التنافس السعودي الروسي في مجال الطاقة يغلب عليه الطابع الإقتصادي أكثر من السياسي مقارنة بالتنافس السعودي الإيراني في السياق ذاته . يمكن تحديد ملامح التنافس الثنائي بالقول انه يتعلق ” بالأسواق المشتركة ” المستهدفة من الصادرات السعودية الروسية ، حيث تتجه الاستراتيجية الروسية نحو توطيد العلاقة اكثر مع الصين وتستخدم موسكو الطاقة كواحدة من الأدوات الحيوية في ذلك الأمر ، بهدف إيجاد شراكة جيوستراتيجية عميقة تقود بالمستقبل إلى إنشاء كيان للتعاون الواسع بين روسيا والصين في شتى المجالات لمواجهة النفوذ الغربي- الامريكي . من جهتها العربية السعودية تبحث عن شراكة إستراتيجية واسعة مع الصين ، التي تشير التوقعات الى إرتفاع معدل استهلاكها للطاقة خلال السنوات القادمة ، خاصة وان تراجع أهمية صادرات النفط من الشرق الاوسط الى الولايات المتحدة الامريكية بسبب توسيع سياستها في انتاج النفط والغاز الصخري دفع الرياض للبحث عن شركاء دوليين جدد قد يحلون محل الولايات المتحدة في المستقبل بتوفير الحماية الدولية للخليج العربي والسعودية على وجه الخصوص. مع الأخذ بعين الاعتبار ان الإسترتيجية الصينية في مجال الطاقة قد تحددت : بان الوصول إلى مصادر الطاقة وتنويع الموردين يعد هدف إستراتيجي للأمن للقومي الصيني. كما ان السياسة الامريكية حيال منابع الطاقة بالشرق الاوسط وحلفاؤها التقليديين قد تكون مرهونة بطبيعة السياسات التي تنتجها إدارة ترامب والادارة التي تليها . اختيار ترمب بأن يكون زعيما أمريكيا يبحث عن المصالح الداخلية لبلاده قد يعني خسارة أمريكا لبعض من نفوذها الخارجي لصالح لاعبين جدد على الساحة الدولية ، وهذا السيناريو ان تحقق فهو يعني تراجع اهتمام الولايات المتحدة بتوفير الحماية لشركاؤها في الشرق الاوسط ، الامر الذي من شأنه دفع أولئك الشركاء للبحث عن شركاء دوليين أقوياء جدد ، حتى بحال إستمرت الإستراتيجية الأمريكية في إعتبار أن الحفاظ على وجودها العسكري ونفوذها السياسي بالشرق الأوسط متصلاً بأمنها القومي للحيلولة دون أن تتحول لمنطقة نفوذ للصين وروسيا ، فأنها في نفس الوقت تتجه نحو ان تكون من كبار المنتجين للطاقة ( النفط و الغاز الصخري ) على المستوى العالمي ، وهي بذلك تكون في منافسة مباشرة مع السعودية ، والتي من جهتها ستعمل من خلال إستخدامها للنفط على إقامة شراكات إستراتيجية جديدة مع أطراف دولية صاعدة مثل : الصين و الهند.
التنافس السعودي الإيراني في مجال الطاقة يغلب عليه الطابع السياسي أكثر بكثير من الاقتصادي نتيجة التنافس والصراع الاقليمي بين الدولتين على بسط النفوذ والتمدد في ساحات عربية وأفريقية تجري فيها حروب هجينة ( Hybrid War ) بالوكالة تدار من قبل ايران والسعودية، ويستخدم النفط كأداة جيوسياسية في سياق تلك الحروب. فإيران توفر الدعم اللوجستي والمالي لحلفاؤها في العراق ، سوريا ، لبنان واليمن من أموال النفط ، في المقابل السعودية تصرف المليارات من الدولارات على الحرب اليمنية وجماعات المعارضة في سوريا وغيرها. في نفس السياق ، يمكن الإستدلال على طبيعة تلك العلاقة المعقدة من خلال الإشارة إلى ما جاء في التقرير الذي أعدته وكالة “Bloomberg News” بخصوص الإتفاق بين المملكة العربية السعودية وروسيا قبل عامين تقريباً ، حيث إعتبرت أن الإتفاق الثنائي بين البلدين على إيقاف تدهور أسعار النفط من خلال تثبيت الإنتاج عند مستويات محددة ، من شأنه أن يؤدي بطريق غير مباشرة إلى تصعيد الصراع في سوريا ، حيث ان كلا من : السعودية ، روسيا ، وإيران بلدان تعتمد إلى حد كبير على عائدات النفط والغاز ، إذ أن النظام السوري يتلقى الدعم من روسيا وإيران ، بينما تتلقى أطراف المعارضة السورية دعمها من السعودية ودول عربية اخرى. في مقابل ذلك ، ذهبت بعض التحليلات إلى أن جانب من قرار السعودية قبل سنوات بزيادة إنتاجها النفطي وتخفيض الأسعار كان بهدف الضغط على إيران ومنع حصولها على إيرادات مهمة تستخدمها لدعم النظام السوري والميليشيات الموالية لها بالشرق الأوسط.
خلال العام 2015 نشر معهد “Carnegie Endowment for International Peace” مقالاً تحليلياً تطرق فيه إلى أحدى السيناريوهات المحتملة ، حيث أعتبر المقال ان من المحتمل لتأثير إنخفاض أسعار النفط التخفيف من التوتر الحاصل في الشرق الاوسط ، على إعتبار أن جميع الدول الرئيسية المنخرطة بالحروب الإقليمية تعتمد على موارد الطاقة كمصدر رئيسي للدخل ، بالتالي كلما إرتفعت أسعار النفط زادت الواردات التي يوظف جزء كبير منها في تلك الحروب . الأمر الذي أثبت عدم صحته إلى حد كبير ، على الرغم من التأثير الذي يشكله إنخفاض أسعار النفط على تمويل الحروب ، لكن أطراف الصراع إستمرت في تمويل الحروب والوكلاء ، سواء مع إنخفاض أو إرتفاع أسعار البترول.