عقد ونصف العقد تقريبا مضت من عمر العراقيين، حوت فيما حوته مايحار فيه الفهم من غرائب وعجائب، ومن يقلب صفحاتها يتفاجأ بما يمر به البلد من تضاربات في الأحداث، فتارة تبدو له حياة العراقيين على كف عفريت، وعلى شفا حفرة من الهلاك، من جراء تصرفات ساسة من الداخل، تقابلها من الخارج تدخلات إقليمية، بأجندات تتنوع أبعادها بين سياسية واقتصادية. وتارة أخرى تلوح له في الأفق القريب بشائر أمل، ويرى ان الفرج أدنى من قاب قوسين للعراقيين الذين طال انتظارهم له، ولسانهم يلهج دوما بكلام الله: “إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا”. ذلك ان الخلافات التي يختلقها ويتبادلها ساسة عراق الديمقراطية بتفنن متقن، أضحت -منذ اعتلوا سدة الحكم- السمة البارزة والطبيعة السائدة لسياسة البلد، فمامن اجتماع تحت قبة من قبب مجالسه، إلا وكانت لهم صولات وجولات وبطولات لاتكاد تتوقف، وكأن سياسيينا فطموا على بيضة “دجاجة هراتية” فصار العراك والـ “مناگر” ديدنهم في اجتماعاتهم وجلساتهم، في قيامهم وقعودهم وعلى جنوبهم.. واضعين مصلحة الوطن والمواطن جانبا.
أما مايلوح من بشائر أمل من تصريح هذا المسؤول، أو بيان من ذاك، فهو عادة مايكون سرابا في صحراء أرادوها بديلا عن رياض العراق وجنانه، وقد خبر العراقيون طباع ساسته هذه، وصاروا أمامه كتابا مفتوحا لاتخفى عليه تفاصيل سيناريوهاتهم، وما المماطلات والمماحكات والتجاذبات إلا معوقات لم يعد لها صدى بعد ان صدئت، وفاحت منها روائح كثيرة، منها رائحة التقاعس ورائحة الغدر بالعهود، وعدم إيفاء الوعود، وكذلك رائحة الأنانية، علاوة على رائحة الانقياد والذيلية لجهات تقبع خارج حدود البلاد.
اليوم وبعد التجارب المريرة التي مر بها العراقيون، على ساسته التنبه إلى أن الذقون لم تعد مرتعا لضحكهم، وأن صيحة المواطن المظلوم لابد لها أن تطلق يوما ما، وإن اطلقت فستسقط عروش أمام دويها، وتداس تيجان وتسحق لحى، وتمرغ حينها وجوه ناعمة بخشن التراب، جزاء ظلمها وسوء صنيعها، وقد آن الأوان لمن يعتلون مراكز قيادة البلاد والتحكم بمصائر العباد، أن يتحذروا من رد فعل المواطن المسلوب حقه، وليحذروا من استجابة دعاء المظلوم، وقد قيل في هذا:
واحذر من المظلوم سهما صائبا
واعلم بأن دعاءه لايحجب
فلقد تكشفت للمواطن اليوم ألاعيب ساسته وخديعتهم، إذ لمس لمس اليد ورأى بأم عينه، كيف ضاعت ثروات البلاد بين سرقة ونهب، لم يتوان عن القيام بهما أبن البلد، بمجرد اعتلائه منصبا يتيح له التصرف بها، علاوة على خسائر طالت أرواح أبرياء آمنين في مدنهم منذ قرون. كذلك تكشفت للمواطن سياسات أفضت الى ضياع أراضٍ شاسعة من وطنه، وتعرض أخوانه وأهله في محافظاتهم الى مصائب وأهوال، لاتحتوي وصفها صفحات ومجلدات لو أردنا حصرها.
إن المواطن ياساسة ويامسؤولون، لم يعد ينطلي عليه ماكنتم تمررونه بالأمس، وعليكم مداراة هذا الجانب وتغيير سياستكم، فمن يدري.. ومن يضمن؟ لعل ثورة ما تفضي الى سَورة غضب عارمة، تتفجر تحت وطأة الشد التي يعاني منها المقهورون والمظلومون المسلوبة حقوقهم، يومها لا ينفع مال ولا بنون ولا جاه، ولن تقي ترسانات كونكريتية مهما علت، من هياج مغبونين مضطهدين تحملوا فوق طاقتهم بكثير، وحينها لن يكون غير إصبع الندم إجابة، يدلي بها المتسببون بتداعيات البلاد وانزلاقها الى ما لايحمدهم عليه حامد، ولايشكرهم شاكر.