16 نوفمبر، 2024 4:41 ص
Search
Close this search box.

كوريا الشمالية وأميركا: مسارات الأزمة وتداعياتها الإقليمية والدولية

كوريا الشمالية وأميركا: مسارات الأزمة وتداعياتها الإقليمية والدولية

إعداد/ علي العبد الله
مقدمة
فُتح الملف الكوري بإعلان بيونغ يانغ عن إجراء تجربة نووية جديدة، وتجارب على صواريخ بالستية تُطلَق من البر، في لحظة سياسية دقيقة، فالإدارة الأميركية الجديدة بدأت للتو تدشين فترتها الأولى بتقديم “فرشة” عن تصوراتها ومواقفها حول الملفات المحلية والإقليمية والدولية، وكذلك عن تطلعاتها إلى أدوار محددة لحلفائها في الغرب والعالم، إعلان أثار قلق وفزع دول حليفة للولايات المتحدة ما استدعى تحركًا أميركيًّا سياسيًّا وعسكريًّا في منطقة ترفض دولها، الصديقة والعدوة على السواء، استخدام القوة في معالجة الملف. فما الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة؟ ولماذا لم تجد لها حلًّا حتى الآن؟ وما مواقف الدول الإقليمية والقوى الدولية منها؟ وهل ثمة أفق لحلها؟

لمحة تاريخية

استخدمت كوريا الشمالية منذ العام 1985 تكتيك التهديد بالانسحاب من المعاهدة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية لمواجهة ضغوط الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكوريا الجنوبية عليها(1). وقد شهد عام 1993 تنفيذ التهديد؛ حيث أعلنت عن العمل على تطوير برنامجها النووي، وعزمها الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وقد نجح الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، أثناء الولاية الرئاسية الأولى لبيل كلينتون في التوصل إلى حلٍّ سلمي للأزمة، من خلال ما عُرِف بـ”اتفاق الإطار”، المبرم في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1994، بجنيف(2)، وافقت كوريا الشمالية بمقتضاه على الالتزام بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وتجميد برنامجها النووي. وفي المقابل، وبتعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية، شكَّلت الولايات المتحدة الأميركية ائتلافًا ماليًّا دوليًّا “منظمة تنمية طاقة شبه الجزيرة الكورية” مهمته توفير أموال لتغطية احتياجات كوريا الشمالية للطاقة 500.000 طن من زيت الوقود الثقيل سنويًّا، للتدفئة وإنتاج الكهرباء ريثما يتم تجهيز وتشغيل المفاعلين الجديدين اللذين يعملان بالماء الخفيف في غضون فترة لا تتجاوز عام 2003 (3).

لكن كوريا الشمالية عادت وأعلنت في 10 يناير/كانون الثاني 2003، انسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، واستأنفت برنامجها النووي العسكري(4).

استمرت محاولات تسوية الأزمة ومن ضمنها إرسال واشنطن مبعوثها الخاص جيمس كيلي إلى بكين للتباحث حول حلها، كما عُقدت بداية من 27 أغسطس/آب 2003، ثلاث جولات من المحادثات السداسية (الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية واليابان والصين وروسيا الاتحادية وكوريا الجنوبية) للاتفاق على حل؛ حيث طالبت كوريا الشمالية بـ”اعتراف واشنطن بسيادتها وتوقيع معاهدة عدم اعتداء تتعهَّد فيها الولايات المتحدة الأميركية بعدم مهاجمتها، وعدم تهديد برنامجها الاقتصادي والإنمائي، مقابل تخليها عن برنامجها النووي”.

لم تنجح المفاوضات بسبب تمسك كل طرف من طرفي النزاع (الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية) بتصورات وسُلَّم أولوياته؛ فقد أصرَّت الولايات المتحدة على وقف كوريا الشمالية جميع أنشطتها النووية بصفة نهائية، وهو الشرط المسبق لبدء مفاوضات جدية، ثم تقوم تحت إشراف دولي بتفكيك برامجها النووية، ولاسيما في منشآت يونغبيون،بينما أصرت كوريا الشمالية على التطبيق المتزامن وتنفيذ مطالبها الأساسية تدريجيًّا مقابل تخليها عن طموحاتها النووية.

قاد الخلاف إلى تعليق كوريا الشمالية مشاركتها في المفاوضات إلى أجل غير مسمى، وطالبت بإجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة والحصول على مساعدات اقتصادية في حالة موافقتها على إجراء جولة جديدة من المحادثات. وبالفعل تقرَّر عقد جولة رابعة من المباحثات السداسية، كانت الولايات المتحدة خلالها أكثر تفهمًا للمطالب الكورية الشمالية؛ فأبدت مرونة دبلوماسية أكبر في ردها على مقترحات كوريا الشمالية، على خلفية رغبتها في تهدئة مخاوف بعض حلفائها الإقليميين.

تمخض عن الجولة إصدار “إعلان بكين”، يوم 19 سبتمبر/أيلول 2005، تضمن عددًا من المبادئ لتسوية الأزمة: موافقة كوريا الشمالية على تجميد برنامجها النووي، وتفكيك ترسانتها النووية، والعودة إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وذلك مقابل الاعتراف بحقها في امتلاك برنامج نووي للاستخدامات السلمية، والتزام الدول المشاركة في المحادثات السداسية بتقديم ضمانات أمنية واقتصادية لمساعدتها في المجالات كافة، وخاصة في مجال الطاقة والنفط وتزويدها بمفاعل يعمل بالماء الخفيف، والتعهد بتطبيع تدريجي للعلاقات معها، والتعايش بسلام، لكن دون تحديد جدول زمني لتطبيق تلك الإجراءات(5).

غير أن كوريا الشمالية عادت بعد يومين من صدور الإعلان إلى رفضه معلنة أن” الولايات المتحدة تسعى إلى تجريدها من سلاحها النووي تحت مظلة المحادثات السداسية لتهاجمها فيما بعد بسلاح نووي”(6).

وقد تعمَّقت هذه المخاوف بسبب عدة عوامل أخرى، كان أهمها الخلاف حول تفسير وتأويل عبارة “الوقت المناسب”، التي وردت في الإعلان، وتمسك الولايات المتحدة بالعقوبات المالية المفروضة ضد عدد من المؤسسات المالية الكورية الشمالية لاتهامها بالقيام بأعمال مصرفية غير مشروعة تشمل غسل الأموال وتزوير العملة الأميركية.

تجددت محاولات التفاوض وعُقدت جولة خامسة ما بين (9-11 نوفمبر/تشرين الثاني 2005) لكنها فشلت في التوصل إلى جدول زمني محدد لتنفيذ “إعلان بكين”، وتلا ذلك إعلان كوريا الشمالية، في 21 مارس/آذار 2006، عن امتلاكها سلاحًا نوويًّا بالفعل.

فرض مجلس الأمن عقوبات ضد كوريا الشمالية طبقًا للقرار 1718 الصادر في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2006 بعد إجرائها تجربة نووية في 9 أكتوبر/تشرين الأول2006(7)، اقتصرت على جوانب اقتصادية وتجارية تتعلق بمنع بيع أو تسليم مواد وأجهزة تدخل في الصناعة النووية والصاروخية إلى كوريا الشمالية، وتجميد الأرصدة المالية والموارد الاقتصادية ذات الصلة ببرامج أسلحة الدمار الشامل الكورية، فضلًا عن الامتناع عن بيع أو تسليم أسلحة ثقيلة إليها.

دفعت تجربة كوريا الشمالية النووية واشنطن إلى التمسك بالتفاوض معها، بعد أن كانت تسعى إلى عزلها دوليًّا، واعتبرت النجاح في الاتفاق معها على تفكيك برنامجها النووي “نصرًا دبلوماسيًّا”.

استمرت المباحثات السداسية قرابة الثلاث سنوات وأحرزت تقدمًا ملحوظًا على طريق إنهاء أزمة البرنامج النووي الكوري الشمالي؛ حيث تم التوصل، في نهاية عام 2007، إلى إبرام اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية تتخلى فيه هذه الأخيرة عن برنامجها النووي العسكري مقابل الاعتراف الدبلوماسي بها وحصولها على مساعدات اقتصادية. ولكن كوريا الشمالية تخلَّت عنه وأوقفت، في منتصف شهر أغسطس/آب 2008، تفكيك منشآتها النووية، ردًّا على ما اعتبرته “مماطلة” الولايات المتحدة وحلفائها في الإيفاء بتعهداتهم، وعدم التزامهم بوعودهم، وخاصة في قضية شطب اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأعلنت، يوم 13 أبريل/نيسان 2009، الانسحاب من المحادثات السداسية وطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودين على أراضيها واستئناف أنشطتها النووية في مفاعل يونغبيون، كرد فعل على إدانة مجلس الأمن لعملية إطلاق الصاروخ التي قامت بها قبل ذلك بأيام.

الموقف الكوري

شكَّل البرنامج النووي الكوري نقطة الثقل في نزاع بيونغ يانغ مع واشنطن في ضوء تأثيره المباشر على التوازنات في منطقة مهمة لمصالح الأخيرة وللسلم والاقتصاد العالميين.

ينطلق النظام الكوري الشمالي في صراعه مع الولايات المتحدة وحلفائها في الإقليم من إحساسه بالخطر، وقد دفعه هذا إلى التصعيد والدخول في تحدٍّ مباشر لهم، في محاولة لإثارة القلق والرعب الإقليمي والدولي من انفجار حرب نووية للدفع إلى تحرك سياسي وفتح مفاوضات جديدة للاتفاق على مخرَج يلبِّي تطلعاته السياسية والعسكرية: رفع العقوبات عنه والاحتفاظ بصواريخه وقنابله، والاعتراف به دولة نووية، وإملاء شروطه الأمنية على كوريا الجنوبية، للحدِّ من الحماية الأميركية التي تحظى بها، وشروطه المالية والاقتصادية للاستفادة من مواردها الكبيرة.

عكست عمليات استعراض العضلات الأخيرة والتهديدات المتبادلة خطورة الموقف، وقد زادت طبيعة الرجلين القابعين على سدَّة الرئاسة في البلدين (ترامب وكيم) من توجس قادة العالم من تطورات مفاجئة؛ حيث عكست تصرفاتهما ميلًا إلى التهور واستعدادًا للذهاب إلى الحرب والانخراط في مغامرات غير محسوبة العواقب، تجلَّى ذلك في إطلاق الرئيس الأميركي أيدي البنتاغون في التصرف في الحرب دون اعتداد بمصير المدنيين في مناطق النزاع، بينما كانت إدارة الرئيس السابق قد قيدتها بضمان سلامة المدنيين، وقد باشر القادة العسكريون الأميركيون استثمار التفويض بتعديل قواعد الاشتباك في اليمن وسوريا وأفغانستان (التوسع في قصف طائرات دون طيار مواقع لتنظيم القاعدة في اليمن وقتل عشرات المدنيين، وقصف مطار الشعيرات العسكري في محافظة حماة السورية، يوم 7 أبريل/نيسان 2017، بـ59 صاروخ توماهوك، وإسقاط قنبلة ضخمة من نوع (جي بي يو-43) المسماة “أم القنابل”، القنبلة الأكبر غير النووية، وزنها 10 أطنان، يوم الخميس 13 أبريل/نيسان 2017 على كهوف يتحصن بها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) شرق أفغانستان، وتسريع عملية تطوير شبكات الدفاع الصاروخي وتنفيذ تجربة ناجحة يوم 28 مايو/أيار 2017 بإسقاط صاروخ افتراضي بالستي عابر للقارات قبل أن يعاود دخول الغلاف الجوي للأرض بواسطة صاروخ يطلق عليه اسم “مركبة القتل” بالقرب من جزر هاواي(8). بينما اختار الرئيس الكوري الشمالي لتجربة صواريخه البالستية من نوع “بوكغوكسونغ2″، الصاروخ الأكثر دقة في ترسانته الصاروخية، موقعًا قريبًا من اليابان وكوريا الجنوبية، وتوقيتًا لافتًا لتلك التجارب: عشية لقاء بالغ الحساسية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، وإقامته استعراضًا عسكريًّا ضخمًا، يوم 15 أبريل/نيسان 2017، في الذكرى 105 لميلاد مؤسس الدولة، جَدِّه كيم إيل سونغ، وإجرائه اختبارًا صاروخيًّا، يوم 16 أبريل/نيسان 2017، في موقع سينبو على الساحل الشرقي، وإعلانه أنه سيُجري استعراضًا عسكريًّا ثانيًا، يوم 25 أبريل/نيسان 2017، في الذكرى الـ85 لتأسيس الجيش الكوري الشمالي، وهي ذكرى مهمة يحتفل بها عادة بعد ختام تدريبات عسكرية ضخمة تُنفَّذ خلال الشتاء، وتنفيذ عدد إضافي من التجارب الصاروخية بالمناسبة، ورفع درجة التحدي بإجراء تجربة على صاروخ بالستي من نوع “هواسونغ-14” عابر للقارات قادر على بلوغ ولاية ألاسكا، يوم 4 يوليو/تموز 2017، الذي يصادف يوم عيد الاستقلال الأميركي، في تهديد مباشر للولايات المتحدة، وخرق واضح لقرارات الأمم المتحدة رقم 1718 عام 2006، و1695 عام 2006، و1874 عام 2009، التي تحظر على كوريا الشمالية القيام بتجارب على الصواريخ البالستية والتي صدرت بعد إجرائها تجارب على ستة صواريخ من طراز “تابونغ-2” بعيد المدى، وذلك ضمن جهود دولية تهدف إلى منعها من التحول إلى قوة نووية(9).

يرتكز الموقف الكوري الشمالي في النزاع على عاملين رئيسين، أولهما: القوة العسكرية، فكوريا الشمالية من أكثر دول العالم عسكرة؛ إذ إن عدد قواتها المسلحة يناهز 1.2 مليون جندي، و4.5 ملايين قوات احتياط، مع أن عدد سكانها لا يتجاوز الـ24 مليون نسمة، يتمركز أكثر من 50 في المئة منهم، أي بحدود 700 ألف جندي معهم ثمانية آلاف قطعة مدفعية و2000 دبابة، على بُعد نحو 100 كيلومتر من المنطقة منزوعة السلاح بينها وبين كوريا الجنوبية، التي يبلغ عرضها أربعة كيلومترات وطولها 250 كيلومترًا، وتمتلك حوالي 21 ألف صاروخ بالستي من طرازات رودونغ المختلفة والتي يتراوح مداها ما بين 300 و5500 كلم، كما تمتلك مخزونًا كبيرًا من الأسلحة البيولوجية والكيماوية، قُدِّرت بين 2500 و5000 طن، بالإضافة إلى قوة بحرية كبيرة مكونة من قرابة 967 قطعة عسكرية، بينها 3 فرقاطات وسفينتان حربيتان و70 غواصة و211 زورقًا لخفر السواحل و23 زورقًا كاسحًا للألغام، وقوات برمائية تتكون من حوالي 260 سفينة، بما في ذلك سفن برمائية عالية السرعة، وأسلحة تقليدية: طائرات هجومية، ومروحيات، ومدرعات، ودبابات، وأسلحة مضادة للطائرات والدبابات والدروع، ناهيك عن عدة قنابل نووية، بحدود 10 رؤوس (أعلنت يوم 19 أبريل/نيسان 2017، نجاحها في تطوير رؤوس نووية خاصة بها، وإجراء تجربة لقنبلة هيدروجينية؛ ما يعني تحولها من دولة ذات قدرة نووية محدودة إلى دولة ذات ترسانة نووية)(10). باختصار، تستطيع إطلاق مليون قذيفة على كوريا الجنوبية، خاصة ضد العاصمة القريبة من الحدود المشتركة والتي يقطنها حوالي الـ25 مليون نسمة، خلال ساعة واحدة، كما تستطيع، باستخدام صواريخ رودونغ القصيرة والمتوسطة المدى، عزل شبه الجزيرة الكورية عن العالم ومنع وصول تعزيزات عسكرية أميركية إلى كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى استهداف اليابان. وثانيهما (العاملين): استخدام خبراتها في مجال التصنيع الحربي، في مجال الصواريخ بخاصة، في دعم خصوم الولايات المتحدة (بيع هذه التقنية لإيران لمساعدتها في تطوير صواريخ شهاب3، وهذا أخلَّ بتوازن القوى في الشرق الأوسط ويضر بأمن إسرائيل)، ولباكستان (صواريخ رودونغ من طراز إم.آر.بي.إم لدعم موقفها في سباق التسلح مع الهند، والذي يمكن أن يفجر أزمات لا قدرة لواشنطن على السيطرة عليها).

المقاربة الأميركية

عبَّرت واشنطن عن رفضها للتجارب النووية والصاروخية الكورية الشمالية، واعتبرتها “استفزازًا”، على مستويين سياسي وعسكري. وَرَدَ الموقف السياسي على لسان نائب الرئيس، مايك بنس، خلال تفقُّده للقوات الأميركية المرابطة في كوريا الجنوبية، بجوار الحدود المنزوعة السلاح مع كوريا الشمالية؛ حيث قال: “إن الولايات المتحدة لن تتسامح فيما يتعلق بتلك التجارب”، وإعلانه عن التخلي عن “سياسة الصبر الاستراتيجي”(11) التي اعتمدتها الإدارة السابقة، وتأكيده أن هذا البلد يشكِّل “التهديد الأخطر على السلم والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادي”، وعلى لسان وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، خلال زيارته لدول في شرق آسيا بتحذيره من “أن الولايات المتحدة قد تبحث شنَّ ضربة استباقية على كوريا الشمالية إذا لم توقف برنامجها النووي”. وتهديد الرئيس الأميركي في تغريدات له على تويتر باتخاذ إجراءات أحادية ضد كوريا الشمالية، وتوعد نائب الرئيس بـ”رد ساحق وفعَّال” على أي هجوم قد تشنُّه كوريا الشمالية، وإعلان المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، يوم 5 يونيو/حزيران 2017، خلال مناقشة مجلس الأمن للتجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها بيونغ يانغ على صاروخ عابر للقارات “أن بلادها مستعدة لاستخدام كامل قدراتها لردع كوريا الشمالية بما في ذلك القوة العسكرية، إذا اضطررنا لذلك”. وتجسد الموقف العسكري بتسريع عملية نشر شبكة صواريخ “ثاد” المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، وإرسال مجموعة بحرية هجومية فيها حاملة طائرات “يو. إس. إس. كارل فينسون “التابعة للأسطول الأميركي الثالث إلى المياه الكورية، وتعزيز قوتها البحرية هناك بإرسال حاملتي الطائرات: “رونالد ريغان” و”نيميتز” إلى بحر اليابان. ورفع درجة الضغط بإطلاق القوات الأميركية والكورية الجنوبية، يوم 5 يوليو/تموز 2017، صواريخ بالستية خلال مناورات تحاكي هجومًا على كوريا الشمالية، في “رسالة تحذير قوية” للنظام الكوري الشمالي.

تصريحات وإجراءات عكست جدية واشنطن وعزمها على التحرك المباشر ضد كوريا الشمالية، من جهة وتعزيز ضغطها عليها وعلى الصين في آن، من جهة ثانية.

تحركت واشنطن على محورين متوازيين، أولًا: بتنسيق خطواتها مع حلفائها في المحيط الهادي؛ حيث قام نائب الرئيس، مايك بنس، بزيارة سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وإندونيسيا، وعقدت، يوم 25 أبريل/نيسان 2017، اجتماعًا ثلاثيًّا على مستوى الخبراء مع كوريا الجنوبية واليابان لمناقشة “خطط مواجهة أي استفزازات أخرى من كوريا الشمالية، ولزيادة الضغط عليها، وضمان الدور البنَّاء الذي تؤديه الصين في تسوية ملفها النووي”. وثانيًا: مع الصين عبر عملية ترهيب وترغيب؛ حيث سربت معلومات تتعهد فيها بمعاقبة مجموعة من الشركات الصينية التي تيسِّر لكوريا الشمالية عدم الالتزام بعقوبات الأمم المتحدة (يشار هنا بشكل خاص إلى المصارف والبنوك التي تساعد شركات الواجهة الكورية الشمالية في تسهيل نشاطها التجاري الخارجي)، وإطلاق الرئيس الأميركي وعدًا بمراعاة المصالح الصينية في التجارة مع الولايات المتحدة إذا تعاونت الصين في ملف كوريا الشمالية.

غير أن الاعتماد على الصين، التي تريد حلًّا سياسيًّا للملف الكوري الشمالي، ليس مضمون النتائج لاعتبارات تتعلق بكوريا الشمالية وبالصين معًا؛ فقيادة كوريا الشمالية قد رسخت أقدامها من خلال استعراض القوة العسكرية، وحصلت على تنازلات وامتيازات فعلية من جيرانها من خلال امتلاك وسائل ردع نووية محتملة، كما أنها ترى في أسلحتها النووية “بوليصة التأمين الوحيدة على الحياة”(12). وهذا دفعها في عقد تسعينات القرن الماضي إلى مواصلة العمل على برنامجها النووي، رغم كلفته المادية الضخمة، وتجاهل المجاعة التي حصدت أرواح 10 في المئة من السكان. في حين ترى بكين في كوريا الشمالية فرصة لتعزيز دورها الإقليمي من خلال لعب دور الضامن للتوازن من جهة، وتوظيف القدرة النووية الكورية الشمالية في التصدي لمحاولات الاحتواء الأميركية لها من جهة ثانية، وترى للنظام الكوري الشمالي الحالي مهمة حيوية: إبعاد القوات الأميركية المنتشرة في كوريا الجنوبية عن حدودها من جهة ثالثة. وهذا دفع واشنطن للضغط عليها (الصين)، وعلى روسيا، عبر فرض عقوبات اقتصادية عليها؛ فقد فرض وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، يوم 6 يوليو/تموز 2017، عقوبات اقتصادية على شركات وأفراد في الدولتين لتعاونهم مع شركات كورية شمالية على علاقة ببرنامجي الصواريخ البالستية والأسلحة النووية، وعقوبات على مصرف “بنك أوف داندونغ” الصيني ومقره في مدينة داندونغ الصينية الحدودية مع كوريا الشمالية “يعتبر مصدر قلق من الدرجة الأولى لناحية تبييض الأموال لحساب كوريا الشمالية”، وعمله وسيطًا “لنشاط مالي غير قانوني من جانب كوريا الشمالية” عبر تسهيل تحويل ملايين الدولارات لحساب شركات تعمل في تطوير صواريخ بالستية. وأخرى ضد مزودي برنامج التسلح الكوري الشمالي ومن بينها شركتان روسيتان: شركة “أرديس بيرينغز” الروسية ومديرها إيغور ميتشورين، التي تزود شركة “تانغون” الكورية الشمالية الخاضعة لعقوبات منذ 2009 لمشاركتها في برامج تسلح بيونغ يانغ بالمعدات، وشركة “بتروليوم كومباني” الروسية المستقلة التي سلَّمت نفطًا ومشتقات نفطية بقيمة مليون دولار إلى كوريا الشمالية، وشركة “أو إن إن كي بريمور نفتبروداكت” المتفرعة عنها، وعلى ري سونغ هيوك المسؤول الصيني في “كوريو بنك” و”كوريو كريديت دبفلوبمنت بنك”؛ لأنه أنشأ عدة شركات وهمية تزود كوريا الشمالية بمواد وتُجري تعاملات مالية باسمها”. كما فرضت عقوبات على شركات كورية شمالية هي “كوريا كمبيوتر سنتر” وهي شركة تكنولوجيا عامة لديها مقار في الخارج، و”سونغي تريدنغ كومباني” التي لديها صلة بالجيش الكوري الشمالي وبتصدير الفحم، وشركة “كوريا زنك إندستريال غروب” التي تصدِّر خام الحديد والزنك. بالإضافة إلى طرحها مشروع قرار في مجلس الأمن، ينطوي على فرض عقوبات دولية على أربعة كيانات كورية شمالية منها “بنك كوريو” و”قوة الصواريخ الاستراتيجية التابعة للجيش الكوري الشمالي”، إضافة إلى 14 فردًا من بينهم “تشو إل يو” الذي يعتقد أنه يرأس عمليات الاستخبارات الخارجية للبلاد، من المفترض التصويت عليه (مشروع القرار الأميركي) في مجلس الأمن(13).

الموقف الإقليمي والدولي

أثار التصعيد الكلامي بين واشنطن وبيونغ يانغ قلق دول الجوار، كوريا الجنوبية واليابان بشكل خاص، خوفًا من انزلاق الوضع إلى حرب فعلية، على خلفية تقديراتها للكلفة البشرية والمادية لحرب قد تُستخدم فيها أسلحة دمار شامل، كيماوي وبيولوجي ونووي، وهذا جعل هذه الدول تتحفظ على اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل مع الملف.

الصين وروسيا من طرفهما ترفضان استخدام القوة في حل الخلاف؛ فالصين، الجار الكبير والقوي، والذي تربطه بكوريا الشمالية اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية، يخاف من إعطاء النزاع الولايات المتحدة حججًا لتكثيف حضورها على حدوده ونشر أسلحة متطورة، مثل شبكة صواريخ “ثاد” المضادة للصورايخ التي نصبتها في كوريا الجنوبية، وتحقيق تفوق كاسح في الإقليم ينعكس سلبًا على خططها في بحري الصين الشرقي والجنوبي، من جهة، ومن انهيار كوريا الشمالية وما سينتج عنه من تدفق ملايين اللاجئين الكوريين إلى أرضه ووصول القوات الأميركية إلى نهر “يالو” الذي يفصل بين البلدين من جهة ثانية. وهذا دفعها إلى منع معاقبة كوريا الشمالية بقرار من مجلس الأمن يمنع تصدير الوقود إليها، وإلى إبلاغ الولايات المتحدة أنها تريد حلًّا سياسيًّا للملف الكوري(14).

صحيح أن الصين، وكذلك روسيا، لا تريد تصعيد سباق التسلح النووي في الإقليم، خوفًا من دخول اليابان النادي النووي، ولهذا فهي مع تجميد البرنامج النووي الكوري الشمالي، لكنها سعت إلى استثمار الملف الكوري في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة مقابل المساهمة في حل الأزمة، وإلى توظيفه في إقناع واشنطن بحدود القوة والسيطرة الأميركية على شؤون العالم.

موقف روسيا

روسيا من جهتها تخشى تداعيات التصعيد الإعلامي واحتمالات تطور الموقف إلى حرب؛ ما يضعها في موقف حرج ويدفعها إلى مواجهة خيارات حساسة بين الوقوف في صف كوريا الشمالية والصين، لمنع الولايات المتحدة من السيطرة على الإقليم بشكل كامل (نقلت وسائل إعلام نبأ حشد روسيا لقوات كبيرة شرق البلاد بالقرب من حدود كوريا الشمالية، نفته روسيا)(15)، وبين استعداء الأخيرة وهي تسعى لعقد صفقة شاملة معها تعيدها إلى موقع القطب الثاني في النظام الدولي، بالإضافة إلى تحسبها من النتيجة العملية لوقوفها مع كوريا الشمالية والصين؛ حيث ستصب محصلة صراع الإرادات في مصلحة الصين؛ لأنها الأقدر جغرافيًّا وماليًّا على التعاطي مع الموقف هناك.

موقف الصين

لم يكن للصين خيارات سهلة في التعاطي مع الأزمة؛ فاللحظة السياسية معقدة وتنذر، في حال اتخذ أحد طرفي النزاع موقفًا غير محسوب، بمخاطر جسيمة، فالتصعيد الكوري الشمالي، منح الولايات المتحدة مبررًا لنشر شبكة صواريخ “ثاد” المضادة للصواريخ في مدينة سيونغجو الكورية الجنوبية الواقعة على مسافة 250 كلم جنوب العاصمة سيول، وحشد أساطيلها البحرية بالقرب من شبه الجزيرة الكورية، ما شكَّل إخلالًا في التوازنات العسكرية في الإقليم، وحدَّ من حرية حركتها في الصراع على حدود المياه الإقليمية في بحري الصين الشرقي والجنوبي، كما أشعرتها قراءتها لرسالة واشنطن، التي حملها قصف مطار الشعيرات السوري أثناء اجتماع الرئيس الصيني مع الرئيس الأميركي، بخطورة الموقف ودفعتها إلى حشد قوات لها على الحدود المشتركة مع كوريا الشمالية، ورفض طلب واشنطن بعدم دعوة حكومة كوريا الشمالية إلى مؤتمر طريق الحرير، وسعت، في الوقت نفسه، إلى تهدئتها بالاشتراك معها في صياغة مشروع قرار قُدِّم إلى مجلس الأمن للتصويت عليه يقضي بفرض عقوبات جديدة عليها(16).

لقد وجدت الصين نفسها في بؤرة صراع متعدد الأبعاد ما اضطرها إلى اتخاذ مواقف على أكثر من محور: الضغط على كوريا الشمالية لدفعها إلى وقف تجاربها الصاروخية والنووية (وقف استيراد الفحم منها بدءًا من 18 فبراير/شباط 2017 وإلى نهاية العام، ووقف رحلات طائرات “إير تشاينا” إلى بيونغ يانغ) من جهة، والضغط على كوريا الجنوبية، ردًّا على نشر شبكة صواريخ “ثاد” الأميركية على أراضيها(17)، بسحب 44000 سيارة هيونداي من الأسواق الصينية، ووقف سفر السياح إليها، من جهة ثانية، والدعوة إلى حل سلمي للأزمة من خلال تعليق التجارب النووية الكورية الشمالية ووقف المناورات الكورية الجنوبية-الأميركية المشتركة، ودعوة بيونغ يانغ إلى التخلي عن برنامجها النووي العسكري مقابل حماية الصين لها، وقالت في افتتاحية جلوبال تايمز، التي تنشرها صحيفة الشعب اليومية التابعة للحزب الشيوعي الحاكم، “بمجرد أن تمتثل كوريا الشمالية لنصيحة الصين المعلنة وتوقف الأنشطة النووية… ستعمل الصين جاهدة على حماية أمن شعب كوريا الشمالية ونظامها بعد نزع السلاح النووي”، من جهة ثالثة.

لم يُرْضِ ذلك كوريا الشمالية فهاجمت الصين في مقال نشرته وكالة الأنباء المركزية الكورية بسبب ما قالت إنها “تصريحات متهورة” بشأن برنامجها النووي، مضيفة أن ذلك قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وحذرتها من “عواقب خطيرة” إذا واصلت اختبار صبرها، ومنعت دخول وفد رسمي صيني إلى أراضيها.

زاد الاشتباك الصيني-الكوري الشمالي تعقيد سبل حل الأزمة؛ حيث اندفعت كوريا الشمالية إلى مزيد من التصعيد بالتحضير لإجراء تجربة نووية هي السادسة في سلسلة تجاربها. وهذا ما زاد الضغوط الأميركية على الصين ووضعها في موقف حرج بين رغبتها في تلافي انفجار الأزمة بلجم التهور الكوري الشمالي ومقاومة التوسع الأميركي في الإقليم والعمل على حل الأزمة بالطرق السلمية بما يعزز دورها الإقليمي والدولي.

موقف كوريا الجنوبية

لم يكن الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، مون جاي-آن، الأقرب إلى اليسار، مع تصعيد الأزمة مع كوريا الشمالية وقد عبَّر عن ذلك بدعوته إلى الحوار معها لحلها، وعن استعداده لزيارة بيونغ يانغ لهذا الغرض، وإعلانه عن تحفظه على نشر شبكة صواريخ “ثاد” على أراضي بلاده، ثم علَّق عملية نشرها بعد أدائه القَسَم مباشرة؛ ما دفع نواب الحزب المحافظ “حرية كوريا”، المؤيدين لخط متشدد مع كوريا الشمالية، إلى اتهامه مرات عدَّة بأنه “سيسلِّم البلاد بأكملها إلى كوريا الشمالية بعد انتخابه”(18). لكن استمرار التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، وتحضيراتها لإجراء تجربة نووية جديدة، وضعته في موقف حرج فعقد اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن القومي عقب إطلاق كوريا الشمالية الصاروخ الجديد لبحث الموقف، واعتبره “استفزازًا غير مسؤول”، وبالتزامن مع ذلك، أبلغ وفد من الحزب الحاكم، أثناء حضور قمة طريق الحرير في الصين، وفدَ كوريا الشمالية، بـ”الإدانة الشديدة” لإطلاق الصاروخ.

وقع الرئيس الجديد تحت ضغوط متعددة وتطلعات متباينة، فهو ضد تصعيد الأزمة ومع الانفتاح على كوريا الشمالية، سارع، بعد أن أصبح رئيسًا، إلى الإعلان عن إعادة افتتاح “مجمع كايسونغ الصناعي” المشترك مع كوريا الشمالية بعد أن تم إغلاقه في عهد الرئيسة الكورية الجنوبية السابقة “بارك جيون هاي”(19)، لكنه لا يستطيع تجاهل “الاستفزازات” الكورية الشمالية، ولا غضَّ النظر عن تحذيرات المؤسسة العسكرية الكورية الجنوبية من المخاطر المحتملة، ولا تجاهل مستدعيات الموقف الأميركي لردع كوريا الشمالية عبر مواصلة المناورات العسكرية المشتركة وإظهار تماسك التحالف معها ومع اليابان ضد “الاستفزازات” الكورية الشمالية، مع إبقائه الباب مفتوحًا للحوار؛ حيث قال المتحدث باسمه: إن “الرئيس أكد أن كوريا الجنوبية لا تزال منفتحة على إمكانية الحوار مع كوريا الشمالية شريطة أن يُظهر الشمال بعض التغيير في النهج الذي يتبعه حاليًّا”.

موقف الهند

ارتبط موقف الهند من الأزمة بموقفها من الصين، جارتها اللدود، ومن الباكستان، عدوتها المزمنة؛ حيث ملفات ترسيم الحدود العالقة، والتنافس على لعب دور بارز في شرق آسيا والمحيط الهندي مع الأولى، وسباق التسلح النووي مع الثانية، ودور الصين في البرنامج العسكري الباكستاني، التقليدي والنووي، خاصة في مجال الصواريخ البالستية، وقد دفعها القلق من الصين ودورها المتنامي إلى توثيق علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة وتعزيزها عبر إجراء مناورات بحرية سنوية، تشارك فيها اليابان؛ فالهند بالنسبة لواشنطن مهمة لتطويق الصين، والولايات المتحدة بالنسبة للهند مهمة لموازنة قوة الصين العسكرية المتنامية؛ لذا رأت الهند في الضغط الأميركي على كوريا الشمالية ضغطًا على الصين ذاتها، وفي إضعاف الصين إضعافًا للباكستان كذلك(20).

موقف باكستان

موقف باكستان هو الآخر مرتبط بعلاقاتها العسكرية القوية مع الصين، والمتوترة مع الهند والولايات المتحدة، على خلفية تطور علاقات الأخيرة مع الهند على حساب علاقاتها المميزة معها التي استمرت طوال فترة الحرب الباردة. هذا، بالإضافة إلى تعاونها العسكري المثمر مع كوريا الشمالية، فللباكستان دور كبير في تطور البرنامج النووي الكوري الشمالي فقد باعتها خبرات ومعدات في هذا المجال، ما جعلها أقرب إلى الصين وكوريا الشمالية منها إلى الولايات المتحدة(21).

موقف إيران

إيران من جهتها متوجسة من تطور الأزمة وتبعاتها على برنامجها الصاروخي والنووي؛ حيث لعبت كوريا الشمالية دورًا كبيرًا في نجاحه وتطوره، فقد كانت كوريا الشمالية المزود الرئيسي للأدوات الأساسية الخاصة بإنتاج الصواريخ لإيران، وقد بيَّنت معلومات مسربة وجود مئات التقنيين الكوريين الشماليين يعملون في عشر منشآت وقواعد صواريخ في إيران، وقيام خبراء نوويين كوريين شماليين بزيارات دورية لمنشآت إيران الصاروخية والنووية مثل مجمع الإمام الخميني، فضلًا عن تزويدها بأدوات تُستخدم في البرنامج النووي، وقد أبرم الطرفان، في سبتمبر/أيلول 2012، اتفاقًا للتعاون بهذا الخصوص، منها المواد الضرورية لإنتاج اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي، واليورانيوم المخصَّب؛ ما يرتِّب انعكاس الأزمة الكورية الشمالية عليها سلبًا وإيجابًا، وخاصة على قدرتها على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم ما يؤهلها لصنع قنبلة نووية. هذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيرلسون؛ حيث قال: إنه “من دون مراجعـة شاملة للاتفاق النـووي، يمكن لإيران أيضًا أن تفاجئ العالم يومًا ما بتجارب نووية”، وإنها “يمكن أن تسلـك نفس مسلك كوريا الشمالية، لذا يجب ردعها” (22).

خاتمة

إن الحل الأكثر قابلية للتطبيق، وفق خبراء، هو مطالبة كوريا الشمالية بتطبيق سياسة “اللاءات الثلاثة”: لا مزيد من التطوير للأسلحة النووية (بما في ذلك التجارب النووية)، لا لتصدير الأسلحة النووية إلى دول أخرى، ولا لاستخدام (أو التهديد باستخدام) الأسلحة النووية. وهذا يستدعي قبول بيونغ يانغ بنظام “التجميد النووي”، وما ينطوي عليه من حدود ضابطة أحادية الجانب للحد من التسلح النووي، ونظام مناسب للمراقبة والتحقق، مقابل حصولها على مجموعة مميزات من بينها ترتيبات الضمان الأمني متعدد الجوانب، والدخول في عملية دبلوماسية تهدف إلى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأخرى، بالإضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

ستبقى العيون شاخصة إلى واشنطن وبيونغ يانغ تراقب التطورات على أمل احتواء الموقف والاتفاق على حل سياسي يرضي أطراف النزاع ويجنِّب العالم ويلات حرب نووية لا تبقي ولا تذر.

فهل تنجح مساعي العقلاء في احتواء الأزمة أم سيشهد العالم حربًا مدمرة باستخدام أسلحة الدمار الشامل؟

________________________

علي العبد الله – كاتب مختص في الشؤون الدولية

مراجع

1- الأفندي، نزيرة، “كوريا الشمالية وإدارة الأزمة النووية”، (السياسة الدولية، عدد 152، أبريل/نيسان 2003)، ص 240.

2- Le Guelte, Georges, Histoire de la menace nucléaire, (Hachette, 1997), p.292.

3- الأفندي، نزيرة، “المأزق الأميركي في شبه الجزيرة الكورية”، (السياسة الدولية، عدد 151، يناير/كانون الثاني 2003)، ص 190.

4- Champchesnel, Tiphaine de, La crise nucléaire nord-coréenne vers la faillite de la non- proliferation?, L’Observateur des Nations Unies, 2003.

5- حسين باكير، علي، “النزاع الأميركي- الكوري الشمالي حول الملف النووي”، (السياسة الدولية، عدد 162، أكتوبر/تشرين الأول 2005)، ص 196-2055.

6- قدري سعيد، محمد وعبيد، هناء، التقرير الاستراتيجي العربي 2005-2006، (مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام)، ص1799.

7- فايز فرحات، محمد، “مستقبل الانتشار النووي في شمال شرقي آسيا”، (السياسة الدولية، عدد 167، يناير/كانون الثاني 2007)، ص 1166.

8- ماكليري، بول: “الدفاع الصاروخي.. مخاوف أميركية”، الاتحاد، 3 يونيو/حزيران 2017.

9- مركز أنباء الأمم المتحدة.

10- “ميزان القوة العسكرية بين أميركا وكوريا الشمالية”، الجزيرة نت، 13 أبريل/نيسان2017، و”بالأرقام: هل تستطيع كوريا الشمالية مواجهة الولايات المتحدة عسكريا؟”، فرانس24، 18 أبريل/نيسان 20177.

11- كريستوف، نيكولاس، “ترامب وكابوس كوريا الشمالية”، الاتحاد، 23 أبريل/نيسان 2017.

12- وولفستل، جون، “سياسة حافة الهاوية مع كوريا الشمالية”، الاتحاد، 29 أبريل/نيسان 2017.

13- روجين، جوش، “الجدية ضد كوريا الشمالية!”، الاتحاد، 3 يوليو/تموز 2017. و”عقوبات أميركية جديدة ضد كوريا الشمالية”، موقع رووداو الكردي، 2 يونيو/حزيران 2017.

14- بومفريت، جون، “الاستراتيجية الصينية في كوريا الشمالية”، الاتحاد، 20 أبريل/نيسان 2017.

15- “روسيا تفنِّد معلومات عن تعزيزات قرب كوريا الشمالية، الحياة، 22 أبريل/نيسان 2017.

16- فيلدمان، نوح، “الصين وكوريا الشمالية.. الشراكة الصعبة”، الاتحاد، 24 مايو/أيار 2015.

17- فيفلد، آنا، “ثاد”: جدل في سيؤول، الاتحاد، 30 أبريل/نيسان 2017.

18- إيسوزاكي، آتسوهيتو، “اليابان وخطر كوريا الشمالية”، الاتحاد، 10 يوليو/تموز 2017.

19- المرجع السابق.

20- الرحمن، ذكر، “الصين والعلاقات الهندية الأميركية”، الاتحاد، 8 يوليو/تموز 2017.

21- أحمد بن أحمد سالم، سيدي، “القوى النووية”، الجزيرة نت، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

22- أشتيوي، بثينة، “ماذا تعرف عن العلاقات النووية بين كوريا الشمالية وإيران؟” ساسة بوست، 1 يونيو/حزيران 20155.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة