كبديل وحيد وفعال عن البر والتقوى -بنظرهم- راح سياسيونا يتعاونون فيما بينهم -وكذلك مع القاصي والداني- على الإثم والعدوان، وهم بنهجهم هذا يقصون الخير عن العراقيين ويجلبون المصائب والويلات لهم، وأضحوا يحثون السير جاهدين عامدين على خلق الأزمات واستحداثها، أكثر مما هي موجودة على أرض الواقع، وبذا هم ينحون منحى المثل؛ “جمّل الغركان غطه”..! وقد استقلوا -مجتمعين- موقعا حصينا يضمهم وحدهم، وانعزلوا عن المواطن باتخاذهم مكانا قصيا في مناطق خضراء وزرقاء وصفراء، مسورة ضد الوطنية ومدرعة ضد النزاهة والمصداقية في القول والفعل والنية على حد سواء. ولم يفتهم اتباع سياسة؛ “ذر الرماد في العيون” فهي ديدن المراوغين المبطنين خلاف مايبدون من نيات وغايات، والتي عادة ماتكون “خسيسة”.
ولم يفتهم أيضا الظهور بمظهر “حامي الحما” وأسد العرين، فراحوا يزأرون ملء أفواههم، بحجة الدفاع عن المواطن والسعي في خدمته، فبالنيابة عنه -وهم ممثلوه- باتوا يسنون قانونا ويلغون آخر، ويرجئون قرارات ويؤجلون قراءات، ويمارسون ضغوطا ويخففون أخرى، وما الى ذلك من ممارسات أفعوانية ماكرة، دونما خوف من رقيب او وازع من ضمير. وباتوا يتشبثون بمناصبهم ورواتبهم وامتيازاتهم السحتية، وفي الوقت ذاته هم متمادون بتهميش مصلحة المواطن، وإبعاد كل ما من شأنه توفير أبسط حقوقه في أمنه وأمانه، بزجه في أتون حرب مع وجوده وكيانه واستقراره على أرضه وأرض أجداده، وما النازحون من مساكنهم إلا شريحة من الشرائح التي تعاني القلق المعاش يوميا، إذ جميع العراقيين قلقون نازحون من اطمئنانهم واستتباب أمنهم، وهاربون من شظف العيش ومرارته باتجاه المجهول الذي يقودهم اليه ساسة البلد. وقد كان واقعهم هذا في الربع الأخير من القرن المنصرم بفعل شخص واحد وحزب واحد، إلا أنهم منذ عام 2003 تناسل ذاك الشخص وتكاثر بالانشطار والاستنساخ، وبالإرث والعقيدة والضغينة، وكذلك الحزب الواحد صار اثنين وثلاثة وعشرة.. وكل حزب بما لديهم فرحون.
اليوم حال العراقيين ينشد بيت القاضي أبي بكر ابن العربي القائل:
ولو كان سهما واحدا لاتقيته
ولكنه سهم وثانٍ وثالث
ولو ناظرنا بين السهام القاتلات الموجهة الى صدورنا، لتوصلنا الى حقيقة أن سهم داعش ليس الوحيد المتسبب في تدني أوضاعنا وضياع أراضينا وتهديد مستقبلنا، بل قد يكون هو السهم الأسهل معالجة من بين السهام الموجهة الى مقتلنا، فالسهم الأكثر خطورة والأبلغ تأثيرا والأشد وقعا هو السهم الموجه منا الينا..! فالأخير هذا تتضاعف خساراته وتتفاقم تداعياته سلبا، لأن الرامي “من حبال المضيف”، ولو شئنا رد رميته الى نحره ستكون حينها “العضة بالجلال”، وينطبق علينا إذاك قول الحارث بن وَعْلة الجرمي:
قومي هُمُ قتلوا أُمَيم أخي فإذا رميت يصيـبني سهمـي
فلئن عفوت لأَعفونْ جَللاً ولئن سـطوت لأُوهِنَنْ عظمي
فباستقراء مبسط للنكسات المخزية والمريعة منذ العاشر من حزيران عام 2014، يتضح لنا جليا أن المسبب الأول بوقوعها هم عراقيون “أولاد عراقيين”..!. فالموصل مثلا.. لم تكن لتنزلق بين براثن تنظيم متمثل بأجناس أنجاس من بقاع وأصقاع مترامية الأطراف لولا خذلانها من قبل العراقي “ابن العراقي” أثيل النجيفي وحثالة ممن يسمون أنفسهم قادة، وهم في حقيقة الأمر خونة باعوا شرفهم وغيرتهم وضميرهم وكرامتهم دفعة واحدة قبل بيعهم أراضي عراقية، فانضموا بفعلهم الدنيء هذا الى قائمة موديلات تعج بسياسيين يصح فيهم مثلنا: (من كل زيج رگعة)، والخشية كل الخشية في قادم الأيام، أن تطول القائمة فتأتي بموديلات جديدة وعجيبة، لينطبق عليها مثلنا: (من هالمال حمل جمال).
[email protected]