خاص : ترجمة – لميس السيد :
أثارت زيارات القائد الشيعي “مقتدى الصدر”, غير المتوقعة, إلى السعودية والإمارات، مخاوف بعض دول الشرق الأوسط, وعلى رأسهم إيران، حيث أعاد “الصدر” نفسه للمشهد السياسي كحامل شعلة الديموقراطية في العراق وحصناً ضد الخلاف الطائفي بين السنة والشيعة.
في هذا السياق، تساءلت صحيفة “فير أوبزرفر” الأميركية, حول قدرة “الصدر” على نزع فتيل الصراع الدائم بين السنة والشيعة متمثلة في كل من “السعودية” و”إيران”، حيث إعتبرت الصحيفة الأميركية أن توقيت الزيارة جاء بالغ الأهمية للسياسة العراقية، وأن “الصدر” أصبح لا يريد البقاء في مكتبه بالنجف داخل العراق لمجرد إستقبال أتباعه, وإنما أراد تحريك مسارات السياسة العراقية كقائد شيعي ومحاولة لدعم موقفه في انتخابات 2018، لأن العراق لن يكون له حكومة بدونه، وهي خطوات ليست موضع ترحيب من الجانب الإيراني.
القيام بدور محدد في المنطقة..
يقوم رجل الدين وأتباعه بصفقات في محاولة لدخول مواقع في العراق كوسيط بين العراقيين والإيرانيين والسعوديين. وقد تم تفويض “الصدر”, حالياً, من قبل السعوديين للقيام بدور في العراق لخدمة المصالح السعودية وعودة العراق إلى صفته العربية, من خلال لعب دور في سد الخلافات والفجوات بين الدول الثلاث. وهذا ما يفسر لماذا حصل على 10 ملايين دولار من المملكة العربية السعودية والوعود التي أعطتها المملكة لبناء القنصلية في النجف.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: “هل تميل الرياض حالياً نحو الصدر أم يميل الصدر نحو الرياض على حساب طهران ؟”.
إن ظهور “الصدر” كزعيم وطني قوي يمكن أن يكون له بعض المزايا، التي تراها السعودية، بسبب موقفه القومي الجديد, الذي جعله حصناً محتملاً ضد النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد اتضح ذلك في بيانه الصادر في نيسان/أبريل 2017, ضد الرئيس السوري “بشار الأسد”، مطالباً إياه بالإستقالة. وفي الوقت الحالي يوجد توتر بينه وبين الفصائل الشيعية المتنافسة، خاصة بعد اشتباك “ميليشيات الصدر” مع قوات “الحشد الشعبي” المدعومة من إيران.
وتقول الصحيفة الأميركية أن السعودية أرادت أن ينضم شخص مثل “الصدر” إلى الميدان العراقي, لتنظيم الشؤون الداخلية والعلاقات الخارجية بشكل أفضل، وقد بدأ هذا عند دعوة من الأمير “محمد بن سلمان” للصدر. وتعتبر المملكة السعودية، ولاسيما ولي العهد، “الصدر” رجلاً وطنياً ذو حماسة عالية, ويؤكد على العملية الديمقراطية بوسائل غير عنيفة. ويؤمن “الصدر” بنظام الحصص في الانتخابات البرلمانية، الذي يضمن مشاركة العناصر العرقية والدينية الرئيسة في العراق مثل الشيعة والسنة والأكراد في السلطة.
على جانب أخر، يحذر بعض المعلقين والمحللين السياسيين الإيرانيين من أن السعودية تلعب على وتر مغازلة “الصدر” للتأثير على السياسة العراقية, وخاصة بعد زيارة “حيدر العبادي” للرياض في حزيران/يونيو 2017, والتي يمكن ان تهدد المصالح الإيرانية في العراق وسوريا. وقد عرض السعوديون على رئيس الوزراء العراقي فرصتين لإعادة النظر في سياساته تجاه إيران, وتحمل العواقب التي ستترتب على سيطرة إيران على سياسات العراق وموارده، بما في ذلك تهميش السنة العراقية، أو التراجع عن إيران والوقوف إلى جانب “الإخوة العرب” من أجل المضي قدماً في استعادة الاستقرار داخل العراق.
تغير التحالفات..
تشير الصحيفة الأميركية إلى أن عدم حصول السعودية على رد صريح وواضح من “العبادي” حيال تلك الفرص، جعلها تفكر بـ”الصدر” كبديل، خاصة و”الصدر” شخصية معروفة بتحول تحالفاته من أجل البقاء على قيد السلطة والنفوذ، حيث خرج عشرات الآلاف من اتباعه في فبراير/شباط 2016, مطالبين بإصلاح الحكومة, وقد أثبت “الصدر” تحول موقفه بشكل اوضح عندما وقف نشاط الميليشيات ضد الولايات المتحدة وعارض حكومة “الأسد” في بياناته.
ويفيد السياسيين العراقيين والتقارير الصحافية في العراق، أن السعودية تراقب عن كثب تطور قرارات “الصدر” في العراق, لإستخدامه كورقة ضغط على الشيعة ضد إيران, وإعادة ترسيم دور السعودية في السياسة العراقية الداخلية، ويعتقد البعض أن سر زيارة “الصدر” للرياض كانت للحصول على دعم مادي في انتخابات البرلمان لعام 2018.
وإلى جانب “الصدر”، تعلق السعودية آمالاً كبرى على “عمار الحكيم”, زعيم المجلس الأعلى الإسلامي في العراق ، والذي يخرج من كتلته حالياً من أجل إنشاء “حزب تيار الحكمة الوطني”, الذي سيكون مظلة للأحزاب السنية والشيعية في العراق، وهو ما سيكون سبباً لقيام “الصدر” بإنشاء جبهته الخاصة مستفيداً من قادة السنة المقربين في العراق ودول الخليج.
حوار جاد..
توضح الصحيفة الأميركية أن زيارة “الصدر”، استخدمتها السعودية إما لتغيير آليات المشهد السياسي في بغداد أو لإذابة الجليد بين السعودية وإيران، سعياً من الرياض للإستقرار بعيداً عن التدخلات الإيرانية, ولدفع العراق مرة أخرى إلى مسار الدول العربية بعيداً عن أي تدخل من طهران، وبمجرد تأمين مقاعد لكل من السنة والشيعة أو الموالين للسعودية داخل البرلمان العراقي في الانتخابات القادمة، فإن الرياض تكون ضمنت بذلك الفوز في الصراع ضد طهران.
ويعتقد المحللون أن الأمير “بن سلمان” بصدد دعوة زعماء شيعة عراقيين آخرين، فقط من أجل تحسين صورته بين الشيعة، حيث أن المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية معروفة برفضها لحكام السعودية. ولا شك أن السعودية قد دعت “الصدر”, على وجه الخصوص, بعد تجنبه إستخدام أي خطاب عدائي ضد الرياض أو غيرها من الدول ذات الأغلبية السنية.
إختتمت الصحيفة الأميركية بأن توقيت الزيارة, وليس نتائجها، هو الأهم، حيث أنها قد تكون إلهاماً لمزيد من العنف الطائفي والعرقي في العراق بعد خروج “داعش”, وأن نهاية الإرهاب في سوريا والعراق قد يمهد الطريق امام حرب طائفية محتملة مدعومة من قوى المنطقة، خاصة إن بعض الدول بدأت تكتسب سلطات اقوى بعد هلاك العراق, ونهضته بات يثير فزع بعض دول المنطقة.