لكن شيء آفة من جنسه، للمبرد حكاية حسداً مع الحديد، وأعظم ما يُشجي جذع الشجر، إنه يقطع بآلة صنع مقبضها من لحاءه..! لست ميالاً لجهة ما، الطرفان من صلب واحد..! ولكل طرف حديثه وأقاويله، يرى الحق والحجة بين كلماته..! وعن حديث الساعة، وصراع الساحة أتحدث، حيث أن الأمثال تضرب ولا تقاس..! والوقائع بأحداثها لا بشخوصها..
على الساحة السياسية وأنا أتابع أحداث إنفصال وإنسحاب “عمار الحكيم” عن “رئاسة المجلس الأعلى” لاح في خاطري إعترافات دونتها الذاكرة، على وجه صحف التأريخ..! فكانت نسخة طبق الأصل، لما يحدث اليوم على ساحة التغييرات, والولادات التيارية والحزبية, خصوصا مع التطورات الأخيرة في سياسة “تيار شهيد المحراب” وأورد الاعترافات بالتالي:-
• قبل ما يقارب 1425 سنة، حضر “إبن عباس” في محضر الخليفة “عمر إبن الخطاب” ..
قال عمر:”أما والله، إنّ صاحبك لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله وكان يقصد “علي ابن ابي طالب”..! إلاّ أنّنا خفناه على إثنتين..!
قال ابن عباس: فما هما يا أمير المؤمنين…؟
قال عمر: خفناه على حداثة سنّه….! وحبّه بني عبد المطلب…!
فهل حداثة سن “عمار الحكيم” أخافت قيادات المجلس الأعلى..؟! أم إن ممارسته للعمل السياسي وإدارته “للمجلس الأعلى” ما كانت لتجد المقبولية بينهم..؟ خصوصا وإن هنالك ثوابت وأسس متفق عليها بين القيادات سابقا، أخذت تتأرجح بين حبال التحديات والتطورات وحداثة العمل السياسي في الوقت الحاضر، فضلاً من إن تلك الاتفاقات أفقدت “المجلس الأعلى” الثقة والمقبولية في المجتمع..! وكان بحاجة الى ثورة تجديد، تمكنه من إستعادة تلك المقبولية والثقة بما يتفق مع تلكم الجماهير بما يرى ذلك “الحكيم”..؟
أم أن تلك القيادات أحست بأن “الحكيم” بدأ يجير الحكم الى نفسه وعائلته، كما خاف “الخليفة” من أن يجير الحكم من قبل “علي إبن أبي طالب” لبني “عبد المطلب” من بني “هاشم”..!
• في مجلس الخليفة “عمر بن الخطاب” جلس نفر منهم “عبد الله بن عباس”
قال عمر: أتدري يا “إبن عباس” ما منع الناس من “علي إبن أبي طالب”..؟
قال: لا يا أمير المؤمنين لا أدري ..!
قال عمر: كرهت “قريش” أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة…! فتجحفوا الناس جحفاً.. فنظرت فإختارت، ووفقت فأصابت…!..
فهل كرهت “رجالات المجلس الأعلى”أن تجتمع في”عمار الحكيم”( السيادة والقيادة)..؟! سيادة نسبه عن أبيه عن جده “محسن الحكيم” عن جدهما الإمام “الحسن إبن علي”..! وقيادة لإرث جهادي كبير توارثه عن عمه “باقر الحكيم” عن أبيه “عبد العزيز الحكيم” وبذلك أدرك ” رجال المجلس الأعلى” بأن السيادة ما لا يمكن سلبه أياها، ووجدوا في القيادة ما يمكن الحصول عليه..!
لكن السؤال الذي لابد أن يطرح هنا، هل إن “الحكيم” أُستبعد عن رئاسة “المجلس الأعلى”..؟ أم أنه هو من وجد خروجه منفعة وضرورة لابد منها..؟ وعلى حد التسريبات وما تداولته وسائل الأعلام بالعلن أو السر، فأن “الحكيم” بالرغم من توافد بعض الرسائل إليه قبل إعلان انسحابه بساعات، إلا إنه كان عازما على الخروج..! وإعلان رئاسة أُخرى.
“الحكيم” رأى بنفسه ذلك الأنسان المعطي والمنتج أينما حل بوجوده..! ويرى عدم انسحابه سيتعارض مع مشروعه الوطني، وثوابت واساسيات يؤمن بها الطرف الثاني، ولا يحاول الاستغناء عنها..! وبذلك كان خروجه منفعة وريع نال استحسان الطرفين، خصوصا وأنه ليس لديه ما يخسره، فهو ليس حالة طبيعية كما تولد الاحزاب، بأن تحتاج الى تحشيد وصناعة الجماهير قبل الاعلان عنها، بل يرى جمهوره حاضر ومتوافد إليه قبل التفكير بالإعلان عن تأسيس تجمع او تيار او كتلة..!
“الحكيم” بخروجه من “المجلس الأعلى”، أعطى إتزان للمعادلة التي تقول: (أما أبقى ويرحلون ..! أو أرحل ويبقون )..! وإختياره لرحيله هو خطوة ما كان ليقدم عليها غيره، وكانت تلك الخطوة هي محاولة لبث الروح في جسد “المجلس الأعلى” لعله يتعافى من جديد، ليكون في الواجهة مرة اخرى،أما بالنسبة الى رحيله سيكون بالإيجاب من حيث هو، حيث انتقاله الى فضاء أوسع، يراه منسجم مع ما يطمح إليه تماشيا مع الحداثة والتطور في العمل السياسي، وما يؤمن به، للتخلص من بعض القيود، التي يراد منها الحفاظ على كلاسيكية العمل السياسي في “المجلس الاعلى