خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تثار الآن تساؤلات عدة حول طبيعة العلاقة العراقية الإيرانية التي أخذت تظهر بشكل أوسع, خاصة بعد طرد تنظيم “داعش” الإرهابي من الموصل، إن لم تكن قد بدأت قبل ذلك بسنوات خاصة عندما تم تأسيس “الحشد الشعبي” العراقي المدعوم إيرانياً منذ عام 2014 لمجابهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
إيران تسيطر على 60% من العراق..
من آخر التصريحات التي تظهر ما وصلت إليه العلاقة بين العراق وإيران، ما قاله الجنرال الأميركي المتقاعد “إيرني أوديرنو”، ثاني أكبر قائد أميركي في العراق خلال العقد الماضي، خلال ندوة عقدت في واشنطن تحت شعار “كردستان الحليف الاستراتيجي لأميركا”، إن إيران تسيطر على 60 بالمئة من العراق، داعياً بلاده إلى إعادة النظر بسياستها مع هذه البلاد، معتبراً أن استقلال “إقليم كردستان” يصب بمصلحة الولايات المتحدة.
مطامع إيرانية..
حذر “جي كارنر”, الحاكم الأميركي الأول للعراق بعد سقوط نظام “صدام حسين” في 2003، من مطامع إيرانية للسيطرة على المنطقة من خلال نشر آلاف المقاتلين في لبنان وسوريا والعراق، مؤكداً على أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تدعم استقلال كردستان عن العراق لوقف الحلم الإيراني.
مضيفاً أن إيران بعد 2014 شكلت ميليشيات في العراق أكثر من حرسها الثوري، وهذا يصب في مصلحتها مستقبلاً، مشيراً إلى أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تدعم “إقليم كردستان” ويجب أن تعتمد عليه بعد مرحلة الدولة الإسلامية.
توظيف المساعدات لخدمة طهران..
كما اعتبر رئيس الأركان الأميركي السابق “رونالد كريفس” في الندوة ذاتها، أنه “لم يعد هناك ما يسمى بالعراق الواحد”، منتقداً ما قال إنه “فساد مالي وإداري” لدى الحكومة الاتحادية ببغداد، التي اتهمها بـ”توظيف ملايين الدولارات التي منحتها الولايات المتحدة كمساعدات للعراق في خدمة طهران”.
استراتيجية إيرانية..
الكاتب “أمير طاهري” يرى أنه مع طرد تنظيم “داعش” الإرهابي خارج الموصل، تتهيأ الأجواء العراقية لأجل الانتخابات العامة المقبلة التي سوف تقرر شكل الحكومة القادمة في بغداد. وبعد تصوير ذاتها بأنها “الفائز الأكبر” في العراق، شرعت القيادة الإيرانية بطهران في صياغة استراتيجية تحول هذا الأمر إلى حقيقة واقعة. ولهذه الاستراتيجية ثلاثة عناصر رئيسة.
تحالف شيعي يسيطر على البرلمان والحكومة..
أولها، تشكيل تحالف شيعي جديد، ليبرالي، غير طائفي يهدف إلى السيطرة على البرلمان المقبل، والسيطرة من خلال هذا التحالف على الحكومة المقبلة في بغداد، الأمر الذي يستلزم إعادة توزيع بطاقات اللعبة السياسية وتجاهل بعض الكيانات القديمة.
مضيفاً أنه في مقالة افتتاحية نشرتها وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا)، قالت إن التشكيلات القديمة التي ظهرت خلال النضال ضد نظام حكم “صدام حسين”, وما تلاها من أزمات ما بعد التحرير, لم تعد قادرة على التعامل مع “الحقائق الجديدة في العراق”، واستناداً إلى هذا التحليل أعلن “عمار الحكيم”، رجل الدين الشيعي البارز، انفصاله عن “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” في العراق، والبدء في تشكيل حزب جديد تحت اسم “تيار الحكمة الوطني”.
تحالف الحرية وإعادة البناء..
تتوقع المصادر المطلعة في طهران أن تتبنى الأحزاب والجماعات الشيعية الأخرى النموذج الجديد. ويقال إن رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” يعكف حالياً على دراسة تشكيل هيكل علماني جديد بعيداً عن موئله السياسي الأصلي في حزب الدعوة العراقي الذي كان على الدوام من التشكيلات الطائفية الواضحة. وتجرى حالياً المحادثات المستمرة بهدف دمج قاعدة دعم “العبادي” مع التيار الصدري التي يتزعمها “مقتدى الصدر”، وهو سليل إحدى العائلات الدينية الأخرى من مدينة محلات إلى الجنوب الغربي من العاصمة طهران. ووفقاً إلى تقارير إخبارية, غير مؤكدة, فإن تحالف “العبادي – الصدر” الجديد سوف يحمل اسم “الحرية وإعادة البناء”، مما يعكس الهوية غير الطائفية بكل وضوح.
إجبار السلطة الدينية على تأييد القيادة السياسية الشيعية الموالية لإيران..
العنصر الثاني من الاستراتيجية الإيرانية تدور حول إجبار السلطة الدينية في النجف (المرجعية الدينية) على تأييد، حتى وإن كان على مضض، القيادة السياسية الشيعية الموالية وبكل وضوح لإيران، وتدرك طهران أنه لا توجد فرصة متاحة أمام أي حكومة في بغداد للنجاح من دون مباركة، ولو ضمنية، من جانب آية الله العظمى “محمد السيستاني”، الذي رفض مراراً اللعب بالبطاقة الطائفية، موصياً السياسيين من جميع الطوائف في العراق بالتفكير في ظل الاعتبارات الوطنية بدلاً من الاعتبارات الدينية والطائفية. وبالتالي، فإن قرار طهران نزع الطائفية عن الأحزاب العراقية التي تدعمها سوف يكون من قبيل التنازلات للسيستاني.
الدفع بروسيا كواجهة للنفوذ الإيراني..
أما العنصر الثالث من الاستراتيجية الإيرانية فتتمحور حول الدفع بروسيا في العراق كواجهة للنفوذ الإيراني الواسع في البلاد. ويدرك القادة في طهران أن السواد الأعظم من الشعب العراقي يمقت الصعود الإيراني ودور الحكم على مصائرهم. وروسيا، رغم ذلك، تبدو بعيدة بما فيه الكفاية كي لا تشكل تهديداً مباشراً على التوازن الداخلي للقوى في العراق. ومع ذلك، ولأن روسيا تفتقر إلى الدعم المحلي الواسع في العراق، فسوف تعتمد كثيراً على التوجيهات الإيرانية وحسن نية الجانب الإيراني في الاضطلاع بالدور القيادي في البلاد.
موضحاً إن الحكومة الجديدة في بغداد, والمكونة من زعماء الشيعة “غير الطائفيين”, تعد بصفقات أفضل بالنسبة للسنة العرب وللأكراد، وإثر الدعم الذي تتلقاه من روسيا، سوف توفر غطاء أفضل لنشر النفوذ الإيراني وترسيخه في العراق.
العودة إلى اتفاقية الحدود..
كانت آخر الأعمال الإيرانية في العراق ما أعلنت عنه وزارة النقل العراقية, بأن وزير النقل “كاظم فنجان الحمامي”، قد اقترح السبت 29 تموز/يوليو 2017، على وزير الدفاع الإيراني “حسين دهقان”، خلال لقائهما في مقر وزارة الدفاع الإيرانية بطهران، العودة إلى اتفاقية الحدود بين البلدين الموقعة في عام 1975، مشيرة إلى أن “دهقان” ابدى موافقته المبدئية على ذلك.
جامعة للعلوم الطبية..
ما سبقه بيوم واحد فقط من إعلان نائب وزير الصحة الإيراني للعلوم الطبية “باقر لاريجاني”، الجمعة, عن تأسيس أول جامعة أجنبية في العراق للعلوم الطبية، بإدارة “جامعة طهران للعلوم الطبية” وتحت إشراف “وزارة الصحة الإيرانية”.
تعاون نفطي ..
في نفس الوقت، أفادت وزارة النفط الإيرانية، بأن وزير النفط العراقي “جبار اللعيبي”، وصل طهران، لبحث تطوير التعاون في المشاريع النفطية بين البلدين، وأهمها مناقشة تطوير مشروع نقل الغاز من إيران إلى مدينتي البصرة وبغداد.
وكان العراق وإيران قد وقعا مذكرة حول تصدير الغاز من الجانب الإيراني إلى العراق في عام 2009، وتحولت هذه المذكرة فيما بعد إلى اتفاقية نصت على أن تصدر إيران من 20 حتى 25 مليون متر مكعب من الغاز إلى العراق.
وفي تشرين أول/أكتوبر العام الماضي, تم التوقيع على اتفاقية ثانية حول تصدير الغاز الإيراني إلى العراق, وتم الاتفاق على نقل من 25 حتى 40 مليون متر مكعب من الغاز لتأمين وقود محطة شط البصرة.
وتوصل الجانبان, الإيراني والعراقي, عقب مباحثات مكثفة أواخر عام 2016, إلى اتفاق يقضي بتدشين هذا الخط.
إنشاء مدن صناعية..
في المجال الصناعي.. وقع العراق وإيران, الخميس 20 تموز/يوليو 2017، مذكرة تفاهم في مجال إنشاء المدن الصناعية وتطوير الإنتاج المحلي وتعزيز فرص الاستثمار.
وكان وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني, قد أبدي استعداد بلاده إلى تطوير التعاون مع العراق في إعادة إعمار مدينة الموصل، لافتًا إلى امتلاك إيران خبرات واسعة بمجال البنية التحتية.
اتفاق تعاون دفاعي وعسكري..
في المجال العسكري.. وقع العراق وإيران, الأحد 23 تموز/يوليو الجاري، اتفاق تعاون دفاعي وعسكري لمحاربة الإرهاب والتطرف وحفظ أمن الحدود المشتركة، وتقديم الدعم التدريبي واللوجيستي والتقني والعسكري.
تعاون ثقافي..
ليس هذا فحسب, وإنما يوجد تعاون على المستوى الثقافي حيث يقام لأول مرة مهرجان “طريق الوفاء” الدولي الأول للأفلام والصور بالتزامن, في مدينتي كربلاء العراقية ومشهد الإيرانية, للفترة من 23 ولغاية 28 تشرين أول/أكتوبر المقبل.
كل ما سبق يوضح مدى عمق العلاقات العراقية الإيرانية الظاهرة للعيان, والتي تسير في وتيرة متسارعة، بالإضافة إلي تعاونات أخرى معلومة وغير معلومة، بالإضافة إلى العديد من الزيارات المتبادلة التي يتم الإعلان عنها بشكل مستمر، والتي تدلل وكأن البلدين اندمجا معاً وأصبحا بلداً واحدة لا تفرق بينهما حدود.
تضاعف الصادرات الإيرانية 17 مرة خلال العقد الأخير..
يؤكد مسؤولون إيرانيون، على أن حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين إيران والعراق وصل إلى ثمانية مليارات ونصف المليار دولار، مبينين أن صادرات إيران للعراق تضاعفت 17 مرة خلال العقد الأخير.
خطر كبير على الاقتصاد العراقي..
ما جعل الخبير الاقتصادي ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار “جواد البولاني”, يرد على حديث رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق، “يحيى آل اسحاق”، عندما قال بأن العراق سيبقى السوق الأكبر في المنطقة لـ15 سنة أخرى من حيث تصريف البضاعة الإيرانية، معتبراً ذلك خطراً كبيراً على الاقتصاد العراقي، الذي يعني أن بقاء السوق العراقية لتصريف بضائع الدول المجاورة، مشيراً إلى أن ذلك يستنزف الثروات من العملة النادرة وتحويل الدولار، في وقت كان يجب على العراق أن يحقق استقلالاً آمناً واقتصادياً بالاعتماد على الانتاج المحلي وترك الاستيراد.
اتباع سياسة التوازن..
بصفة عامة يرى الخبراء والمتخصصون أن “العبادي”, من خلال حكومته, يحاول أن ينأى بالعراق عن الاتجاهات والميولات لدولة دون أخرى، لذلك تحاول الحكومة العراقية في هذه الفترة مد الجسور مع دول الجوار، بصرف النظر عما تحتويه أجندات تلك الدول، وهذا جزء من سياسة الحكومة العراقية التي يمكن تصنيفها على أنها طريقة في التوازن, التي يحاول “العبادي” اتباعها في الفترة المقبلة.
فتح صفحة جديدة من العلاقات..
سبق وأن قال مدير مركز الرافدين للحوار “د. طالب محمد كريم”, في حديثه لـ(كتابات)، أن هذا التعاون مفيداً جداً للعراق في هذا التوقيت, لأنه بحاجة إلى الإعمار فيحتاج إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات، وأن العراق أصبحت اليوم مختلفة عما كانت قبل الموصل، فلديه الآن إمكانيات عالية وإرادة وعزيمة وقوات عسكرية وأمنية تمتلك قدرات عالية، وربما يمكنها التعاون مع الدول المعرضة للحروب والإرهاب، فالعراق يمتلك قراره، وإذا كانت هذه الاتفاقيات في سبيل قوة العراق وإعادته لأخذ دوره الحقيقي فمرحباً به.