحداث تمييز بين المؤمنات من النساء وغير المؤمنات اللائي يكشفن عن صدورهن. ولفت الكاتب إلى أن الحكم في الآية هو حكم وقتي يتعلق بالعصر الذي أريد فيه وضع التمييز وليس حكماً مؤيداً.
ثالثا: آية الجلابيب:
وهو على حد تفسير الكاتب، فالجلباب؛ هو الرداء أو الثوب الذي يستر جميع البدن، وجاءت الآية الكريمة (يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ (59) سورة الأحزاب).
أشار المؤلف، هنا، إلى أن سبب نزول هذه الآية هو التفريق بين الحرائر من الإماء والعفيفات من غير العفيفات، حيث أن العربيات كانت عادهن التبذل فكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء (الجواري)، وإذ كن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف (دورات المياه)، في البيوت فقد كان بعض الفجار من الرجال يتعرضون للمؤمنات على مظنة أنهن من الجواري أو غير العفيفات، ومن ثم، نزلت الآية لتفرق بين المؤمنات والإماء وغير العفيفات وهو إدناء المؤمنات لجلابيبهن.
من هنا، فإن العلة هنا هو التميز بين الحرائر والإماء، والآن فهي تنتفي لعدم وجود جواري في العصر الحالي بالإضافة لعدم خروج المؤمنات إلى الخلاء للتبرز، ونتيجة لانتفاء علة الحكم فإن الحكم نفسه ينتفي (أي يرتفع)، فلا يكون واجب التطبيق شرعًا.
رابعاً : حديث النبي
يواصل العشماوي نقده لرؤية الحجاب، فيقول، روي حديثان عن النبي (ص) يستند إليهما في فرض غطاء الرأس (الذي يسمي خطأ بالحجاب) فقد روي عن عائشة عن النبي (ص) أنه قال : ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت ( بلغت) أن تظهر إلا وجهها ويديها إلي ها هنا ” وقبض علي نصف الذراع. وروي عن أبي داود عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت علي رسول الله (ص) فقال لها: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري فيها إلا هذا، وأشار إلي وجهه وكفيه.”
ولفت الكاتب إلى أن هذين الحديثين من أحاديث الآحاد، لا الأحاديث المُجمع عليها أي المتواترة أو المشهورة، ومن جانب آخر فإنه رغم رواية الحديثين عن واحدة _ هي السيدة عائشة زوج النبي (ص) – فإنه قد وقع تناقض بينهما، ففي الحديث الأول قيل أن النبي قبض علي نصف ذراعه عندما قال الحديث، بينما قصر الثاني الإجازة علي الوجه والكفين، ومن جانب ثالث، فقد ورد الحديث الأول بصيغة الحلال والحرام، بينما جاء الثاني بصيغة الصلاح، والفارق بينهما كبير، فمسألة وقتية الأحكام لمراعاة ظروف العصر هامة جداً، فقد يأمر النبي (ص) بالشيء أو ينهي عنه في حالة خاصة لسبب خاص، فيجب ألا يفهم الناس أنه حكم مؤبد بينما هو في الحقيقة حكم وقتي.
وأضيف بعض المفكرين هنا إلى كلام العشماوي أن جمال البنا شقيق مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا كتب كتاباً مهماً أوضح فيه أن الأحاديث لا تصلح مصدراً للتشريع لأنها غير يقينية. ومعه حق فالأحاديث جمعت من أفواه الرجال بعد أكثر من قرنين فالبخاري مات ستة 296 هجريه، والبحث عن الحديث يثبت أن الذاكرة البشرية عاجزة عن الاحتفاظ بنص من دون تحريف لا شعوري بعد بضعة أسابيع، فكيف الحال إذا كان النص مر عليه أربعة ذاكرات؟
نخلص من كل ما سبق أن آيات الحجاب التي نزلت، نزلت لنساء النبي (ص) وفي ظروف معينة، وإذا كان القرآن قد أخبرنا بأن الرسول أسوة للمؤمنين “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” ( الأحزاب 33:21) فلم ترد آية واحدة تشير إلي أن نساء النبي أسوة المؤمنات. بل لقد وضع القرآن ما يفيد التفاصل بين زوجات النبي وسائر المؤمنات كما جاء في الآية “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء” (الأحزاب 33:31) بمعني أن الأحكام التي تتقرر لزوجات النبي تكون لهن خاصة وليست لباقي المؤمنات، وأضيف لكلام العشماوي أن الأحكام الخاصة بالنبي (ص) لا تنطبق علي سائر المسلمين في جميع الأزمنة وجميع الأمكنة.
الحجاب دعوة سياسية
أكد الكاتب في حديثة عن الحجاب – بالمفهوم الدارج الآن – أنه شعار سياسي وليس فرضاً دينياً ورد علي سبيل الجزم والقطع واليقين والدوام، لا في القرآن ولا في السنة، بل فرضته جماعات الإسلام السياسي لتمييز بعض السيدات والفتيات المنضويات تحت لوائهم عن غيرهن من المسلمات وغير المسلمات، ثم تمسكت به هذه الجماعات وجعلته شعار لها، وأفرغت عليه صبغة دينية، كما تفعل بالنسبة للبس الرجال للجلباب أو الزي الهندي و “الباكستاني” زعماً منها بأنه الزي الإسلامي. فمثل هذه الجماعات – في واقع الأمر – تتمسك بقشور الدين ولا تنفذ إلي لبه الحقيقي الذي احترم شخصية الإنسان وحقوقه وحرياته الأساسية، فقد سعت هذه الجماعات إلي فرض ما يسمي بالحجاب – بالإكراه والإعنات – علي نساء وفتيات المجتمع كشارة يظهرون بها انتشار نفوذهم وامتداد نشاطهم وازدياد أتباعهم.
إن عدائهم الصارخ للمرأة وكراهيتهم الفجة لها هو الذي جعلهم يتصورون أن كل ما فيها عورة، شعرها، صوتها، وجهها، جسدها، ولو كان ذلك يقبل في الماضي، فإن القول به الآن يمثل ردة جاهلية وانحصاراً وسجناً للمسلمين في الماضوية وعدم إدراك لروح ومتطلبات العصر، حصر حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، عصر يري الحجاب الحقيقي في نفس المرأة العفيفة وضمير الفتاة الصالحة التي تحجب نفسها عن الأعمال المبتذلة، وقلب وضمير المرأة الطاهر، لا في مجرد وضع زي أو رداء لا معني حقيقي له، ثم ماذا ونحن نري المتأسلمون يأمرون حتى ” بالنقاب ” الذي ما أنزل الله به من سلطان.
يجب أن يفهم الناس حقيقة أن المتأسلمين يوظفون الدين لتغطية مخططاطهم السياسية، والدليل علي ذلك أن وضع غطاء الرأس – المسمى خطأ بالحجاب – عمل سياسي أكثر منه ديني، إنه يفرض علي الفتيات الصغيرات (دون البلوغ) مع أنه وطبقاً للنص الديني يقتصر علي النساء البالغات قط. لكن القصد هو استغلال الدين لأغراض سياسية واستعمال الشريعة في أهداف حزبية، بنشر ما يسمي بالحجاب، حتى بين الفتيات دون سن البلوغ، لكي يكون شارة سياسية وعلامة حزبية علي انتشار جماعات الإسلام السياسي وذيوع فكرها الظلامي بين الجميع حتى وإن كان مخالفاً للدين، وشيوع رموزها مهما كانت مجانبة للشرع. فدافعهم هو التعصب الأعمى ورائدهم السلطة وامتيازاتها وملذاتها والمكان الملائم لتحقيق رغباتهم السادية المنحرفة بإراقة دماء المسلمين وغير المسلمين بحجج واهية وكاذبة خدمة للشيطان لا لله.
ومما سبق أوضح الكاتب أن عصر ما قبل الإسلام وفي وقت التنزيل وفي صدر الإسلام، أن الزي واللباس كانا عادات اجتماعية ومواضعات عرفية لا تتصل بالدين ولا تتعلق بالشريعة فيما عدا الاحتشام والتعفف والتطهر، فمنهج الإسلام أو شريعته حركية تتفاعل مع الأحداث لتواجه الواقع ولا تقف خارج التاريخ وبعيدا عن الزمان لا تغير ولا تتغير، كما أن الإسلام كنظام ديني وليس مشرع سياسيا، فهو نظام غير شمولي، بل يترك للناس مساحة كبيرة يتصرفون فيها، ويدع للمجتمع مجالاً واسعاً يتحرك فيه دون أن يصبه في قوالب جديدة أو يشله بقواعد جامدة كما تعمل النظم الشمولية السياسية الفاشية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة