* رسالة من باريس (بين الشانزيليزيه وساحة الكونكورد )
تحية طيبة .. آملاً أن تكون بخير ..
لقد سألتني بعد استلامك رسالتي المؤرخة في الخامس والعشرون من آب الجاري ، عن زياراتي وتجوالي في أماكن السياحة المشهورة والعريقة بباريس.
صديقي العزيز …
في اليوم الاول للزيارة اتجهت وصاحبي في السفر السيد مقداد الى شارع الشانزلزيه المسمى بالفرنسية (Avenue des Champs-Élysées) أحد أشهر شوارع باريس ، بل يعدّ من أرقى وأفخم الشوارع السياحيه والتجارية في العالم ، والذي سبق و أن أخبرتني بأنك كنت قد زرته في سفرتك السابقة الى باريس قبل عدة سنوات.
أُنشأ شارع الشانزيليزيه عام 1616 حين أمرت الملكة “ماري دي مديسيس” بإنشاء طريق واسع وكبير تحفه الأشجار من أجل تفير فرصة التنزه للناس وهم في عربات تجرها الخيول. يبلغ طول الشارع 2000 مترآً, وعرضه 71 مترآ, ويمتد شارع الشانزليزيه من ميدان الكونكورد وينتهي في ميدان شارل ديغول عند قوس النصر، إذ يربط شارع الشانزليزية بين ساحتي الكونكورد وساحة شارل ديغول .
توجد في الشارع أرقى المحلات التجارية والمطاعم الراقية مثل مطعم “بيتزا بينو” ، كما تكثر في الشانزلية المقاهي على جوانب الرصيف والطرقات الجانبية ، حيث جلسنا لتناول القهوة والعصير الطازج في مقهى “لا فوكيت” ( la Fouquets) ذائعة الصيت.
كذلك توجد مقهى جلسنا فيها لمرتين في المساء وهي “مقهى رينو” (l’atelier renault cafe ) المكونة من طابقين مع اماكن جلوس على الرصيف العريض الواقع أمام مبنى المقهى محاطة بنباتات جميلة ، معروض في الطابق الارضي للمقهى نماذج حديثة لسيارات رينو . وفى وسط شارع الشانزليزية يوجد محل ” الفناك ” (FNAC) المشهور ببيع الحواسيب والمواد الالكترونية والافلام , فضلاُ عن وجود أعرق محل للعطور الفرنسية فى العاصمة “السيفورا” (SEPHORA) ، إقتنينا منه تشكيلة جميلة من العطور الفرنسية الفاخرة .
يعدّ شارع الشانزلزيه ثاني أغلى شارع عقارات في العالم في هذه الايام بعدما كان في العام 1994 في المرتبة العاشرة عالميآ من حيث الأسعار العقارية .
في نهاية الشارع توجد بوابة قوس النصر (Arc de Triomphe)
حيث أمر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت (1769 – 1821 ) ببناء القوس في عام 1806 وسط باريس لتخليد ذكرى إنتصاراته الحربية، وتم الانجاز الفعلي للبوابة عام 1836 أيام لويس فيليب Louis Philippe .
قام بتصميم القوس الذى يبلغ إرتفاعه 49,50 متر المهندس شالغران على هضبة (شايو) ليكّون مركز نجمة تنطلق منها خمس شوارع رئيسية ، أضيفت اليها فيما بعد ، أثناء إعادة تخطيط العاصمة على يد البارون هوسمان سبع شوارع كبرى أخرى.
عزيزي رافد..
تقع بوابة قوس النصر بساحة النجمة (Place de LEtoile)
عند أحد أكبر تقاطعات الطرق ليس في فرنسا فحسب بل في العالم أجمع ، إذ يلتقي عند قوس النصر شارع (بوليفار)،وشارع الشانزيليزيه،وشارع الجيش الكبير،(La Grande Armée).وشوارع اخرى مثل:فوش,مارسو,هوش,وفيكتور هيغو).
صعدنا الى أعلى سطح مبنى القوس بواسطة مصعد كهربائي , في حين نزلنا عبر السلالم البالغ عددها (284 ) وهي سلالم ضيقة وزلقة تلزم الحذر لدى النزول، مع أن صديقي السيد مقداد نزل السلالم ربما بوقتٍ قياسي بسبب تلقيه مكالمة هامة في معرض التحفيات والانتيكات في أعلى سطح البوابة ، لم يستطع الاجابة عنها، إذ لا تجيز التعليمات التحدث عبر الهواتف في المعرض وأروقته.
كان المنظر من سطح المبنى رائع جدآ ومن إرتفاع حوالي 50 مترآ ، إذ من على سطح المبنى يمكن إلقاء نظرة على باريس وشوارعها وأبنيتها وحدائقها، تمكنت من رؤية اثنا عشر شارعاً متفرعاً من الميدان، في مقدمتها شارع الشانزليزية الجميل والواسع ، المحفوف بالاشجار الرائعة .
كما لم أُفّوت الفرصة لاتقاط الصور من أعلى مبنى القوس وحتى في أسفله حيث توجد شُعلة تخليد ذكرى الجندي المجهول تحت قوس النصر
أيها العزيز ..
من شارع الشانزليزيه اتجهنا الى برج إيفل ( Tour Eiffel) ، وهو البرج الحديدي المشهور الذي يقع في ساحة مارس ، أو (شامب دي مارس ) كما يقال له بالفرنسية، المتنزه العام الذي كان كان في يوم من الأيام ساحة للتدريب العسكري , وهي منطقة حدائق وأراضي خضراء ، تحفها الأشجار تقع بالقرب من نهر السين في باريس .
يعتبر برج إيفل من أكثر أماكن السياحة التي تُزار في العالم، وكان البرج يعتبر أطول مبنى بالعالم حين تم بناءه سنة 1889 من قبل إلكساندر إيفل(Alexandre Gustave Eiffel ),المولود عام 1832 والمتوفى عام 1923 بباريس.
تجاور برج إيفل إحدى أجمل ميادين العاصمة الفرنسية باريس وهي “ساحة تروكاديرو” (Trocadera Square) . يبلغ عمر برج إيفل بباريس 126 عامآ, بدء بناءه عام 1887 وانتهى عام 1889 ، وقد استغرقت مدة الإنشاء أكثر من عامين .
صعدنا الى الطابق الثاني في البرج وشاهدنا مدينة باريس بشكل أوسع مما شاهدناه من على مبنى بوابة قوس النصر … وفي المساء كان البرج أكثر جمالاً حينما قمنا بزيارته مرة أخرى، فالاضواء البراقة التي تزين البرج كانت تُضاء مدة عشرة دقائق في كل ساعة .
أما ساحة الكونكورد ” Place de la Concorde ” ، فهي معروفة بوجود المسلة المصرية التي نُقلت من من الأقصر بمصر ، حيث أهداها محمد علي باشا الى شارل العاشر عام 1829 ، إلا أنها لم تصل باريس إلا في عام 1833 فى عهد لويس فيليب.
يمتاز ميدان ساحة الكونكورد بموقعه الخاص قرب بوابة حديقة التويلري فى قلب العاصمة باريس، ومنه يبدأ شارع الشانزاليزيه ، وتطل عليه شرقآ كنيسة لامادلين , وغربآ مبنى البرلمان الفرنسي. ويطل على ميدان الكونكورد مبنى فندق “وزارة البحرية ” (Hôtel de la Marine) . كان الميدان يسمى سابقاً (ميدان لويس الخامس عشر) ، ومن ثم أصبح إسمه ( ميدان الثورة ) ، و بإزالة المقصلة عام 1795 بعد إنتهاء الحقبة الدموية آنذاك ، أطلق على الميدان إسمه الحالي “الكونكورد ” ، ويعني ( الوفاق أو الود والألفة ) . تُزين الميدان نافورتان جميلتان بالإضافة إلى ثمانية تماثيل ترمز إلى ثمان مدن فرنسية .
وقد شهد الميدان أحداثا تاريخية هامة على مدى تاريخه لعل أهمها نصب المقصلة (Guillotine) وهي عبارة عن آلة كانت تستخدم للإعدام في فرنسا وتتكون من شفرة حديدية حادة تسقط من علو فتهوى على رقبة
الذي يراد إعدامه فتقطع رقبته.
تتحدث الروايات التاريخية ، انه فى نفس الميدان نُفذ حكم الإعدام بقطع الرأس للملك لويس السادس عشر في عام 1793، وزوجته الملكة ماري أنطوانيت صاحبة المقولة المشهورة ” إذا لم يكن هناك خبزاً .. لماذا لا تعطون الشعب بسكويتاً ” ، التي أعدمت بعده بتسعة شهور في نهاية عام 1793 ، بالإضافة إلى إعدام عدد آخر من شخصيات البلاط الهامة .
وحينما إخُترعت المقصلة وأثناء عرض صاحب الإختراع لإختراعه على الملك لويس السادس عشر، إقترح الملك على المخترع أن تكون القاطعة الحادة ( الشفرة) بزاوية مائلة بدلآ من الزاوية القائمة التي في الإختراع الأصلي ، تسهيلاً لعملية قطع الرأس , ووافق
المخترع على ذلك وتم التحوير ، لكن الثوار بعد نجاح ثورتهم حاكموا الملك وحكموا عليه بالإعدام , و نفذوا حكم الإعدام بقص وقطع رأس الملك وزوجته وصاحب إختراع المقصلة بنفس الأداة ( سبحان الله ) .
ساتحدث لك في رسالة لاحقة عن زيارتي لاماكن اخرى في العاصمة الباريسية الجميلة والعريقة…
دمت بخير والسلام..
المخلص وليد،
باريس في الثامن والعشرون من آب ٢٠١٢