في تراثنا التأريخي وفي تأريخنا المحتدم بالمواقف و المواقع ينقل لنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يمر من أمام رجل من غير دين وكان ذلك الرجل يُلقي عليه بأنواع من الاوساخ فما كان من الرسول إلا ان يمسح ذلك الذي ألقي عليه ثم يستمر في طريقه غير آبه بذلك الفعل الدنيء , بالوقت الذي كان يستطيع ان يشير الى احد من اصحابه لكي يقتص من ذلك الرجل . هذا ما نقله التراث الاسلامي لنا و لا اعرف كم مساحة الحقيقة من هذه القصة لكن الذي أعرفه ان أخلاق النبي فوق مديات التصور البشري و أعلى من تطلعاتهم , في اجواء الرسول و في مساحته التي رسمها لنا نرى اليوم بان المسلمين قد تخطوا عتبات الخطوط الحمراء التي خطها لنا الاسلام وأبحروا بعيدأ دون رشد أو ارشاد فأخذنا الموج الى حيث يهوى لا الى حيث نريد . تظاهرت العديد من الدول الاسلامية على الفلم الذي يسيئ الى رسول الله إستنكاراً على ذلك العمل القبيح الذي قام به بعض المغرضين و اللاهثين وراء الفتنة و احتجت بعض الدول رسمياً على ذلك الفعل الشنيع . الغريب الذي يهز البدن هو تعامل بعض الاشخاص مع تلك الحادثة حيث قام بعض هؤلاء في مصر وليبيا بالتحديد بالعبور الى ضفة اللامعقول و اللامقبول حيث ان هؤلاء هم من روج لهذا الفلم و الحقيقة اننا مشتركون جميعاً في الترويج و النشر لهذا الفلم و المسلمون سرعان ما تثار عواطفهم ليخرجوا الى الشارع ليجدوا المتربصين على أهبة الاستعداد لكي يقودوا ويسيروا تلك الجماهير الغاضبة وكما يقول جوستوف لوبون ( ان الجماهير أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني المنطقي ) اتذكر في هذا الشأن القس تيري جونز القادم من فلوريدا الى مشغن لكي يحرق القرآن فما كان من المسلمين إلا ان يخرجوا وحداناً و جماعات و يهتفوا ويصرخوا بأعلى أصواتهم تنديداً بالقس الداعي الى الفتنة , لكن هذا القس استشعر بقيمته ومكانته الكبيرة امام هذه الحشود الغفيرة و محطات الاعلام المتنوعة , فقرر اعادة السيناريو مرة اخرى لكن هذه المرة انتبه المسلمون وانتبه العقل الاسلامي الناضج , بأن هذا الحالم يريد ان يصعد على اكتافهم وفعلاً تسلق الرجل خطوات نحو الاعلى لكنه في المرة الثانية إرتطم بالارض حيث تفاجئ بان لا احد أعاره تلك الاهمية ففشل الرجل والذي أفشله هي الحكمة , الحكمة التي غابت اليوم عن شوراع المسلمين وصارت فارغة الى الفارغين و الابرياء الذين يأخذهم المد العاطفي الى حيث المحذور الذي لا يقبله الرسول . الذي حصل اليوم من قتل وحرق يستدعي من الواعين ان يقولوا شيء لكي يخمدوا تلك النيران المشتعلة و التي لا يعرف احد من الذي أضرمها بأجساد الابرياء . ينقل ايضاً في تراثنا التأريخي وبعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب قام ابنه فقتل رجل فارسي ثأراً لوالده الامر الذي دعى بعض الصحابة للمطالبة بقتل ابن عمر لأنه قتل رجل من دون حق . اليوم قتلت أنفس وحرقت مقرات وصوامع من دون وجه حق فمن المسؤول ؟ ومن المستفيد ؟ وما الذي فعلناه او غيرناه بهذا العمل ؟ انني أدرك عظيم الفرحة عند الذين يتربصون بالاسلام وكبير الهمة عند الذين يريدون ان يشوهوا تأريخ الدين وأدرك ايضاً من اننا لازلنا غافلين . متى نستفيق ؟ .