18 ديسمبر، 2024 10:53 م

دعْ عنك ما تقرؤه في كتب التاريخ، وما تتلقفه الأذن من أناشيد الشعراء، ولا تصدّق أنّ مَنْ يقاسمونك العيش في الوطن إخوة وأشقّاء يربطك بهم مصير وهمّ وحلم واحد، وتذكر دوماً أنّهم أعداء يتحيّنون بك الفرص، فإنْ لم تتغدّ بهم صرت لهم عشاءً، وكن على يقين ألاّ مكان للأخيار والطيبين والمسالمين إلاّ في قصص وحكايات الحالمين والواهمين!!
    كي تعيش آمناً مهاباً مرهوب الجانب ينبغي أن تكون المبادر بالايذاء من دون انتظار مبادرة الآخرين، إذ إنّ مُسدّد اللكمات لا يتساوى إطلاقاً مع مَنْ يتّقيها.. إنسَ وصايا النبيّ الأكرم بحق الجار لأنّه سيستضعفك ويقلل من شأنك حين يراك ليّناً ودوداً لطيفاً، وأوصِ أطفالك وأهل بيتك ألاّ يخشوا أو يتهيبوا ضرب أطفال الجيران وشتمهم والإساءة إليهم، وكلمّا كانت الإساءة أكبر والشتيمة أشدّ فحشاً، زادت مكانتك وعلا تقديرك وحظيتَ بما ترجوه من الإحترام.. حين تنتقل للسكن في حيّ جديد قد لا يعرفك أهله، احرصْ على المبالغة في استعراض قوتك وسطوتك أمام جيرانك الجدد وافتعلْ مع أقلّهم شأناً شجاراً ستتكفل عشيرتك لاحقاً بدفع ديّة جرحاه أو قتلاه، فإنْ كنت (مهذباً) أو لا تضمن إسراع العشيرة لمؤازرتك فلا بأس بوليمة باذخة تدعو إليها جمعاً غفيراً ممن تعرفهم ولا تعرفهم كي تُري الجيران أنّك لست وحيداً أعزل!!
     كما أثبتت الوقائع، هناك علاقة طرديّة واضحة بين الصوت والمكانة الاجتماعية. وحدهم من يحدثون الضجيج يلفتون الانتباه ويستحقون المديح والثناء، فكن حريصاً على الصراخ حين تتحدث في البيت أو الشارع وسواء أكنت تلاطف طفلاً أو تجري اتصالاً هاتفياً، وحين تضطر للعراك فصرخة قويّة مدويّة قد تزعزع شجاعة خصم يبدو للناظر أشدّ قوة وبأساً. ولكي تتيقن من صواب هذه الحقيقة، عليك أن تنتبه للسائق الذي ينادي بأعلى ما تستطيعه حنجرة بشريّة من صوت ليحثّ الراكبين على صعود سيّارته، فبسبب من علّو صوته يجد الناس أنفسهم في ملعب الشعب بعد أن كانوا ينوون التوجه إلى مقار عملهم، وبسبب من علوّ الصوت أيضاً نشتري البصل متوهمين أنّه تفاح لبناني!!
    التمارين التي قمت بها مع جيرانك والمباريات التجريبية التي خضتها معهم ستكسبك الحنكة والخبرة اللازمة للتعامل مع الناس في الشارع أو زملاء العمل. عليك ألا تنسى التعامل مع الجميع بصفتهم أعداء إما أن يخضعوا لك أو تخضع لهم، وليكن دليلك دائماً وأبداً نصيحة جاهليّ (حكيم) أوصى بنيه قائلاً: أوصيكم بالناس شرّاً، لا تقيلوهم عثرةً، ولا تقبلوا لهم عذراً.. واترك خلف ظهرك وصايا خاتم النبيين وإلحاحه بإكرام جار كاد أن يرثك، فقيمُ الجاهلية أولى بالاقتداء بعد أن نسينا قيم ديننا السمحاء وجعلنا الوطن غابةً لا تعيش فيها غير الكواسر والذئاب!!
[email protected]