ان الإنسان يعيش في الزمان، والزمان في صيرورة مستمرة، فالذي كان مستقبل يصبح حاضر، والحاضر يصبح ماضي، والإنسان هو وسط هذه الدوامة التي لا تعرف التوقف.
الزمان يتكون من ثلاثة أوجه، وهي الماضي والحاضر والمستقبل، وبين هذه الاوجه علاقة قوية فمثلاً :
( لو كان الإنسان لا يدرك إلاّ الحاضر لاصبح سلسلة غريبة من بدايات متقطعة، لا يجد فيها الشعور بوحدة شخصيته ولا شروط التفكير المتلاحم الفعال والخلاق ).
فلا يكون الزمان متكامل ومثمر إلاّ بوجود هذه الأوجه الثلاثة، فالناس الذين لا يهمهم ماضيهم وتاريخهم، هم كالشجرة التي يبست لان لا جذور لها، وأما الذين متعصبون لماضيهم ومتغفلين عليه، يجعلون الحاضر ماضياً، لانهم مخلصون للتقليد، فبدل من ان يحيوا الماضي في الحاضر يقتلون الحاضر في الماضي، وأما الموقف الثالث، فنجده عند الناس الذين يرجعون إلى الماضي ليجعلوه حاضراً منيراً وفعالاً. انهم يدخلون الماضي في ذاكرتهم وقلبهم لكي يبعثوا فيه الحياة، وهؤلاء الناس هم مثقفون. لان الإنسان المثقف : هو الذي يعيش مع جميع الأجيال الماضية، ويحيّا مع كل البشرية القديمة، ويعيش بكل حكمة القدماء، ويرسل جذوره في عالم الأمس واليوم ، فغاية الثقافة هي أن تجعل الإنسان شامل لكي يصبح رجل كل الأزمنة، فغاية الثقافة هي أن تسلمني الإنسان الشامل، لكي أصبح رجل كل الأزمنة، بفضل ذاكرة القلب، فذاكرة القلب تسمح لنا أن نعيش حب بعضنا لبعض لاننا نلتقي في ماضي مشترك ، فالحاضر هو أهم لانه هو بيدنا، فهو وقت العمل والتأمل والفرح، به نحيي ماضينا ونبني مستقبلنا. ويجعل الفيلسوف الروسي المعاصر برديائيف الحاضر وحده موجود وذلك بقوله : ( انطولوجيا لا يوجد ماضي ولا مستقبل، بل فقط حاضر يخلق دون انقطاع ).
ان الحاضر أقل ما نملكه، كما يقول جورج هامل : ( بين المستقبل والذكرى يظل الإنسان في قبضته أقل شيء يملكه وهو الحاضر ). وهو أثمن ما نملكه، فلنعشه بملء ، كقول تشارلس ويكنس، وهو : ( البارحة قد عبر … فانسه، والغد لم يحن .. فلا تهتم به، واليوم هنا … فعشه ).
وهناك من يرى أن حاضره أولى بالوفاء به، فلا جدوى لهدر الحاضر بما دثره الزمن وقضى عليه الوقت. وهناك من يعيش خارج بؤرة الوقت، متخطياً حواجز الزمن متوشحاً الأمل الجميل في الغد سادراً في طموحه ، من هذا الطموح والنظرة إلى المستقبل البعيد من أجل وحدة وحفظ العراق ، ومن أجل حاضر مزدهر يحمل في طياته هموم شعب بكامله ، بلا تجزءه
ينطلق السيد عمار الحكيم ، بهذه الرؤى الشامله والموحده لكل أبناء العراق من شماله إلى جنوبه بعيدا عن الطائفيه ، باعلان تيار الحكمة وأنسحابه من تيار المجلس الأعلى، انتقاله من الماضي الذي عاشه بكل ظروفه القاسية مع عمه وابيه حتى ينتقل الى عالم الحاضر ، ويستمد قوته من الله سبحانه ، لاسيما لما للمجلس الأعلى الذي كان يترأسه الحكيم سابقاً من دور محوري ، و لرئاسته التحالف الوطني ، وما لهذا الأمر من أهمية ، بعد الإعلان عن تأسيس تيار الحكمة الوطني ، الحكيم وفي تجمع لأنصاره ، طرح حزمة من المبادئ والثوابت والأصول لتياره الجديد ، مؤكداً إن التيار الذي أعلن عنه سيتخذ خطوات ثابتة ومتزنة في المرحلة القادمة ، وما أعلنه من تسمية التيار بـــ(الحكمة) ، ماذا سيكون وهل الإسلام والوطنية يبقيان الهوية الحقيقية لمشروع الحكيم ، الحكيم مزج الماضي بالحاضر حيث كانت الحكمة تنبع من الحكيم المرجع والولي،الحكيم حاول التذكير بمناقب عائلته, ودورها السياسي والديني في العراق, ليربط تأسيس تيار الحكمة الوطني بتراث ومشروع جده الإمام السيد محسن الحكيم, الذي كان مشروعه المجتمعي “دار الحكمة”, في دلالة واضحة, إن “الحكيم عمار هو امتداد للحكيم المرجع” في استكمال “لمشروع المائة سنة”, وإن شرعيته يأخذها من مرجعيته الرشيدة ، في إشارة واضحة لمرجعية النجف الاشرف ، وثوابت شهيد المحراب وعزيز
العراق ، الحكيم افتتح كلامه بآية قرآنية ، تشير إلى مجيء النبي عيسى لقومه قائلاً: (قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ) ، نعم يجدد الحكيم الابن البار ويعلن الحكمة الوطني حتى يشمل الماضي بالحاضر والمستقبل في حكمته في وحدة العراق ووطنيته ، دعاهم لتقوى الله وطاعته, وهذا دليل على إن الحكيم يحمل فكراً ومشروعاً إسلامياً ، وأكد إن اختياره لهذا كان عن بصيرة وحجة على نفسه ، وفيه رضا لله تعالى ، ورسوله وأهل بيته وصاحب الزمان “عليهم السلام”.