بعد ايام تمر علينا ذكرى اغتيال الشهيد الصدر (رض)، التي يهتم بها الملايين ممن ينتمي الى هذا الرمز الوطني. بل ان التيار الصدر، واقع تحت اهتمام المراقب الخارجي ايضا، لانه عامل مؤثر في المعادلة العراقية. وهنالك اسئلة حول كيفية نشوء هذا العنوان وتطوره الكمي او النوعي. وبالرغم من استهانة بول بريمر بالصدريين عام 2003، ووصفه لهم على انهم عشرات يقودهم شاب متهور، الا ان الاعلام الامريكي (سي ان ان) وصفت التيار او زعيمه بانه “صانع الملوك” في مقالة كتبها بيرلنجر بتاريخ 6 ايار 2016 وصف فيها قدرة الصدر واتباعه على اعادة انتاج دورهم في السياسة العراقية، والاستفادة من الاحتجاجات، على انه عامل مؤثر ساعدهم على البقاء على قيد الحياة والتفوق على منافسيهم خلال ال 13 سنة الماضية. كذلك ترسيخ فاعليتهم في العراق.
ويبدو ان استمرار الصدر واتباعه في الساحة امرا يثير الاهتمام. الا ان قضية تاسيس التيار قبل 2003، ليست اقل غموضا واثارة، بالنظر الى وجود سلطة ديكتاتورية، لا تسمح باتفاق ثلاثة اشخاص على فكرة معينة، باعتبار ذلك الاتفاق تمهيدا لتاسيس تنظيم معارض لصدام. اذن كيف استطاع الصدر المؤسس ان يقيم اجتماعا لتنظيمه في كل جمعة؟
وقد اكون من اقرب المتابعين الى تفاصيل تلك القضية، مقارنة مع المراقب الخارجي. لذا يمكن القول ان العلة الاساس في هذا، هي ان الشهيد الصدر قد اسس حراكا ثقافيا، ذا ديمومة عقائدية، ليس الا. ذلك، بالنظر الى استخدامه الخطاب اداة في مشروعه، بواسطة النشر الورقي اولا، ثم النشر المباشر (الشفوي) عبر خطب صلاة الجمعة. أي بعبارة اخرى، ان التاسيس لم يكتفي بالجانب العاطفي، فحسب، بل كثف البث الثقافي والنشاط الفكري، لرفع المحتوى النوعي للقواعد الشعبية، اي صناعة عقل جمعي يلتزم بمنظومة قيم ومفاهيم، جديدة، وغير تقليدية، لا تنفك عن مؤسسها، مع هيكلية مرنة قابلة للدفاع عن وجودها، وتطورها الكمي والنوعي.
او يمكن القول: ان مؤسس القواعد الصدرية، كان ناظرا الى التحديات المستقبلية والصعوبات التي سوف تواجه هذه القواعد الشعبية، واتخذ اجراءات موضوعية لشدها نحو مركزها، المتمثل بمنظومة الفكر الصدري، وما يلازمها او يلزمها من قيادة ميدانية.
اما عن موضوع السياسة، فالصدر لا يقصد السياسة بمعناها الشائع، حاليا، اي الوصول الى السلطة، او الحصول على مقاعد في البرلمان. فهل كان الشهيد الصدر يسعى الى مناصب في زمن الديكتاتور صدام. يبدو ان السياسة في المفهوم الصدري هي الاهتمام بالشان العام، وامكانية ادارته، بالمستوى المتاح، تحقيقا لاهداف عليا، ترتبط بالتخطيط الالهي لتربية البشرية. او بعبارة ابسط: تحقيقا للعدالة الاجتماعية ، لكونها تحافظ على الجنس البشري، وهو مادة المشروع الالهي. لذا تكون السياسة هي الاصل –او لها الاصالة- في الفهم الصدري للدين، وهذا ما يختلف فيه عن الاتجاه التقليدي، ليس الا. لان الاتجاه الاخر يرى ان الدين ذا بعد شخصي، لا يتعدى احراز الطهارة البدنية وانجاز الواجبات الطقوسية.
يضاف الى ذلك، امتياز الفكر الصدري، بالبعد الموضوعي. ولا يقصد به السلوك الواقعي فحسب، بل ابعد من ذلك، انه القدرة على فهم معطيات الواقع، وتحديد العوامل المؤثرة، واثرها المستقبلي. وقد يكون هذا الكلام مفاجئا لعدد من القراء، بسبب تاثير الدعاية المضادة. الا ان هذه الموضوعية في الفهم والاداء كان لها دورا مؤثرا في تاسيس ونمو العنوان الصدري بابعاده المعنوية والمادية.
ويمكن للقاري العزيز الاطلاع على الجزء الرابع من الموسوعة المهدوية للشهيد الصدر لكونها تفصل منظومة الفكر الصدري.