يشكك الكثير من العراقيين بأي جهدٍ اجتماعي يصدر عن أي جهة سياسية او ثقافية او دينية نتيجة انعدام ثقتهم بجميع القوى السياسية والأحزاب المتنفذة المشاركة في حكومتهم بعد فشل الأخيرة في إدارة البلاد وتخبطها في قيادة الدولة ، وازاء هذه النظرة فان الكثير من الجهود التي تُبذل من شخصيات نزيهة تابعة لأحزاب مشاركة في العملية السياسية تذهب ادراج الرياح دون ان تُحدث تاثيرا في المجتمع او تنال شيئا من المديح والثناء فهي تصطدم بالتشكيك في النوايا وتتحول الى كارثة على صاحبها بدوافع فطرية غير مقصودة احيانا سوى للثأر من ذلك السياسي المتهم بالتقصير بحق ابناء شعبه ولن يرضوا عنه وان فعل خيرا .
وربما يكون الهجوم على هذه الشخصية التي تصنع خيرا بدوافع من جهات اخرى تسعى لافشال نشاطات الاخرين ممن يمثلون منافسا لها في الساحة الاجتماعية والسياسية ، والضحية في ذلك دوما هو المواطن الذي يحرم من الاستفادة من هذه الاعمال بحجة انها لغايات انتخابية فيسعى لرفضها وعم التفاعل معها بل ويذهب لتسقيط القائمين عليها ودعوة الاخرين الى عدم التعاطي معها .
واعتقد ان انصاف الاخرين من انفسنا بشكل حقيقي يتطلب منا التروي في قراءة تصرفاتهم وعدم التسرع في الحكم على النوايا التي لا يعلمها الى الله جل وعلا والتعامل مع ما يصدر وما يقال دون النظر الى الجهة التي صدر عنها ذلك التصرف وهو قمة الانسانية والانصاف والورع في ظل مجتمع ناقم يتعامل وفق ردات الفعل نتيجة ما تلقاه من ويلات ومعاناة من الاحزاب المتنفذة ، غير ان ذلك لا يمنع من تسليط الاضواء على الجهود الخيرة التي تسعى لخدمة الناس والثناء عليها ما دامت تصب في خدمتهم لكي لا نندم بعد حين على تفريطنا في دعم القائمين على كل جهد انساني يسعى لتخيف المعاناة عن شرائح المجتمع المختلفة فالامام علي بن ابي طالب “ع ” يدعونا للتفاعل مع كل الايجابيات والتعاطي مع كل قول حقيقي دون النظر الى قائله حيث يقول ” لا تنظر إلى من قال ، وانظر إلى ما قال … ”
ومن الاعمال التي شكك بها الكثيرون وحاربوها بل وسعوا لاجهاضها والوقوف ضدها مشروعي ” الحسين بسمة تلميذ ” و” الحسن فرحة يتيم ” الذين جاءا تلبية لدعوة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي للمؤسسات التابعة له في اهمية توفير المناهج الدراسية لطلبة المدارس بعد تقصير وزارة التربية وعجزها عن توفيرها للطلبة ، بالاضافة الى ضرورة الاهتمام بالايتام وقضاء حوائجهم في ذكرى ولادة الامام الحسن “ع ” وتم بالفعل طباعة عشرات الالاف من الكتب في عموم مناطق المحافظة وتوزيعها على الطلبة فضلا عن توزيع المساعدات العينية وكسوة العيد للالاف من الايتام .
الا ان هذا الفعل لم يرق للكثيرين كما يبدو وظنوا من خلال نظرتهم الضيقة ان هذا المشاريع تنفذ بنوايا سياسية او انتخابية وان الغرض منها هو حصاد الاصوات وهو ما يخالف الواقع تماما وقد سعوا عبر التشكيك في النوايا تارة او اعتبار هذه المشاريع خطوة في التعتيم على فشل الحكومة والدفاع عن الفساد الذي تسبب في عدم توفير المناهج الدراسية تارة اخرى , على الرغم من تحميل المرجع اليعقوبي الجهات المعنية المسؤولية كاملة حيث قال ” ولا توجد حركة جديّة لعلاج هذه المشكلة على نحو شامل نتيجة السياسة العبثية للجهات المسؤولة وعدم التصرف بحكمة ومسؤولية وفي بلدٍ أصيبت مؤسسات الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد فيه بالشلل بسبب المحاباة والصفقات والمحاصصات ” .
ولان المرجع اليعقوبي شخصية تعيش هموم الناس وتشاركهم معاناتهم لم يفضل الاكتفاء بتوجيه النقد فقط الذي لن ينفع الفقراء والمعوزين فسارع بخطوة عملية تنم عن احساسٍ عالٍ بالمسؤولية فبادر بتوجيه المؤسسات التابعة له بالعمل على توفير الكتب المدرسية لطلبة المدارس فقد قال ” ولا يسعنا أن نقف مكتوفين والحال هذه فأوعزنا الى المؤسسات الدينية والإنسانية والاجتماعية بأن تقوم بطبع واستنساخ الكتب الدراسية وشراء المتوفر منها وتوزيعها على الطلبة مجاناً، كما أدعو – ونحن نحيي الزيارة الأربعينية المباركة- المؤمنين الموالين الذين يبذلون الغالي والنفيس لإحياء الشعائر الحسينية العظيمة أن يوفروا الأموال الزائدة التي تفيض عما تتطلبه خدمة الزوار بحيث يدخل بعض المصروف في باب الإسراف والتبذير، لينفقوا هذه الأموال في شراء وطبع الكتب الدراسية ويوزعوها مجاناً على الطلبة لتكون لهم صدقة جارية ونصرة راقية لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ويدخلون السرور على قلبه الشريف ” .
والغريب ان من كانوا في الامس يعتبرون القيام بهذه المشاريع تعتيم على فساد وزارة التربية وعدم مطالبتها باخذ دورها نراهم اليوم يقومون بحملة واسعة وكبيرة لصيانة المدارس ودوائر الدولة وغيرها من الاعمال الخدمية التي نشجع عليها وندعمها ونعتقد بصحتها ولكننا نتساءل أليس ذلك من اعمال الوزارات المختصة فلما يقومون بها بدلا عنها ؟! فهل يحق لنا الان ان نتهم القائمين عليها بتغطية فساد الوزارات وتقصيرها في صيانة الدوائر التابعة لها ؟ كلا والف كلا فلسنا ممن ينتقدون كل جهد يسعى لخدمة الناس ويعمل على التخفيف من معاناتهم وحسبنا اننا نخشى بان نكون مصداقا للمتعصب الذي يعصبه الله بعصابة من نار يوم القيامة فالتعصب في مفهومنا ما اشار اليه ائمتنا سلام الله عليهم وحذروا منه بان نرى شرار قومنا خير من خيار غيرهم .