22 نوفمبر، 2024 9:43 م
Search
Close this search box.

واقع نهاية داعش بإستعادة الموصل

واقع نهاية داعش بإستعادة الموصل

تمهيد
مع وضع “حرب الموصل” أوزارها بعد قتال طال (9) أشهر دموية، فقد تساءل معظم الناس هل ولّى تنظيم (د.ا.ع.ش) في -واقعه- وإنتهى في “العراق” الـمُبتلى منذ عقود متلاحقة -وما زال- بالدماء والخراب والدمار بشكل ربما ليست له سابقة في تأريخه.
وفي الوقت الذي لا أكيل مديحاً لأحد أو أستخف بـ(حرب الموصل) التي كلّفت باهظاً في كل منحى وصوب، وكسرت شوكة (د.ا.ع.ش) في عمودها الفقري… ولكن العديد من وسائل الإعلام المتنوعة تبتغي إظهار هذا التنظيم بحكم المنتهي لأسباب معروفة ومكاسب سياسية مشهودة، رغم تعاكس ذلك حيال العديد من تصريحات قادة التحالف الدولي ودراسات المحللين المستقلين وتقارير وسائل إعلامهم المتنفّذة في عموم العالم.
فهل أن إستعادة الدولة العراقية سيطرتها على مدينة “الموصل” تُعدّ نهاية لـ(د.ا.ع.ش) في “بلاد الرافدين” خصوصاً وفي المنطقة على وجه العموم؟؟؟
هذا ما نحاول تسليط بعض الضوء عليه بإختصار شديد، وبرؤية إستراتيجية وعسكرية صريحة، من دون الخوض في المناحي السياسية.
ما الذي يسيطر عليه “العراق” من أراضيه؟
سأناقش مدى سيطرة الدولة العراقية على أرضها ومياهها على شكل نقاط مختصرة:-
فلنفرش الخارطة أمام ناظرَينا لنجد أن القوات العراقية المسلّحة -بمختلف مسمّياتها- قد أبعدت الخطر الذي كان داهماً على “بغداد” وعدد من المحافظات ذات الأهمية الخاصة، وأعادت سيطرة الدولة خلال السنوات الثلاث المنصرمات بشكل ((شبه محكم)) على العشرات من المدن الكبيرة والصغيرة والبلدات الواقعة على الطريق الدولي والطرق الرئيسة، بدءاً من مدينتَي “هيت، والرطبة” مروراً بـ”الرمادي-الفلوجة” ثم “ضواحي بغداد الغربية- سامراء- تكريت- شرقاط الغربية- القيارة- حمام العليل- الموصل” بلوغاً نحو “سنجار” وقد أضحت بيد قوات “البيشمركه” النظامية الكردية وعدد من الفصائل المسلّحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني-التركي (P.K.K) -الموصوف رسمياً ودولياً بالإرهاب- ووصولاً إلى ضواحي مدينة “تلعفر” المحاصَرة بإحكام منذ مطلع العام الجاري… في حين أن (د.ا.ع.ش) ما زال يتمسّك بهذه المدينة الكبيرة التي تُعَدّ أكبر مركز “قضاء” في عموم “العراق”، مُعلِناً أن مسلّحيه سيستميتون بالدفاع عنها، ولا سيّما بعد إعلان التنظيم نقل خلافته المزعومة من “الموصل” إليها.
ما بقي من أرض “العراق” بيد (د.ا.ع.ش)
ظلّ (د.ا.ع.ش) لحد يومنا الراهن منتشراً وسط بقاع شاسعة وذات كثافة سكانية أدنى من المناطق المسترجعة، والتي أسردها كذلك على شكل نقاط مجملة:-
“قضاء الحويجة” بمساحة حوالي (50×70) كلم يُضاف إليه الجانب الشرقي عبر “نهر دجلة” من “قضاء الشرقاط” ما فتئا بمثابة (سكينة خاصرة) بيد (د.ا.ع.ش)، كونهما متاخمين لـ”كركوك”.
المدن العامرات والباقيات في جميع “محافظة الأنبار” والواقعات على الطريق الدولي الرابط بين “حديثة” ذات الضواحي الهشة، والمدن المطلّة على “نهر الفرات” أمثال “الفحيمي- عانه- راوه- الكرابلة- القائم” وحتى الحدود العراقية- السورية بواقع (170) كلم ما زالت بيد (د.ا.ع.ش).
ومن “الرمادي” على طريق السير السريع الدولي الأهم الذي يربط “العراق” بجارتيه “الأردن وسوريا”، وصولاً إلى “الرطبة” التي تفصلهما (300) كلم من البراري، ثم “الرطبة” ذاتها وحتى “منفذ الوليد” الدولي نحو “سوريا”… وكذلك من “الرطبة” لغاية “منفذ طريبيل” الحدودي إجتيازاً نحو “الأردن”، فضلاً عن طريق “الرطبة- طريفاوي- الحدود السعودية”، وكل من هذه الطرق الثلاثة بطول (150) كلم لا تنتشر القوات العراقية فيها سوى على شكل نقاط سيطرة متناثرة.
ويضاف إلى كل ذلك البراري الشاسعة في المثلث الذي يشكله طريقا “الرمادي- القائم” و”الرمادي- الرطبة” والصحراء القاحلة في جنوبي “الرطبة” بلوغاً نحو الحدود السعودية، كلها ما فتئت بيد (د.ا.ع.ش).
وإذا ما قسنا المسافة الأفقية بين “طريبيل-القائم” مروراً بـ”عُكاشات” المليئة بحقول الفوسفات والمعادن في أقصى غربي الوطن لوجدناها بواقع (290) كلم، عندئذ نتلمّس حجم القوات المسلّحة والجهد المطلوب والوقت اللازم والأموال الهائلة لبسط السيطرة عليها ومواصلة مراقبتها بالطائرات والدوريات الآلية لإحكام القبضة بحقها.
ويُضاف إلى كل ذلك تلكم البراري الواقعة إلى الغرب من طريق “بغداد- الموصل” وشمالي “نهر الفرات”، والتي تشتمل “بحيرة الثرثار- الحضر- البعاج- الحدود السورية”، وكلها تحت سيطرة (داعش)، أو ذات هشاشة غير مريحة مطلقاً.
وتُضاف إليها الحدود العراقية-السورية بطول (650) كلم… (450) كلم منها تحت سيطرة (د.ا.ع.ش) عموماً في جانبيه العراقي والسوري… أما الـ(200) كلم في شماليها فإن “الحشد الشعبي” لوحده يتحرك في محيط “البعاج”، أما الأعلى منها فهي تحت سيطرة الـ”بيشمركه وPKK” الكرديتين في “سنجار” بالجانب العراقي، تقابلها “قوات سوريا الديمقراطية/الكردية” المدعومة أمريكياً في الطرف السوري.
(د.ا.ع.ش) في “سوريا”
ما زال لدى (د.ا.ع.ش) الكثير في الأرض السورية المتاخمة أو القريبة من حدودها مع “العراق”… لذلك فلو فرشنا الخريطة فسنرى:-
عموم الحدود السورية-العراقية الممتدة (650) كلم تُعَدّ سائبة تماماً، حيث لا تسيطر حكومتا “دمشق” و”بغداد” سوى على بُقَع ضئيلة على طولها، ولا يوجد لكلتاهما فرد واحد من قواتهما المختصة لمسك الحدود وإدارة معابرهما الرسمية.
معظم محافظة “الحسكة” -ذات الأغلبية الكردية- تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” المعارضة لـ”دمشق”، وتدعمها “واشنطن” التي تقود تحالفاً دولياً أسّسته بزعامتها في (آب-آغسطس/2014) وتتصارع مع (د.ا.ع.ش)، إذْ تعتبر المحافظة عموماً خارجة عن سطوة الحكومة السورية.
معظم بقاع محافظة “الرقة” -التي تُعدّ ذات أهمية إستراتيجية ومعنوية بالغة- ما زالت تحت سطوة (د.ا.ع.ش)، وهناك قتال شوارع ومناطق مبنية يجري في ربوع أحيائها السكنية في مركزها المتمثل بـ”مدينة الرقة”، والتي تفصلها عن أقرب نقطة حدودية مسافة أفقية لا تقل عن (250) كلم، تتضاعف لتبلغ (350) كلم في حالة حساب السير على الطرق البرية.
أما “محافظة دير الزور” المتاخمة تماماً للحدود السورية مع العراق، فإنها بمركزها “دير الزور”، وهي على مسافة (150) كلم عن الحدود، ومدينتيها الكُبرَيَين “الميادين، وألبو كمال” بالكامل تحت سيطرة (د.ا.ع.ش).
مدينة “تدمر” تشوبها هشاشة وإشتباكات بين كرّ وفرّ وبالأخص على حقول النفط، وهناك مساحة شاسعة تفصلها عن الحدود مع “العراق” بواقع مسافة أفقية تقدّر بـ(300) كلم عن معبر “ألبو كمال”، و(180) كلم عن معبر “التنف”، تتضاعف في حالة السير على الطرق المعبدة.
كما يُضاف إلى ذلك إقتحام نخبة من القوات الأمريكية المسلّحة بشكل مفاجئ لـ”لمثلث السوري-العراقي-الأردني” وإنشاؤها معسكراً ميدانياً كبيراً وسط بقعة مركزها “معبر التنف الحدودي”، وفرضها (منطقة عدم إشتباك) بواقع قطره (55) كلم، وهي مزوّدة بدبابات ومدرعات ومدافع وراجمات صواريخ أسلحة مقاومة طائرات مدعومة بالطائرات، وقرار “واشنطن” بحرمان أية قوات نظامية أو فصائل مسلّحة من التقرّب لهذه المنطقة لأي غرض كان… وهذا ما يعقّد الأمور على هذا الجزء الحسّاس من الحدود بين “سوريا والعراق”.

الإستنتاج
مع حقيقة الأذى الكبير الذي أصاب (د.ا.ع.ش) بإسترجاع القوات العراقية لعديد المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ومقتل الآلاف من مسلّحي هذا التنظيم وفقده معظم أسلحته ومكامن قوّته، ومع إستبعاد ((نظرية المؤامرات)) الدارجة على الألسن… وتركيزاً على الجانب العراقي لوحده، فإننا نستنتج أن قواته المسلّحة -بدعم التحالف الدولي- ما لم:-
تحقق السيطرة الكاملة على جميع هذه المناطق وتحكم القبضة عليها.
تضبط كامل حدود الوطن مع “سوريا”.
تعيد المخافر الحدودية إلى سابق عهدها، وتستحدث العشرات منها.
تحقّق مراقبة تلك البراري الشاسعة بإستثمار طائرات متنوعة ودوريات أرضية تعمل على مدار الساعة.
تشكّل قوات ضاربة متأهبة تنتشر للتدخل الجريء والفوري في أية بقعة تتعرض لطارئ.
تُدِم زخمها في كل هذه البقاع المتسعة لمنع أية عمليات تسلّل أو تهريب أو تجمّع، أو الحدّ منها إلى أدنى مستوىً مقبول يُستطاع معالجته سراعاً.
فإن (د.ا.ع.ش) وكل ما يتعلق به (((في العراق لوحده))) ناهيك عن “سوريا”، لا يمكن إعتباره منتهياً أو قد قُضِيَ عليه، وينبغي عدم المبالغة في هذا الشأن لأغراض إعلامية.

أحدث المقالات