في حياتنا المعاصرة كثير من الألغام منها ماهو فكري أو إجتماعي أوغيرها من الألغام المختلفة الأنواع والأحجام التي يجب المسارعة بتفكيكها على يد الخبراء الحضاريين لوقاية المجتمع من أخطارها إلا أن أشدها فتكا وقابلية على التدمير هو اللغم الطائفي ولاسيما أن وطننا يقع في منطقة قوس الأزمات ويتعرض لتأثير منخفض طائفي بإمتياز.
إن خطورة الألغام الطائفية ذات الأبعاد السياسية تكمن بتهديد بنية المجتمعات التي لم تُحسن معالجة نسيجها الوطني ولاسيما في ظل تغول هوس التصدي للمذاهب الأخرى ، وغياب القوانين التي تمنع اللعب بالصواعق الطائفية مثل ما يطفو على صفحات المواقع الألكترونية والصحف والفضائيات وغيرها من وسائل الظهور الإعلامي تحت دوافع شتى منها حماسية أوعاطفية لتفريغ شحنة طائفية أو فراغ فكري أو طفولة عقلية أو إتكاء على قراءات مجتزأة في الكتب القديمة التي لم تكتب لعصرنا أوحديثة أحادية النظرة ….
في تاريخنا القديم والحديث جرت محاولات عدة لتفكيك اللغم الطائفي منها( المواجهة الفكرية / الحادة ، والمدخل السياسي / الدبلوماسي ، ومشروع التقريب) ولكنها لم تكن حلولا حاسمة تطفىء جذوة الطائفية المستعرة ، لذا فمن واجب العقلاء اليوم المساهمة الجادة في تفكيك اللغم الطائفي ومن أجل تعزيز هذا المسار أطرح بعض الأفكار على طريق الحل الحضاري ، تتضمن الفقرات الآتية :
– الحل الإستراتيجي.
– وثيقة الاحترام.
– البديل الثقافي الوطني.
1- تبني الحل الإستراتيجي من أجل إعادة بناء مجتمعنا على أسس جديدة ومنها الحل البنيوي طويل المدى، ويشمل ثلاثة أمور:
– المراجعات الفكرية لكل موروثاتنا الدينية والثقافية والتاريخية التي تُذكي هذا الصراع، ليس من أجل تصويب أفكار الجيل الحالي ، ولكن من أجل تأسيس عقول أجيال جديدة يُنتزع منه فتيل الأزمة، أجيال تعي جيدا كل الأفكار المطروحة في مجتمعها، وتدرك أن تقرير الحقائق يختلف عن تقرير الحقوق.
– تأسيس دولة المواطنة والعدل والحرية ، حاملة المشروع الحضاري التي تحشّد المجتمع كله في مسار الفعل، وتسنّ القوانين والآليات التي تضبط التدافع الفكري والسياسي؛ وحينها لن يستطيع أحد أن يضر بالمجتمع، لأنه يصبح حارس نفسه ضد أي محاولة لتفتيته. كما نرى في بعض الدول الأوروبية كيف تتدافع الأفكار ضمن إطار مقنن. إذ يصبح التنوع العرقي والديني والطائفي أداة يستثمرها المجتمع ويجعل منها طاقة خلاقة.
– بناء مجتمع مدني قوي قادر على أن يساهم مع الدولة في مشروع بناء وطن قوي موحد، من خلال مؤسساته المتنوعة والفعالة. التي تكون صمام أمان يحول دون اشتعال فتيل الأزمات.
2- وثيقة الإحترام .
تؤكد على الإطر العامة للتعايش من أجل تجفيف المستنقع الطائفي ، كما تعد الوثيقة بداية الطريق العملي لتقوية النسيج المجتمعي ، وتسهم في إختفاء الشائعات التي يختلقها أنصار الطوائف ضد بعضهم ولاسيما بعد إستفحال آليات الشحن الطائفي، تتضمن الوثيقة الفقرات الآتية:
– خطر تكفير الطوائف والتقليل من شأن الأعراق . النقاش إن حدث، يتم بطريقة علمية وليس في الشارع أو على طريقة الشارع.
– خطر الحديث عن المعتقدات الخاصة بالطوائف بطريقة تثير الكراهية ودعوة لاحترام الرموز، والحث على احترام ممارسة الشعائر الدينية الخاصة وطريقة أدائها.
– تكوين هيئة استشارية مشتركة للعمل على حل المشاكل التي قد تنشأ .
3- البديل الثقافي الوطني.
يعد البديل جزأ من الحل ، إذ يأتي ليملأ الفراغ الذي ينمو فيه الفطر الطائفي السام ، ويتضمن الفقرات الآتية:
– الاعتراف القانوني والسياسي بكل المذاهب والطوائف والأعراق ، وسنّ القوانين التي تجرّم وتعاقب من يمارس التمييز الطائفي.
– تنقية المناهج التعليمية والتربوية والمنابر الاعلامية من كل المفردات والموضوعات التي تبث الكراهية الدينية.
– بناء ثقافة وطنية جديدة قوامها الوحدة واحترام التعدد والتنوع بكل مستوياته وصيانة حقوق الإنسان وإحياء الحوار الحر والموضوعي والتعريف بقيم الوحدة والتعددية والتسامح.
– البناء الثقافي الجديد الذي يركز على طرح الأفكار المستقبلية للحد من ظاهرة العودة المستمرة للماضي من خلال رفض العقلية الأحادية والثقافة الإقصائية والمناهج الإستبدادية.
فمن أجل منع تطاير الشرر الطائفي وإرساء ثقافة التعايش وتعزيز السّلم الأهلي والبدء بمشاريع التنمية المستدامة يلزم تفكيك اللغم الطائفي وإبقاء القضية موضع نقاش عام، وبناء الحواجز المؤسسية والقانونية والفكرية التي تحول دون تسرب الطائفية الى عموم أفراد المجتمع . ولاسيما تطوير ثقافة مضادة للطائفية، كسنّ عقوبات رادعة وإعداد فعاليات إجتماعية تنمي الحس الشعبي لكي يرفض وبشدة المساس بمقدسات أي طائفة ، ولكي لاتبقى هذه الأفكار حبيسة السطور ينبغي على مؤسسات التربية والتعليم والإعلام أن تأخذ على عاتقها تفعيل هذه الأفكار.
إضاءة : كل كلمة لا تحمل جنين نشاط معين فهي كلمة فارغة. . كلمة ميتة !(مالك بن نبي ، فيلسوف ، ومفكر جزائري 1905- 1973م).