ما نسمعه هذه الأيام من بعض السياسيين العراقيين بشأن دعوة الرئيس مسعود بارزاني، رئيس إقليم كوردستان لفتح الباب أمام مضمون جديد للعلاقات بين أربيل وبغداد وإجراء الإستفتاء على الإستقلال، يتشابه بالتمام والكمال مع ما قالوه في الأمس القريب بشأن دعوة السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم لحق الكورد الدستوري في إستخراج النفط وتصديره .
حينها كانت أقوالهم وتصريحاتهم دلائل على عدم إعترافهم بحقوقنا الثابتة والمشروعة، وعدم فهمهم للنصوص والمواد الدستورية التي أعطت صلاحيات واسعة لحكومة إقليم كوردستان الحق في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية وصياغة السياسات النفطية بعيداً عن رقابة الحكومة الفدرالية، وفي مقدمتها إبرام العقود النفطية مع الشركات العالمية وتصديره وبيعه في الأسواق العالمية.
حينها ومنذ البدء بالتفاوض بين الشركات النفطية وحكومة الإقليم، وتوقيع العقود لإستكشاف وإستخراج النفط وتصديره رأينا المتحجرين الواهمين في بغداد يرفضون كل شيء، كما رفضوا العودة الى الدستور الذي كتب بالعربية ليقرؤا موادها المتعلقة بالنفط والغاز، والكثيرين منهم لم يقبلوا النقاش، وإن نوقشوا ما كانوا يريدون أن يفهموا الحقائق والوقائع. أما خطوة الانتهاء من مد إنبوب النفط الكوردستاني فقد أثارت تحفظات البعض من الذين كانت لهم مواقع حكومية وسياسية وفكرية وإجتماعية، وأيقظت الحقد الدفين لدى البعض الآخر، وإعتبروها سبباً لحالات تردي الخدمات والإنهيار الأمني والسياسي والإقتصادي في العراق بشكل عام، وبالذات في بعض المناطق. وحينما باع الإقليم النفط المستخرج في الأسواق العالمية، فقدوا سيطرتهم على عواطفهم، وقاموا مرة بتوزيع التهديدات، وأخرى بتسجيل الدعاوي، وتارة بترشية بعض الشركات والشخصيات..
أما ما يقولونه اليوم، فهى أدلة على تجاهلهم لإرادة شعب كوردستان والمواثيق والبيانات والشرائع الدولية القابلة للاستنساخ والتقليد والتي تقر مبدأ حق تقرير المصير في مختلف بقاع الأرض، لذلك نرى تمويل مواقفهم العدائية بغزارة من جهات إقليمية تخاف من التحولات السياسية التي تجري بالفعل في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص، وتنتهج كل السبل لغرض تعطيل هذا المسار الديمقراطي والإنساني، وإفشال خطة التحول السياسي نحو الإستقلال، وبالتالي إنهاء الأمل بالمستقبل وإبقاء البلاد في حال التراجع والتوتر العميق والفوضى الصارخة.
مصيبة المعادين للإستفتاء تتجسد في أنهم مازالوا لايعرفون أن العراق، نتيجة لسياسات خاطئة كثيرة، يعيش في ظل معطيات ومستجدات ومآزق إستراتيجية وتاريخية، ومازالوا لايعرفون فداحة فشلهم الفظيع في إدارة البلاد، ويعتقدون أنهم ناجحون وأن بإستطاعتهم تمريرالأكاذيب والفبركات الاعلامية متى ما شاؤا. لذلك يرفضونه ويحذرون من نتائجه ويصفونه بغير الدستوري مرة، وبأكثر من الخطر مرة أخرى.
لكن بين الأمس واليوم حقق الكوردستانيون مكاسب كبيرة وأصبحوا قوة سياسية وإقتصادية وعسكرية ودبلوماسية لا يستهان بها، لذلك يجب أن ينصت الآخرون لمطالبهم ويتعاملوا معهم بواقعية وأن لا يتمسكوا بمواقف بالية أكل منها الدهر وشرب.
الكورد لن يعودوا إلى الوراء وهم مصممون على إجراء الإستفتاء في موعده المحدد والرد على كل دعاوي التشكيك من الداخل والخارج، وإرسال رسائل قوية لكل العالم مفادها، أنهم يدعمون التحول الديمقراطي، ويعيدون بناء العلاقات وفقاً لمتطلبات المرحلة، وهم أصحاب القرار الجديرون بحماية وطنهم وصنع مستقبلهم، وهم الأقدر على مواجهة التحدي أيا كان مصدره وأيا كان حجم التآمر والأحقاد ضدهم، وسيضمنون بجدارتهم الدور والمكانة الاقليمية التي يستحقونها، ويسهمون في الإنطلاق نحو رحاب التفاعل الإقليمي الإيجابي مع القضايا والأزمات والتحولات التي تجري في كافة المسارات. وهم مصممون على إقامة دولتهم في الغد، وهذه الحقيقة يجب أن يتعامل معها الجميع بجدية، ويا حيذا لو يكون العراق أول من يعترف بالدولة الكوردستانية ويقيم معها علاقات قوية مبنية على أرضية المصالح المشتركة والمتبادلة.