خاص : كتبت – نشوى الحفني :
منذ أسابيع يثير مشروع “قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي” في العراق الكثير من الجدل، حيث يبدي إعلاميون وسياسيون وناشطون حقوقيون سخطهم من المشروع الذي يتهمونه بالحد من حرية التعبير، إحدى أهم المكتسبات منذ سقوط نظام الرئيس السابق “صدام حسين” سنة 2003.
واستجابة لضغط الشارع، أرجأ البرلمان العراقي مناقشة مشروع قانون حرية التعبير والرأي والتظاهر السلمي، وأعاده إلى الحكومة لتعديله .
قانون سيء الصيت..
في الديوانية، نظم العشرات من الناشطين المدنيين وقفة احتجاجية بساحة “الراية” وسط مركز المدينة، ضد إقرار القانون، قائلاً منسق الوقفة الاحتجاجية “عيسى الكعبي” أن ذلك القانون سييء الصيت ويعتبر تكميماً للأفواه, وحاول مجلس النواب إقراره بصفقة من خلال الكتل السياسية.
مكمم للأفواه..
أما في مدينة البصرة، فقد أعرب عدد من المواطنين خلال تظاهرة قاموا بتنظيمها أمام ديوان محافظة البصرة، عن رفضهم تمرير مشروع القانون من قبل مجلس النواب، فيما شددوا على ضرورة تغيير مفوضية الانتخابات “جذرياً”.
وقال الناشط المدني “مقداد أبو الهيل”: إنهم “يستنكرون قانون حرية التعبير ويشددون على عدم إقراره من قبل مجلس النواب”، موضحاً “أنهم يعتبرونه مكمم للأفواه”.
تغيير مفوضية الانتخابات..
مضيفاً “مقداد” أنهم “يرفضون قانون الانتخابات ويطالبون بالإسراع في تغييره, وكذلك تغيير المفوضية جذرياً كونها تشكل محاصصة حزبية”، حسب قوله، ولفت إلى استمرارهم “بالتظاهر في كل جمعة حتى تحقيق مطالبهم”.
لقاءات مناقشة..
كانت لجنة الثقافة النيابية، قد اجتمعت الأحد 23 تموز/يوليو 2017، مع وفد يمثل منظمات المجتمع المدني في العراق لمناقشة التعديلات الأخيرة في قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي, التي فرضها البرلمان، وأهمها المواد السابعة والتاسعة والثالثة عشر.
وقال مصدر أن “كتلتي دولة القانون والمواطن وعدد من المستقلين الذين يؤيدون بشدة تمرير القانون بصيغته التي رفعت يوم السبت 22 تموز/يوليو المنصرم ضمن جدول الأعمال، قبل أن يتم تأجيل التصويت عليه بسبب ضغط الشارع”، مبيناً أن “لجنة الثقافة والإعلام النيابية نجحت برفع إحدى المواد التي تحظر المساس بالرموز الدينية”.
من أجل تنظيم التظاهرات وعدم تكرار عملية اقتحام البرلمان..
مضيفاً المصدر: أن “الوفد التقى أيضاً بأعضاء دولة القانون النائبين “خالد الأسدي” و”كامل الزيدي”، الذين شددا على ضرورة تمرير القانون بالصيغة الحالية من أجل تنظيم التظاهرات وعدم تكرار عملية اقتحام البرلمان”.
وأوضح المصدر أن “الوفد التقى بعضو لجنة حقوق الانسان النيابية والنائب عن كتلة المواطن “حبيب الطرفي” الذي أكد على ضرورة تمرير القانون خلال الفصل التشريعي الجاري، لكنه اكد إمكانية تأجيله إلى فترة أخرى”.
بعد ذلك، التقى الوفد جملة من النواب المنضويين تحت كتلة التحالف الكردستاني والقائمة الوطنية والتحالف الوطني, ممن أكدوا على استعدادهم لرفض تمرير القانون بالصياغات السيئة الماضية.
هذا وقدم وفد التحالف رسالة اعتراض إلى هيئة رئاسة البرلمان، لبيان رأي منظمات المجتمع المدني بالقانون، وتم تسليمها إلى سكرتارية رئيس البرلمان “سليم الجبوري”، للاطلاع على الموقف.
تأجيل التصويت..
ما جعل المجلس يؤجل التصويت على مشروع القانون في جلسته التي عقدها الاثنين 24 تموز/يوليو 2017.
الصدر: لا يحق للبرلمان التصويت على ما يرفضه الشعب..
التحق زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” بقافلة المعترضين على بنود مشروع القانون، وأصدر بياناً قال فيه: “حرية الرأي والتعبير مكفولة بالدستور ولا يحق لا للبرلمان ولا لغيره التعدي عليها، وليس للبرلمانيين التصويت على ما يرفضه الشعب، فمن أهم ما أنجز بسقوط الهدام (صدام) وقائد الضرورة، أن أعطى للعراقي حرية إبداء الرأي”.
داعياً “الصدر” كل الأحرار العراقيين إلى “منع تكميم الأصوات الناعقة والتي تريد تأخير عجلة الاصلاح”.
النسخة الأصلية كتبت في أجواء من التوتر..
يعتقد كثير من المعترضين أن القانون بنسخته الأصلية كتب في ظل أجواء التوتر التي سادت بين رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” وجموع المتظاهرين الذين خرجوا ضد سياساته المتشددة، وضد الفساد وضعف الخدمات في 25 شباط/فبراير 2011.
ورغم الفترة الطويلة التي طرحت فيها النسخة الأولى من مشروع القانون, والتعديلات اللاحقة التي أجريت عليها، ما زال الاعتراض وعدم القبول بها من أغلب مؤسسات المجتمع المدني سيد الموقف.
وتمكن بعض الناشطين من الحضور إلى مبنى مجلس النواب أثناء جلسته المنعقدة يوم الاثنين 24 تموز/يوليو 2017 للمطالبة بتأجيل التصويت على النسخة المعدلة الأخيرة.
كتب بطريقة بوليسية..
يقول عضو المركز المدني للدراسات والإصلاح القانوني “حميد جحجيح”، وهو أحد الذين حضروا إلى مبنى البرلمان، إن “القانون كتب بطريقة بوليسية، وإن النسخة المعدّلة بصيغتها الحالية أسوأ من النسخ السابقة”، معتقداً “جحجيح” أن المادة الجديدة التي أضيفت إلى القانون, وتنص على أن (لرئيس مجلس الوزراء ولمقتضيات المصلحة العامة أو الأمن القومي منع أي اجتماع عام أو تظاهرة سلمية, وإن كان بها إخطار مسبق)، هي “بمثابة إعلان حالة طوارئ، وهي مادة كارثية تقيد حرية التعبير وتصيبها بمقتل”. وبرأيه فإن “الكتل السياسية بمجملها تسعى إلى الضغط على حرية التعبير, ووضعها تحت سقف منخفض جداً، حيث عملت الكثير من المنظمات المهتمة بتعديل مواد مشروع القانون هذا، لعدم استجابتها لاحتياجات الجمهور وعدم توافقها مع النظام الديمقراطي أو المعيار الدولي”.
انتهاكاً لحقوق الإنسان..
من ناحيته، اعتبر الصحافي والناشط المدني العراقي، “شمخي جبر”، أن حرية التعبير عن الرأي هي الركيزة الأساسية في العملية الديمقراطية، كما أنها الحرية الأُم لسائر الحريات الفكرية الأخرى، ومظاهرها تتعدد, فقد تكون قولاً أو كتابة أو عن طريق تشكيل وإنشاء الجمعيات أو عقد الاجتماعات والتجمعات وغيرها من المظاهر.
وألمح “جبر” إلى معايير دولية لأي قانون لحرية التعبير, تتمثل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليها من قبل العراق، كما أن القانون يستند إلى المادة 38 من الدستور العراقي التي أعطت الحق في حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
مضيفاً أن هناك الكثير من الملاحظات التي ثبتها الناشطون والباحثون بشأن بعض مواد مشروع قانون حرية التعبير، والتي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان ومصادرة حقه في حرية التعبير عن الرأي بأشكاله كافة.
وكشف “جبر” عن ملاحظات وتعديلات اقترحت للنواب، على بعض المواد ومنها المادة التي تشير إلى وجوب أخذ إذن للتظاهر, والتي طالب الناشطون ومنظمات المجتمع المدني أن تكون إخطاراً مسبقاً وليس أخذ إذن السلطات، بل إخبارها بزمان ومكان التظاهر.
مخالف لجميع المعايير الدولية..
لافتاً “جبر” إلى أن هذا المشروع القانوني قد تضمن سلسلة طويلة من العقوبات والغرامات المالية، معبراً “نستطيع القول إن المشروع مخالف لجميع المعايير الدولية في هذا الصدد”.
حرية التعبير مطلقة ولا تحتاج إلى قانون..
تقول النائبة عن التيار المدني “شروق العبايجي”: إن “القانون سييء من عنوانه إلى مضمونه وحرية التعبير مطلقة ولا تحتاج إلى قانون”.
التحالف الوطني أضاف فقرات عقابية..
كشفت عضو لجنة الثقافة النيابية ورئيس كتلة التغيير الكردية (انتخبت أخيراً لرئاسة الكتلة)، “سروة عبد الواحد”، في مؤتمر صحافي عقدته في مجلس النواب، أن اللجان المعنية بتشريع قانون تنظيم التظاهر السلمي اجتمعت مع ممثلي منظمات المجتمع المدني لتعديل مشروع القانون بالشكل الذي يخدم هذا الحق الإنساني، وتم الاتفاق على صيغة معينة، لكن “التحالف الوطني (شيعي) عقدوا اجتماعاً مساء (الأحد 23 تموز/يوليو 2017) وقاموا بتعديل بعض فقرات القانون بإضافة فقرات عقابية إضافية”.
مضيفة: “نرفض تلك التصرفات، وقد جمعنا توقيعات 51 نائباً بغية عرضها على رئاسة البرلمان لتأجيل التصويت على مشروع القانون”، مشددة على ضرورة “التوافق على القانون داخل اللجان المعنية, وليس تمريره بهذا الشكل”. واعتبرت أن “من جملة العقوبات التي تمت إضافتها حول المادة المتعلقة بعقوبة الحبس لسنة وغرامة مليون دينار، حيث تم رفعها إلى الحبس 3 سنوات وعقوبة مالية لا تقل عن 10 ملايين ولا تزيد على 25 مليون دينار، إضافة إلى وضع مادة تجيز لرئيس الوزراء إلغاء أي نشاط جماهيري بحسب المقتضيات التي يراها”، مشيرة إلى أن “القانون تضمن إخطار الجهات المعنية بوقت التظاهر قبل 72 ساعة”.
خلاف على تسمية القانون..
عضو لجنة الثقافة والإعلام النائب “حيدر المولى”, يقول إن إعادة المشروع إلى السلطة التنفيذية كان “بسبب التغييرات الكبيرة التي أجريت عليه، فضلاً عن التعديلات التي ما زالت محل خلاف، منها الإخطار أو طلب الإذن، والعقوبات الجزائية”.
مضيفاً أن “هناك خلاف آخر على عنوان القانون (حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي)، إذ اقترحت اللجنة تسميته حرية التظاهر السلمي والاجتماع فقط, لأن حرية التعبير مكفولة بموجب المادة 38 من الدستور”.
يكشف صراع..
أكد رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الصحافة “مصطفى ناصر”, على أن “مناقشة مشروع القانون أجلت للمرة الثانية في غضون أسبوع واحد، وهو التأجيل الخامس خلال عامين، والسادس منذ عام 2013 “، مشيراً إلى أن “الأمر يكشف صراعاً كبيراً بين إرادة السياسيين المهيمنين على البرلمان ومفاصل الدولة من جهة، وإرادة الشارع من جهة أخرى”، مضيفاً أنه “في عام 2013 سعى ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” إلى تمرير القانون لوقف موجة التظاهرات التي انطلقت عام 2011، لكن الصراع داخل البرلمان، والضغط الدولي على الحكومة أحبط مسعاه. وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، أرسل مجلس الوزراء كل القوانين المعطلة من الدورة السابقة إلى البرلمان، وبينها قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، وبعد التأجيل المتكرّر أدرجه البرلمان في جدول أعماله بصياغاته السيئة، بل فوجئنا بأن الصياغة تضمّنت إضافات عجيبة، وكشف لنا أحد النواب أن أيادي خفية تحرّر النص وفقاً للإرادة السياسية”.
مخيب للآمال..
من جانبه، قال الكاتب الصحافي العراقي “هاشم الشماع”, لـ(كتابات), أن العراقيون جاهدوا خلال العقود الماضية من أجل نيل حريتهم وممارسة حقوقهم الإنسانية في التعبير بمختلف الوسائل, إلا أن النظام البعثي كان قابعاً وجاثماً على صدور العراقيين يمنعهم من ممارسة هذا الحق الإنساني.
وبعد سقوطه شرع العراقيون الدستور وكفل لهم حرية التعبير بمختلف الوسائل, في المادة ٣٨ من دستور ٢٠٠٥, وأوكل بضرورة تشريع قانون ينظم حق التعبير وحرية الرأي.. لكن للأسف الشديد أن مشروع القانون جاء مخيب للآمال, إذ أن إحدى فقراته تشير إلى موافقة الأجهزة الأمنية على التجمع أو التظاهر بدلاً من إشعارها, وكذلك ثبتت عقوبات بالحبس وغرمات مالية في الوقت الذي يجب أن تكون فقط غرامات في حال عدم الإشعار.
مضيفاً أن العراقيون في الواقع يترقبون بحذر وخوف أن تسلب حريتهم في التعبير مرهً ثانية, وهذا ما لا يرتضيه من ضحى بدمه وماله وولده من أجل حرية العراقيين.
أهداف القانون..
يهدف هذا القانون إلي ضمان وتنظيم حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحق المعرفة بما لا يخل بالنظام العام أو الآداب العامة وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمها، بالإضافة إلي حق المواطن في الحصول على المعلومات التي يبتغيها من الجهات الرسمية وفق القانون, وخصوصاً المعلومات المتعلقة بأعمالها ومضمون أي قرار أو سياسة تخص الجمهور.
وأخيراً التظاهر السلمي الذي يتجمع فيه عدد غير محدود من المواطنين للتعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم التي كفلها, والتي تنظم وتسير في الطرق والساحات العامة.
محظورات مشروع القانون المعدل..
ما حظره مشروع القانون المعدل هو إلغاء فقرة تحديد وقت الاجتماعات العامة حتي العاشرة مساءاً، إضافة إلي طرحه عقوبة تصل إلي السجن لمدة عام مع غرامة مالية من 3 – 5 ملايين دينار لكل من أذاع دعاية للحرب أو الأعمال الإرهابية أو الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية أو الطائفية.
كما أشار إلى أنه لا يجوز وضع قيود على الحريات المنصوص عليها في هذا القانون إلا بناء على أمر قضائي، ما يعني إدخال القضاء بشكل مباشر في هذا السياق الحقوقي، كما حظر القانون عقد الاجتماعات في دوائر الدولة ودور العبادة والجامعات والمعاهد والمدارس.
وتشهد المحافظات العراقية على الدوام، وعلى رأسها العاصمة بغداد في ساحات “الحرية والتحرير”، وفي “شارع المتنبي”، تظاهرات عدة وعارمة منذ سنوات لمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ولعل أبرزها التي جرت خلال عام 2015، وأسفر عنها تشريع وزاري حسم جزءاً من الفساد المستشري في البلاد.