ليبيا إلى أين ؟ .. (2) “غسان سلامة” .. عراب لقاء باريس يصل ليبيا

ليبيا إلى أين ؟ .. (2) “غسان سلامة” .. عراب لقاء باريس يصل ليبيا

خاص : كتبت – ابتهال علي :

يظل المشهد الليبي أشبه بالملهاة الإغريقية التي لا يوجد ضوء أمام أطراف الصراع بها يرشدهم إلى طريق الخلاص من مستنقع تتشابك فيه خيوط التناحر وتتضارب مصالح أطرافه.. وفي كل مرحلة تدخل قوى أقليمية في بؤرة المشهد وتنسحب آخرى.

وفي محاولة لفهم طبيعة هذا الصراع واستقراء لملامح خريطته المتشابكة الأطراف والقوى، تفتح (كتابات) هذا الملف..

“غسان سلامة” .. عراب لقاء باريس يصل ليبيا..

وصل “غسان سلامة” المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا, السبت الموافق 5 آب/أغسطس 2017, في أول زيارة رسمية له منذ تسلمه مهام الملف الليبى خلفاً للدبلوماسي الألماني “مارتن كوبلر”، ليباشر عمله في إدارة ملف تكتنفه التعقيدات والصراعات.

والتقى “سلامة” – حسب مصادر فى الأمم المتحدة – رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا “فايز السراج” وعدد من وزراء حكومة الوفاق، كما توجه إلى مدينة “القبة” للقاء رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” وعدد من أعضاء البرلمان في شرق البلاد، ومن المقرر أن يزور “سلامة” العاصمة الإيطالية “روما” الأثنين في مهمة أشبه بـ”حمامة السلام” بين إيطاليا وليبيا.

إذ تكدرت أجواء العلاقة بين البلدين عقب استقبال الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” كل من “فايز السراج” – رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في غرب ليبيا – واللواء المتقاعد “خليفة” حفتر قائد الجيش الموالي لحكومة طبرق في شرق البلاد. وهو ما اعتبرته إيطاليا سحب الملف الليبي من تحت أقدامها لصالح الفرنسيين. وما أعقب ذلك من موافقة البرلمان الإيطالي على إرسال بارجتين حربيتن للشواطيء الليبية وهو ما أعتبره اللواء “خليفة حفتر” انتهاكًا للسيادة الليبية.

عودة البعثة الأممية..

أعلن المبعوث الأممي, عقب اجتماعه بفايز السراج, عن سعي الأمم المتحدة لتحقيق توافق وطني شامل بين الفرقاء الليبيين، وإلتزام الأمم المتحدة بالاتفاق السياسي الليبي كمرجعية وحيدة لإدارة العملية السياسية في ليبيا، مُشددًا على حاجة البلاد إلى الحوار والتوافق في مرحلة وضع الأسس حاليًا قبل الانتقال لمراحل أخرى ويقصد بها الانتخابات.

وأضاف أن البعثة ستعمل إلى جانب المفوضية العليا للانتخابات وستقدم لها الدعم اللوجستي وكل ما تحتاجه ليكون الاستفتاء والانتخابات, إذا ما أتفق على اجرائها, بمعايير دولية رفيعة.

ووعد “سلامة” بعودة بعثة الأمم المتحدة تدريجياً إلى طرابلس للقيام بمهام عملها، وكانت بعثة الأمم المتحدة قد غادرت ليبيا 2014 بسبب انفلات الأوضاع الأمنية المتدهورة في العاصمة “طرابلس”, ويمارس موظفيها مهام عملهم من العاصمة التونسية.

رحلات مكوكية..

لا تنبع رحلة “سلامة” المكوكية من فراغ.. إذ تأتي في خضم حراك دبلوماسي وسياسى للأزمة الليبية المشتعلة, منذ الإطاحة بالزعيم الليبي “معمر القذافي” عام 2011، تشارك فيه قوى إقليمية ودولية عديدة أبرزها فرنسا وإيطاليا.

بل اعتبر بعض المراقبين أن “غسان سلامة” يعتبر “عراب” لقاء “باريس” الثلاثي، الذي جمع فيه الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الأخوة الأعداء طرفا الأزمة الليبية “فايز السراج” واللواء “خليفة حفتر”، فهو شخصية تعد فرنسية الهوى، حيث يقيم في العاصمة الفرنسية باريس ويعمل أستاذاً في المعهد العالي للعلوم السياسية – الشهير باسم “سيانس بو” – وهو من أعرق وأشهر الجامعات المتخصصة في حقل العلوم السياسية في العالم.

أكاديمي ومثقف لبناني..

حظى “غسان سلامة”, الأكاديمي والمثقف اللبناني, بموافقة كافة أطراف الأزمة الليبية وأعضاء مجلس الأمن الدولي ليدير دفة حل الأزمة الليبية، وقد شهدت أروقة الأمم المتحدة محاولات عدة لترشيح أسماء خلفًا لمبعوث الأمم المتحدة السابق إلى ليبيا “مارتن كوبلر”, ففي شهر شباط/فبراير الماضي رشح أمين عام المنظمة “أنطونيو غوتيريش” رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور “سلام فياض” للمنصب. إلا أن الولايات المتحدة رفضت ترشيح “فياض”، واتهمت “نيكي هايلي”، المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عبر ترشيحه بمحاباة منظمة السلطة الفلسطينية على حساب إسرائيل, واعترض أعضاء آخرون في مجلس الأمن على مرشحين آخرين.

تعود أصول “د. سلامة” إلى عائلة لبنانية, ولد عام 1951 في منطقة جبل لبنان, وتلقى تعيلمه  الجامعي في جامعة القديس يوسف “اليسوعية” العريقة في العاصمة بيروت، وحصل منها على شهادة في القانون. ثم سافر عام 1973 إلى فرنسا، حيث حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية وعلى الدكتوراه في الآداب.

وزير ثقافة في عهد “الحريري”..

عقب عودته إلى لبنان، عمل بالتدريس الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، كما درّس في عدد من الجامعات في لبنان وفرنسا والولايات المتحدة حتى وصل إلى منصب عميد معهد باريس للشؤون الدولية.

ومن بين المناصب العامة التي تقلدها وزارة الثقافة في عهد رئيس الوزراء الراحل “رفيق الحريري” في الفترة من عام  2000 إلى 2003.

وفي عام 2003 تم اختياره مستشارًا سياسيًا لبعثة الأمم المتحدة في العراق، حيث ساهم في إنشاء “مجلس الحكم الانتقالي” في أعقاب الغزو، ثم الاحتلال الأميركي وإسقاط حكم “صدام حسين”. ثم عيّن بعدها مستشاراً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة (2003 – 2006).

أسس في عام 2007 الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق”, وشغل رئيس مجلس أمناء الصندوق حتى عام 2015، حين استقال بهدف الترشيح لمنصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”, إلا أنه سحب ترشيحه في كانون أول/ديسمبر الماضي.

وفي اواخر عام 2016 تم تكريمه باختياره شخصية العام الثقافية لمعرض الشارقة الدولى للكتاب، في دورته الـ 35.

وهو عضو في مجلس إدارة “المجموعة الدولية لإدارة الأزمات”, ومقرها في العاصمة البلجيكية بروكسل، و”المعهد الدولي للسلام” ومقره في نيويورك، وكذلك “مؤسسات المجتمع المنفتح” و”مكتبة الإسكندرية”.

أسهم بمؤلفات عديدة في مجال العلاقات الدولية وسياسات الشرق الأوسط ، أبرزها: (المجتمع والدولة في المشرق العربي) و(السياسة الخارجية السعودية منذ عام 1945.. دراسة في العلاقات الدولية) و(أميركا والعالم: إغراء القوة ومداها) و(نحو عقد عربي جديد – بحث في الشرعية الدستورية).

منصب دولي بدون إرادة فاعلة..

تجبر هذه المؤهلات والخبرات ومستوى الإتصالات, التي يتمتع بها “غسان سلامة”, كل المتابعين للأزمة الليبية وأطرافها على الشعور بالتفاؤل بشأن مدى فاعلية دوره ونجاحه في تقريب المسافات بين أطراف الصراع الليبي، رغم تشكك أطراف عدة مثل إيطاليا بسبب صراعها المعلن مع فرنسا على من يتولى زمام الأمر في الشأن الليبي.

كما أن أبسط قواعد العلاقات الدولية تثبت غالبًا أن من يتولى منصبًا دوليًا مثل الأمين العام للأمم المتحدة أو مبعوث دولي لمنطقة ما، لا يغير من معادلات الأزمة شيئًا بدون إرادة الأطراف المتورطة في الصراع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة