أثارت رسالة السيد محمد توفيق علاوي وزير الاتصالات المستقيل الكثير من التساؤلات,حيث كانت رسالة صريحة محملة بالأسباب الموجبة للاستقالة,والتي تخص تدخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء في أسلوب عمل الوزارة,والتدخل في التعيينات والإقالات وإيقاف أو تعطيل المشاريع,وتجاوز الصلاحيات الدستورية الممنوحة للوزير,مما يثير الشكوك حول قدرة رئيس الوزراء الحالي على إدارة مجلس الوزراء والحكومة الحالية,وخصوصا انه لم يقدم لا هو ولا الأمانة العامة لمجلس الوزراء تفسيرا قانونيا لكل ما جاء في رسالة الاستقالة!
هذه الحالة تكررت في العديد من الوزارات والهيئات الحكومية المستقلة أو التابعة لمجلس الوزراء,ويتكرر الحديث عن التجاوزات والاختراقات والمخالفات الدستورية, التي تحسب لبعض الأشخاص المتنفذين(ولايعرف الشعب من هم المتنفذين هل هو رئيس الوزراء ومستشاريه,أم الوزراء وأقربائهم,أو حيتان الفساد المنتشرة في كل مؤسسات ووزارات الدولة,من هم المتنفذين يارئيس الوزراء؟),
ثم كيف يقبل السيد رئيس الوزراء المالكي استقالة وزير الاتصالات ,دون ان يكون له موقف واضح حول ما جاء في خطاب الاستقالة من اتهامات ,ومع كل هذه الإشارات الكثيرة الواردة في رسالته,حول مضايقات الأمانة العامة لمجلس الوزراء لعمله ومحاربة موظفيه الأكفاء,ومحاربة طموحه الشخصي الخاص بتعديل مسار عمل وزارة الاتصالات وتطويرها
إن عملية تكرار صناعة وابتكار أسلوب سوق الذرائع والحجج لاتكفي لإضفاء الشرعية القانونية والدستورية على استمرار عمل الحكومة,
كلما تحدث الشعب عن حقوقه الانتخابية ونتائج مشاركته,والبحث عن ثمار تعبه,يجابه بالقاسم الانتخابي وشرعية تشكيل الحكومة,وكان العملية الانتخابية جرت وفقا للمعايير الديمقراطية العالمية الحديثة,بينما الكل يعلم إن النظام العراقي الجديد هو ليس نظاما ديمقراطيا صحيحا وفقا للرؤية السياسية الحديثة(لا الدستور كتب بطريقة صحيحة-ولا توجد قوانين تدعم شرعية الانتخابات الحقيقية,وهذا ما حصل فعلا من خلال إعادة تكرار نفس الخطأ في مسألة إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات المعدل),
والا كيف يمكن ان تفسر ازدياد أعداد الهاربين من جحيم العراق, أو كثرة الرافضين في العودة إليه من المهاجرين ,وانتشار ظاهرة المعارضين لأصل النظام الشبه ديمقراطي,الذي تعج به أمواج الخلافات ورياح الفوضى,ويعبث به الإرهاب المنظم,وتنتشر في اغلب دوائره ومؤسساته الحكومية ظواهر الفساد المالي والإداري العلنية.
إن إجراء الانتخابات لاتعني بالضرورة إن النظام السياسي القائم نظاما ديمقراطيا(لأنك قد تخير الإنسان بين ألحرامي المتوحش المفترس,وبين ألحرامي اللطيف,بالطبع ستختار الأخير لأنك على الأقل تضمن بقائك حيا),بل على العكس تماما تعتبر تطبيق أسس ومبادئ النظام الدستوري في الانتخابات هي ضمانة نجاح النظام الديمقراطي(كيف يمكن ان يكون أكثر من نصف أعضاء البرلمان الحالي لايمثلون حتى مانسبته المليون شخص على أكثر تقدير,بفعل تعطيل قانون الانتخابات للقوائم المتعددة المفتوحة,وإقرار قانون الأحزاب وطرق تمويلها,وإلغاء فكرة القوائم الانتخابية المتجاوزة للعدد المحدد بأكثر من الضعفين).
إن التأييد الذي يتمتع به رئيس الوزراء الحالي بدء يتراجع لعدة أسباب,منها إن قيادات الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء(حزب الدعوة)بدأت منذ الدورة الانتخابية السابقة بحملات نقد موجهة للكادر المحيط به(مستشارين رئيس الوزراء ومدراء مكتبه),ومن ثم استمرت في الدورة الحالية لتشمل رئيس الوزراء نفسه,هذا فضلا عن إننا لم نلمس أية ايجابيات حكومية سواء كانت على صعيد مستوى الخدمات أو إعادة أعمار البنية التحتية
(هل يعقل إن حكومة في العصر الالكتروني لازالت تعمل إداريا بالسجلات والمخاطبات الورقية,وتنتظر أياما وشهور طويلة حتى يحال مشروع تعبيد شارع بطول كيلومتر واحد لإحدى شركات المقاولات الفاسدة,أو لأتعرف كيف تعيد الكهرباء إلى المواطنين مع كل هذه المليارات المخصصة لها,ولم تستطع حتى ألان من توفير الأمن على الأقل داخل حدود العاصمة بغداد,إضافة إلى فشل قطاع الصحة والنفط والغذاء أو الزراعة والنقل,وأجهزة كشف المتفجرات,وفساد عقود تسليح الجيش العراقي الخ.),لكنها تبرر عملها الفاشل بالبحث عن آلية إقرار قانون العفو العام عن المجرمين والمزورين وسراق المال العام………
ليس عيبا ان يحاول المرء ان يصنع أو يعمل شيئا,ولكن العيب كل العيب ان يدعي انه يعرف كيفية صناعة هذا الشيء ,يتورط ويورط الآخرين معه ,ويستمر في خداع نفسه والمحيطين به بأنه قادر على حل المعضلة,
السياسي نفس التاجر أو المهندس أو الطبيب وحتى نفس الكاسب العادي,عنده بضاعة يقدمها للناس هي برنامجه الحكومي,في دورته الأولى يعطى العذر,ولكن في الدورة الثانية لاعذر له أطلاقا,
أما النجاح أو الاستقالة بعد الفشل,
ولهذا نؤكد على إن رسالة وزير الاتصالات المستقيل يجب إن يهتم بها الشارع العراقي,وتطرح أمام مجلس الوزراء والبرلمان العراقي,لمناقشة ماجاء فيها,لمعرفة الحقائق واتخاذ الإجراءات اللازمة وفقا للتحقيقات النزيهة,
فإذا كان الرجل محق بكل ماذكره,فالمفروض أو يجب ان يكون رئيس الوزراء هو المبادر لتقديم الاستقالة وليس الوزير,وإذا كان العكس فمن حق الشعب ان لايكون أطرشا في زفة الحكومة,عليه ان يعرف كل شيء, صغيرة الحكومة وكبيرتها,كفى تضليلا وتلاعب بمشاعر الناس,العقد الأول شارف على الانتهاء ونمر بالعقد الديمقراطي الثاني دون حلول واضحة,
والوطن يراوح في مكانه,حتى صار تفكير البعض بحلول اعجازية,كمعجزة الانقلابات العسكرية وعمليات تأميم الاقتصاد الوطني,لاستعادة ثروات الشعب وسيادته المنهوبة,لان النفق الذي ادخل الشعب فيه ,نفق أكثر ظلاما من نفق الدكتاتورية .