هل محض صدفة أن تعود عمليات الخطف والقتل في بغداد وسائر المدن الكبرى، وحتى في بعض البلدات الصغيرة، مع انطلاق عمليات تحرير الموصل، ثم تتصاعد مع احتدام المعارك ، ثم تنفلت هذه الأيام، بعد إنجاز مهمة التحرير؟
يعود الخطف والقتل الآن ليصبح ظاهرة يومية مثلما كان قبل سنوات. هذه المرة تختلط هويات المخطوفين والقتلى على نحو لا يترك مجالاً للشك في أن الأمر يتعدى كونه جرائم عادية، وأن ثمة هدفاً مركزياً لها في المجمل هو زعزعة الأمن وعرقلة استعادة الاستقرار اللازم للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المُستحقة في مرحلة ما بعد داعش.
ما كان لهذا أن يكون لو لم يكن هناك تهاون من الدولة ودوائرها ومؤسساتها المختلفة في فرض القانون .. من قانون المرور إلى قانون مكافحة المخدرات وسواهما.
ما كان لهذا أن يكون لولا التواكل في حظر حمل السلاح ومنع نشوء الجماعات المسلحة خارج الدولة، وفي فرض الانضباط على مَنْ قيل إنها صارت تتبع الدولة الآن من هذه الجماعات.
ما كان لهذا أن يكون لولا الانصراف عن مكافحة الفساد الإداري والمالي وفي ملاحقة الفاسدين المتمترسين في عمق الدولة وفي قلب أجهزة الأمن … لا تعيدوا علينا إسطوانة القضايا التي حكمت فيها محاكم النزاهة، فهذه جميعاً لا تمثّل أكثر من نقطة في بحر.. الفاسدون الكبار لم يمسّهم أحد، بل محظور حتى الاقتراب منهم ومن ملفات فسادهم الخطيرة.
المهمّ في الموضوع برمّته أن كل هذا الانتهاك للقانون وتحدّي الدولة والانفلات في ارتكاب الجريمة، تجري مع وجود نحو مليون عنصر في الاجهزة المعهودة إليها مهام حفظ النظام والأمن .. الشرطة بصنوفها المختلفة وقيادات العمليات وأجهزة الأمن الوطني والمخابرات والاستخبارات… ما الذي تفعله حشود هذه الأجهزة إن لم تستطع وقف عمليات الخطف والقتل المنفلتة، أو في الأقل الحدّ منها تدريجياً؟
والسؤال الأهم لماذا توجد هذه الأجهزة ما دامت لا تقوم بواجباتها في أدنى حدوده ومستوياته؟
والسؤال الأكثر أهمية : هل تلزمنا كل هذه الاجهزة بكل تكاليفها المالية فيما الأمن غير مستتب والنظام غير محفوظ؟
ظاهرة الخطف والقتل تجاوزت كثيراً جداً الخط الأحمر .. رئيس الوزراء والقيادات الأمنية مطالبة على نحو ملحّ للغاية بدراسة الأمر دراسة جادّة ووضع المعالجات الصحيحة ، بما في ذلك إعادة هيكلة هذه الأجهزة وتغيير قياداتها.
حفظ الأمن الداخلي بأهمية محاربة الإرهاب، والإرهاب سيكون متمكناً منّا مع انهيار الأمن الداخلي.