26 نوفمبر، 2024 6:17 م
Search
Close this search box.

فرقد ” مدد” السودانية – الصوفية في نسختها العالمية للاسلام

فرقد ” مدد” السودانية – الصوفية في نسختها العالمية للاسلام

اظنه ماسينيون المستشرق قد قال ان الصوفية قد حولت الاسلام من نظام العبادات والمعاملات الى نشاط حيوي من الاناشيد والموسيقى والرقص…وما تقوم به فرقة ” مدد” السودانية خير مثال على ذلك … وهي نسخة للاسلام تجتاز الحدود الدينية وتخترق الصورة المكرسة في السنوات الاخيرة عن الاسلام كدين عنف وقتال وعبادات روتينية بائسة تكسر الظهر وتميت القلب وتجمد العقل..
كات الليلة هي المرة الثانية التي اكون فيها محظوظا بالصدفة لاستمع واشاهد الموسيقي العذبة والرقص الجميل والترانيم الروحانية لهـذه الفرقة التي عادة ما تقدم عروضها في الساحات العامة… كانت المرة الاولى في مدينة باراماتا قبل عام وهـذه الليلة في مدينة اوبن ذات الغالبية المسلمة. وتاتي هذه الفعالية ضمن نشاط “مهرجان سدني للموسيقى المقدسة ” لهذا العام
يمكن لنا بلا مغالاة ان نشيد بالنجاح الذي لاقته هذه الفعالية حيث حركت الارواح وهزهزت العظام للجمهور الذي لم ترتج رؤوسهم واقدامهم ومؤخراتهم طربا وجذلا مع الموسيقي فقط بل انغرست لديهم صورة جميلة عن الاسلام الشفاف العذب الذي يصل الى كل العالم من مختلف اللغات والاديان بدلا عن نسخة الجهاد المقدس والرؤوس المبتورة والوجوه الملثمة والاحزمة الناسفة.
هنيئا لهذه الفرقة هذا الجهد الميمون وهنيئا للاسلام هـذه الصورة الانسانية الكريمة التي تعبر الحدود وتدخل القلوب والوجدان بعفوية بالغة وان كان لدينا ماخذ بسيط نتمنى ان تتسع له صدور الفرقة والقائمين عليها وهي مسالة تتعلق بطبيعة الكلمات التي تصاحب الموسيقى حيث تتركز عادة حول تمجيد اسم الله ورسوله محمد وهو امر لا غبار عليه ولكن نتمنى ان لا تتحول تلك الكلمات الى ما يشبه الشعار من خلال تقوية النبرة على عبارة ان “محمد هو رسول الله ” والتي تحتل تقريبا مجمل الفضاء “اللغوي ” الذي يكاد ان ينحسر تماما لصالح هذه العبارة الشعار حيث يصير وكانه الهدف الاول والاخير من كل هذه الجهود ليس الفن والموسيقى والتجليات الروحية  بل لايصال هذه الرسالة “المبطنة” وبطريقة لا يخفى انها تفقد الصوفية مداها الانسانى الشامل وتضيق من افقها فضلا عن انها تستفز مشاعر الاديان الاخرى.  ما اجمل ان تتحرر الكلمات من هذا القيد الديني الضيق الى فضاء انساني يمجد الحياة والكائنات والبشر بكل الوانهم واطيافهم لتمسي انغاما صافية تسبح في تهاويم اللانهائي اللامحدود اللاموصوف اللامسمى .
ان عظمة الصوفية تتمثل في فضائها المفتوح على كل صنوف البشر وفي تحررها من النظرة الدينية المنغلقة والعدوانية والغاء الاخر حيث ان المحور الاساس للصوفية قد جسدته عبارة البسطامي العظيمة ” الطريق الى الله بعدد انفاس الخلائق” وهو ما يمنحها تلك القوة الخلاقة التي تجعل الناس من كل الاديان والطوائف تفتح ابوابها واسعة لهذه “الطريقة” في النظر الى الله والى الاديان الاخرى.
عموما نرجو ان لا تكون هذه الملاحظة بمثابة مثلبة للفرقة او انها تريد ان تنتقص من جهودها الفنية الرائعة بل هي مجرد وجهة نظر نحاول ان نلفت الانتباه اليها لكي تكون الفرقة بحق تمثل التسخة العالمية الانسانية للاسلام ولا يعيبها ان تكون كذلك سوى الانتباه لتلك العبارة “الملغومة” التي قد لجآت اليها الفرقة دون ان يكون في بالها ذلك المعنى السلبي الـذي اشرنا اليه.
facebook: Fadeel Kayat

أحدث المقالات