منذ عام 2008 ولغاية يومنا هذا الدولة العراقية لديها عزوف شديد عن تغيير أغلب المسؤولين ومدراء الدوائر الحكومية ، مهما كانت الأخطاء المرتكبة من قبلهم جسيمة ، ومهما كانت أفعالهم غير قانونية ، والسبب في ذلك يعود إلى المحاصصة المقيتة التي أُبتلي بها العراق ، سواءاً كانت محاصصة طائفية أم حزبية تعود لنفس الطائفة أم مناطقية .
بطبيعة الحال فإن توزيع المناصب في أغلب مفاصل الدولة بُني على اتفاقات بين الأطراف السياسية أو أن هذه الأطراف هي راعية لتنصيب زيد أو عمرو وإن لم تظهر في الصورة بصفتها وعنوانها.
لذلك فإن من شبه المستحيل المساس بأحدهم أو محاسبته أو إعفاءه واستبداله مادام تحت حماية حماية هذه الجهة أو تلك .
ومن هنا يتولد لدى المسؤول شعور بأن الدائرة أو المرفق الذي يترأسه هو ملك شخصي له ويبني كافة تصرفاته تأسيساً على ذلك بغض النظر عن القوانين والأنظمة والتعليمات حيث إن مخالفتها أصبحت سمة شائعة وإهمالها مبدأ متفق عليه.
فكانت رغبات المسؤولين مقدسة وادعاءاتهم غير قابلة للبطلان أو إثبات العكس لأنها مصدقة في كل الأحوال تحت مظلة الاتفاقات الحزبية التي تتمتع بها ، وإن هذه الرغبات والتصرفات أضحت أعلى وأسمى من القوانين بل وحتى أسمى من الأديان.
وإن بعض المسؤولين بدأ يستقتل من أجل الحفاظ على المكاسب المتحققة ويحارب ويقصي ويهمش ويستبعد كل منافس له ولو لمجرد الشك بذلك ويضع خططاً مستقبلية للتنكيل بالآخرين قد تكون بناءاً على رؤيا رآها في منامه أو وهم يسيطر على مخيلته .
لايمكن تصور حالة مسؤول ما يطلب من أحد موظفيه ترك محل وظيفته وتقديم طلب نقل خارج الدائرة أو خارج المرفق الحكومي برمته بل وخارج محافظته لسبب واحد فقط هو إن هذا المسؤول يشعر بالخطر من هذا الموظف ويعده منافساً مستقبلياً قوياً له ، وفي حالة رفض الموظف ذلك عليه أن يتحمل عواقب حرب ضروس يشنها ضده المدير وأعوانه ومتملقيه ، وعلى الموظف أن يستقبل المضايقات الحقيرة والعقوبات في القريب العاجل .
اليوم الكثير من المسؤولين أصبح يورث كرسي المسؤولية لخليفة من اختياره هو ، حينما يحصل على موقع آخر ويجب على الخليفة المُنَصَّب أن يحذو حذو سيده في كل شاردة وواردة .
إن العراق بحاجة إلى ثورة فكرية وإدارية وثقافية وعلمية وأخلاقية كي يتخلص من رواسب مرحلة أحرقت الحرث والنسل ، ولا يتحقق ذلك إلا بالخلاص من المحاصصات والتقسيمات والعمل تحت عنوان العراقية وفقط العراقية .