عرض/ فهمي شُراب
يقدم هذا الكتاب تقييماً هاماً لمجريات الأحداث التي ألمت بالمنطقة العربية، ويذكر المؤلف -وهو الخبير الإستراتيجي اللبناني الدكتور نبيل خليفة- أن هناك عدة تقارير أجنبية رصينة تؤكد أن ما وقع من ثورات أوائل عام 2011 هو مقدمة لثورات أعنف وأكثر وعياً وتنظيماً، ستشتعل نيرانها لتحرق أنظمة فاسدة ودكتاتورية استغلت تعثر وعدم وجود رأس وهيكلية لتلك الثورات.
ويضيف أن هناك دولا تلعب دوراً تصحيحياً لإتاحة الفرصة لثورات تقوم على الوعي الجماهيري وإنضاج الرأي العام، لتواجه الأنظمة القمعية.
ويستعرض حرص كثيرٍ من الدول العربية السُّنية على عدم الانزلاق في الصراعات المذهبية، ويقول إنها بذلت جهداً كبيراً لم يتوج للأسف بالنجاح بسبب الفخاخ التي نُصبت لها بُعيد ثورات الربيع العربي، وقد سقطت الدول الضعيفة وأدت الحروب التي طال أمدها إلى تدمير الثروة والتماسك العربي.
وفي حين كانت الدول العربية تسعى للانعتاق من شرنقة الأنظمة الشمولية القمعية ونيل الحرية والديمقراطية؛ ظهرت الحركات المتطرفة وما سُمي بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فقامت باستهداف المجتمعات السُّنية دون الشيعية بالعنف الشديد.
يتألف الكتاب من مقدمة مطولة وستة فصول وخاتمة، وفي المقدمة يطرح المؤلف ثلاثة أقسام:
الأول: يسعى لرصد وشرح الأسباب التي قادت إلى فشل مختلف عمليات الدمقرطة في الوطن العربي، وإلى صعود المتشددين.
الثاني: يقدم تحليلا لتيار المفكرين المسيطر منذ أيام هنري كيسنجر إلى باراك أوباما، ومن ابتكر ووضع الخطط والإستراتيجيات؟ ومن تبنى هذه الإستراتيجيات؟ ومن الذي قدمها لصانع القرار لكي يتبنى سياسة التقسيم للسيطرة.
الثالث: يتعامل مع ظاهرة صعود الطائفية التي ستخلف فوضى إضافية، ستؤول إلى صراع الحضارات وتخلف كوارث تقليدية.
تقييم ثورات الربيع العربي
في الفصل الأول يطرح المؤلف سؤالا مركزيا يتمحور في: لماذا لم تحقق هذه الثورات التي دخلت عامها السادس أهدافها؟ وهل ذهب هدفها الأساسي أدراج الرياح؟
وبعد قراءة المؤلف للعديد من الكتابات والمقالات الغنية؛ يتفق مع أصحابها في أن فكرة إسقاط رموز الحكم الدكتاتوري بدون تعزيز مَوَاطِن القوة لدى أفراد الشعب، وتعزيز إدراكهم بضرورة المشاركة في السلطة، أدت إلى هذه النتائج الدرامية.
ويستعرض سبل تطوير فكرة المشاركة وإعداد القطاعات وفئات المجتمع لكي ينجحوا فور اندلاع أي انتفاضات مشابهة للثورات السابقة، التي بدأت أولى شرارتها في تونس. حيث أحرزت تونس تقدماً كبيراً ملموساً، ويعزى ذلك إلى العوامل التالية:
1- لانفتاحهم السابق على الثقافة الغربية.
2- احتكامهم لنظام دستوري متوافق عليه.
3- سيادة الروح الديمقراطية أكثر من باقي البلدان التي شهدت انتفاضات.
4- قبولهم لحزب النهضة “الإسلامي” واعتباره جزءا من النسيج المجتمعي التونسي
يؤكد المؤلف أن التخلص من رموز الحكم لم يكن كافياً للوصول إلى النظام الديمقراطي المنشود، وخاصة في الدول العربية التي تسير منذ قرون وفق أنظمة استبدادية (أوتوقراطية)، وإذا لم تكن الثورات منظمة ومخطَّطة ولها جسد، فستتم تعبئة فراغ القوة بالمتشددين، ويدخل المجتمع في معارك أخرى جانبية يحتاج معها إلى فترة كي يستقر.
وقد حصلت هذه التجارب في دول أوروبا (مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي شهدت معارك طائفية ونزف دماء وحروبا مدمرة، ولكن وصلت في النهاية إلى مستويات متقدمة من الحريات الحقيقية والديمقراطية. وقد كان من السذاجة بمكان أن نتصور أن العرب -بتاريخهم الطويل مع الاستبداد- سيحصلون بين ليلة وضحها على التركيبة الديمقراطية.
استهداف الإسلام السُّني
يؤكد المؤلف -في الفصل الثاني من الكتاب- أن الغرب يدرك أن صعود الحركات الإسلامية لا يهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فقط، بل إلى التصدي لسياسات الهيمنة التي تفرضها دول الغرب، وإلغاء الحدود داخل دول العالم الإسلامي التي رسمها الاستعمار، وفق سياسته لتقسيم دول عديدة كانت في الأصل “أمة واحدة”.
“يرى المؤلف أن الأنظمة العربية الدكتاتورية تجهد نفسها بصب مزيد من الزيت على النار لتكرس نظرة مشوهة للمسلمين السُّنة، وليصبح تنسيق الغرب مع هذه الدول لا غنىً عنه، ولتضمن هذه الدول مجرد بقائها في الحكم. ويقول إن الإسلاميين وحدهم من يستطيع الوصول لنهضة حقيقية، إذا ما حصلوا على فرصة كافية في الحكم”
ويضيف أن الأنظمة العربية الدكتاتورية تجهد نفسها بصب مزيد من الزيت على النار لتكرس نظرة مشوهة للمسلمين السُّنة، وليصبح تنسيق الغرب مع هذه الدول لا غنىً عنه، ولتضمن هذه الدول مجرد بقائها في الحكم. ويقول إن الإسلاميين وحدهم من يستطيع الوصول لنهضة حقيقية، وبناء شبكات وكيانات اقتصادية مستقلة، إذا ما حصلوا على فرصة كافية في الحكم.
ويقرر المؤلف -ضمن الفصل الثالث- أن أميركا البروتستانتية وأوروبا الكاثوليكية وروسيا الأرثوذكسية -مع امتداد فرعها العبري في إسرائيل- تعمل ضد الإسلام السُني بكل ضراوة.
وإن المستهدف من الغرب والشرق هم العرب السنة بالدرجة الأولى، والدول غير المسلمة ذات الأقليات المسلمة الكبيرة مثلا كالصين والهند. ويذكر المؤلف أن نسبة المسلمين 1.57 مليار، منهم 1.35 سُني، وفقط 220 مليون شيعي، أي أن نسبة 85% من المسلمين سُنة.
ويقول إن الغرب والشرق -رغم ما يطبع علاقاتهما أحيانا من خلافات وتباينات- على قلب رجل واحد في محاربة الإرهاب. وإن الغرب وإسرائيل أدركا خطورة وقوع الأخيرة بين دولتين سُنيتين (مصر والأردن)، فسارعا لتوقيع اتفاقيات سلام معهما رغم القناعة النخبوية بهشاشة هذه الاتفاقيات التي تحكمها أنظمة بمعزل عن شعوبها.
ويضيف أن المدير السابق لوكالة المخابرات الأميركية جيمس وولسي صرح بما يشير لتبني مثل هذه المخططات والقناعات، حيث أكد عام 2013 -في مؤتمر هيرتزيليا الذي يعقد سنويا في إسرائيل- أنه: “لا توجد أي ذرة شك في أن الغرب عليه العمل على إفلاس وإضعاف جميع المسلمين لكي يربح الحرب العالمية الثالثة”.
ويقدم الكتاب توضيحات جديدة بشأن مقولات هنري كيسنجر بالخصوص التي جاء فيها أن “‘السُّنة السياسية‘تمثل خطراً كبيراً يجب أن نعمل على تقليص مداه”، ويورد أسماء العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين أمثال ألكسيس دو توكفيل وأرنولد توينبي وشيشرون، ليؤكد أن مؤامرات الغرب ستؤول إلى الفشل لأن المجتمعات السُّنية تمتلك عوامل بقائها وضمان عودتها لأزمان المجد والانتصار.
ويطرح المؤلف أسئلة من قبيل: هل فعلاً سيحقق الغرب من وراء هذه الحروب مصلحة خاصة به؟ وماذا سيستفيد من فتح حروب دائمة ومواجهات مع أكثر من مليار ونصف مليار مسلم سُني؟
الصراع الطائفي لمصلحة من؟
يحاول المؤلف -خلال الفصل الرابع- تقديم تقدير موقف حول تداعيات ومآلات الصراع الطائفي المشتعل الآن، وهل تم وضع خطط مسبقة للقضاء على الإسلام السُّني؟ وأيضا تقويض سيطرة العرب السُنة؟
“يقدم الكتاب نظرة في عمق التفكير الإسرائيلي لما بعد الثورات، ويطرح المسارات التي تحصد إسرائيل ثمارها بسبب حالة الفوضى الحالية التي نتجت عن فشل الثورات في عدة بلدان. ويرى المؤلف أن اهتمام الغرب وروسيا بالمنطقة هدفه احتواء الأنظمة والنفط ببعديهما السُني والشيعي”
ويقدم نظرة في عمق التفكير الإسرائيلي لما بعد الثورات، ويطرح المسارات التي تحصد إسرائيل ثمارها بسبب حالة الفوضى الحالية التي نتجت عن فشل الثورات في عدة بلدان. ويرى المؤلف أن اهتمام الغرب وروسيا بالمنطقة هدفه احتواء الأنظمة والنفط ببعديهما السُني والشيعي، وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالاستسلام.
وفي الفصل الخامس؛ يرى المؤلف أن دور المسيحيين -ضمن هذا المشهد في الشرق الأوسط- دور رئيسي، ويقول إنهم لا ينبغي أن يكونوا حرس حدود للغرب ولا لإسرائيل، ومن واجبهم درء الفتنة عن المسلمين لأن سلام المسلمين هو سلام المسيحيين. كما يتحدث المؤلف عن تأثيرات الثورات العربية على لبنان.
ويؤكد أن إستراتيجية الغرب وإسرائيل اليوم في الشرق الأوسط مبنية على نظام إقليمي تفكيكي جديد يستجيب لمصالح الغرب وإسرائيل، وفيه مجال واسع لضرب وتفكيك العالم الإسلامي بدوام إدخاله في الفتنة السُّنية الشيعية.
وفي الفصل السادس؛ يوضح الكتاب أن الدول السُنية -وعلى رأسها السعودية- لم تدرك أن الغرب -وعلى رأسه أميركا- يعمل على إضعاف السُنة خدمة لإسرائيل ولنفسه، وخدمة لإيران.
وأن مأزق السعودية وبعض دول الخليج يكمن في أنهم -وهم في عمق الأزمة- لا يثقون في أميركا ولكنهم لا يجدون عنها بديلاً في توفير الأمن والحماية للخليج العربي، مضيفا أن السعودية -كدولة ريعية بالدرجة الأولى- لا تملك رؤية وإستراتيجية خاصة بها، ولا اقتصادا حقيقيا، فهي تفتقر إلى آليات قيادة العالم الإسلامي، وأكثر الدول الإسلامية والعربية تدرك ذلك.
أما الإستراتيجية الإيرانية فقد ظلت -في تفاعلاتها الخارجية- مبنية على الشعور بالقهر والاضطهاد التاريخي بسبب الانتصارات السُنية عليها، لكنها استخدمت كل أساليب الذكاء والدهاء والرياء ضمن دوائر الحلفاء (النظام السوري وحزب الله والقوى الشيعية الأخرى)، وساعدها أن المسلمين السُّنة ليست لديهم -ككتل دولية كبرى وجماعات إقليميةٍ- إستراتيجيةٌ دفاعية مناسبة، وإنما تُسجل لهم فقط مجرد مواقف وبيانات شجب واستنكار.
ويؤكد المؤلف أن الثورة الإيرانية لم تكن إلا ثورة شيعية تختبئ خلف لافتة ثورة إسلامية، كما وصفتها موسوعة أونيفرساليس؛ ولم يكن الخميني إلا رجلا من الماضي يعبر بثورته عن محدودية ونظام دكتاتوري متطرف يحمل في ثناياه بذور فنائه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب
– العنوان: محاولة استئصال التأثير السُني العربي.. تحليل جغرافي إستراتيجي للسعي الغربي والإسرائيلي والإيراني للهيمنة
– المؤلف: نبيل خليفة
– الناشر: سوسكس أكاديميك بريس، أميركا
– الطبعة: الأولى 2017
– الصفحات: 264
المصدر : الجزيرة للدراسات