19 ديسمبر، 2024 12:55 ص

مجلس حسيني – الإمام الصادق (ع) دوره وجهاده

مجلس حسيني – الإمام الصادق (ع) دوره وجهاده

هم النور نور الله جل جلاله‏ …………………. هم التين و الزيتون و الشفع و الوتر

مهابط وحي الله خزان علمه‏ ………………………….ميامين في أبياتهم نزل الذكر

و أسمائهم مكتوبة في عرشه‏ ……………………… مكنونة من قبل أن يخلق الذر

لولاهم لم يخلق الله آدما ……………………….و لا كان زيد في الأنام و لا عمرو

و لا سطحت أرض و لا رفعت سما ……………..و لا طلعت شمس و لا أشرق البدر

لولاهم نار الخليل لما غدت‏ …………………….سلاما و بردا و انطفى ذلك الجمر

هم سر موسى و العصا لما عصى …………………أوامره فرعون و التقف السحر

سرى سرهم في الكائنات و فضلهم‏ ……………………وفي كل نبي من سرهم سر

عاش الإمام جعفر الصادق {ع} في مرحلة تعتبر من أدق المراحل التاريخية الإسلامية في جوانبها السياسية والفكرية والاجتماعية.. فقد عاش من الناحية السياسية والاجتماعية مرحلةً مملوءة بمحاولات سياسية لتبديل الحكم وما يرافقه من أساليب , حاولت بعض الأطراف الاستفادة من إمكانيات الإمام لمصالحها الذاتية , ولكن الإمام فوت الفرصة على الجميع .. حيث كان معروفا ان قمة الصراع واختلافها بين لدولتين الأموية والعباسية وهذا الاختلاف كان حسّاساً وخطيراً في التاريخ الإسلامي، بصورة عامة ولا زالت تداعياته باقية إلى الآن …{ هنا ملاحظة مهمة } ..

المعروف ان كتاب التاريخ يهاجمون عادة الثورات التي تدر على الكتاب والمؤرخين مالا ورواتب وعطايا , الا كتاب التاريخ لم يذكروا سيئات بني أمية , ولم يعترض عليهم العباسيون , والسبب لان عوامل بقاء الأمويين تحقق من خلال إبعاد دور الأئمة من أبناء علي {ع} كذلك العباسيون , بذلوا جهدا في إبعادهم من الحياة السياسية , هنا برز دور الإمام الصادق من خلال دروسه وجامعته .

ولد الإمام سنة 83 هجرية .. وسقوط الدولة الأموية كان سنة 132 هـ ..عاصر الإمام الدولتين لمدة طويلة: « مع جده السجاد اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه الباقر بعد جده تسع عشرة سنة وبعد أبيه أيام إمامته34 أربعاً وثلاثين سنة، وكان في أيام إمامته ملك هشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، وآخرون ..إلى ان وصلت لمروان الحمار، ثم صارت الشعارات للأحزاب والبيوتات فاتخذوا شعارهم اللون الأسود وأسقطت الكوفة بدون مقاومة لكثرة ما كان المجتمع يكره الاموين …

ومهما يكن من أمر فلابد من التوقف عند الحالة السياسية والاجتماعية لتلك المرحلة التي عايشها صادق أهل البيت عليهم السّلام قبل الانتقال لمعرفة الحالة الفكرية والجهادية للإمام الصادق {ع} ..

الحالة السياسية العامة:== تحولت الخلافة الأموية إلى مُلْك عضوض بعيد عن الإسلام وأحكامه منذ العهد المبكر لمعاوية . بلغ من أمر حكام تلك الدولة أن حوّلوا « الخلافة » من موقع يقود الأمة الإسلامية إلى الله، إلى موقع يقود الأمة إلى خدمة مصالحهم وسلطانهم بكل الوسائل غير الشرعية، من قتل ونهب وسبي وظلم وترف واستبداد، وذلك تحت ظلال الشعارات الإسلامية الكبيرة! حتّى أضحى القتل سُنّة، وأضحى التلاعب بالأموال العامة حق من حقوقهم, فاقم الأمر في السنوات الأخيرة للحكم الأموي بالتحديد بعد وفاة هشام بن عبد الملك واستيلاء الوليد على الخلافة ثم مقتله، وما حدث من فتن.

**** اهتز أركان الحكم الأموي وتخلخلت الدولة بكل كيانها ..حتّى حُكْم آخر ملوكهم « مروان الحمار » وانتصار الحركة العباسية عليهم في خراسان والعراق.. وحين سقطت إيران والكوفة والعراق سقطت الشام بدون مقاومة لتنطوي صفحة من أسوء صفحات العار في التاريخ الإسلامي . ..

**** هناك تحركات لها علاقة بموقف الإمام الصادق {ع} وهو تحرك العباسيين بعد مؤتمر الابواء. بعد انتهاء المؤتمر قرر إبراهيم الإمام الغدر بالمؤتمرين .. فنشط بالتأمر ليواصل عمله السياسي فأصدر قرارات خطيرة منها:وأول مؤامرة قام بها كتب إلى جماعته المسلحة في الكوفة وخراسان:أني قد أمّرت أبا مسلم الخراساني فأطيعوه , قبل سقوط الدولة الأموية بأربع سنين ( 128 هـ ) وكان أبو مسلم لا يتجاوز عمره 19 سنة كان فاتكاً غادراً لا يعرف الرحمة في قلبه ,ماهراً في حياكة الدسائس.

فأقدم على إعدام جميع من عارض اختياره لقيادة . ثم جاءت التعليمات من إبراهيم الإمام له قبل الثورة يا عبد الرحمن إنك منّا أهل البيت فأحفظ وصيتي ، انظر إلى أهل اليمن فأكرمهم ، فإن الأمر لا يتم إلاّ بهم ، اما ربيعه فاتهمهم وحاربهم (ربيعة الكوفة اغلبهم من الشيعة ) واقتل من شككت في أمره وإن شئت أن لا تدع بخراسان من يتكلم العربية فافعل ، وأي غلام بلغ خمسة أشبار فاقتله بهذه الوصية جاءت دولة العباسيين .. فابتدأ قيادته بقتل الناس بالتهمة,وكل من يشكك به ولا ترتاح له نفسه ..

فدخل الناس في الإسلام خوفا منه , ويقال ان اغلب المجوس اسلموا على يديه , ليس اعتقادا بدين هذا الخراساني ولكن خوفا من سيفه .. لأنه كان يتمتع بصفات تؤهّله لهذا الموقع، وكان من صفاته انه لا يفرح ولم يُر ضاحكاً ولا مازحاً حتى في حال انتصاراته .. تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الحوادث الفادحة فلا يُرى مكتئباً. وعندما سئل إبراهيم الإمام عن أهلية أبي مسلم قال : إني قد جرّبت هذا الاصبهاني ، وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته اصلب من حَجَر الأرض .. لذا نجد دهاقين المجوس اندفعوا إلى إتباعه وأظهروا الإسلام على يديه، واستجاب لدعوته عدد كبير من الآراء الخارجة عن الإسلام ، ذلك للظلم والجور الذي لحق بهم من الأمويين وما شاهدوه من العطف من أبي مسلم الخراساني ، ولذا كان الكثير منهم يعتبرونه هو الإمام ، واعتقدوا أنه أحد أبناء زرادشت الذي ينتظر المجوس ظهوره ، حتى أنهم لم يعتقدوا بموت أبي مسلم بل كانوا ينتظرون رجعته ..

بعد أن تقلّد المنصب كقائد عام للعسكر توجّه لخراسان ليقود الجماهير التي تنتظر الأوامر منه وكانت متحمّسة قبل هذا الحين للحرب مع الأمويين فتحرك ضد السلطة الأموية في إيران أولا , وفجّر الثورة هناك، وقد نجح في مهمّته ، وخاف الناس على أنفسهم ومالهم فارتدوا جميعا ملابس سوداء شعارات العباسيين خوفا من سطوة الجيش العباسي وباشر أبو مسلم إبادة الأبرياء فقتل ـ فيما ينقل المؤرخون ستمائة ألف عربي بالسيف صبراً عدا من قتل في الحرب ..

وتقدّمت جيوش أبي مسلم ـ بعد أن هزمت الأمويين في خراسانـ نحو العراق بالرايات السود فاحتلّت العراق بدون مقاومة , وأعلن الحكم العباسي على يد أبي مسلم الخراساني في الكوفة سنة ( 132 هـ ) . الجدير بالذكر أنه قبل أن يدخل أبو مسلم الخراساني الكوفة حدث هناك أمران ينبغي الالتفات اليهما :

** الأمر الأول : في سنة ( 131 هـ ) بعد إعلان أبي مسلم الخراساني الثورة في خراسان وقبل دخوله الكوفة اُلقي القبض على إبراهيم الإمام ـ الرأس المدبّر للثورة ـ من قبل الخليفة الأموي مروان وحبسه في حرّان ثم قتله بعد ذلك في نفس التاريخ وبهذا الحدث تعرضت الحركة العباسية لانتكاسة كبرى .

*** الأمر الثاني : خاف ألسفاح والمنصور وجماعة فهربوا للكوفة لوجود قاعدة لصالح العباسيين فيها وعلى رأسهم أبو سلمة الخلاّل ,كان يُعرف بوزير آل محمد (ص) فأخلى لهم داراً وتكتّم على أمرهم .

شعر ابو سلمة الخلال ان هناك تغيرات كثيرة ظهرت عن مؤتمر الابواء وان العباسيين ابعدوا القادة الحقيقيين عن قيادة الدولة , وهم آل علي{ع} فأرسل رسالة إلى الإمام الصادق يدعوه الإسراع إلى الكوفة لاستلام الحكم , وربما ينوي قتل السفاح والمنصور اللذين يسكنان في بيته ..

ما هو موقف الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) من الخلافة العباسية ؟

موقف الإمام الصادق ( ع) من الخلافة العباسية لم يكن مؤيداً على الإطلاق ، بل كان معارضا لمعرفته بأهداف بني العباس و نواياهم السلطوية و الدنيوية المخالفة للدين الإسلامي .

لكنه بالمقابل لم يكن مُحارباً لهم أيضاً لأنه يرى المواجهة العسكرية خطئاً كبيراً وخسارة عظيمة على المصلحة الإسلامية عامة ، و على الشيعة خاصة ، حيث أنه كان ينظر إلى المستقبل السياسي بكل وضوح و شفافية ، لذلك رفض التعاون مع أبو سلمه الخلال عندما عرض عليه قيادة الدولة , كان يعلم بأن أبو سلمة لم يعرض هذا الأمر عليه إلا لتعزيز قوته و لإضفاء الشرعية على حركته السياسية لضمان الوصول إلى السلطة تحت مظلة الإمام الصادق ( ع) ، حيث أن أبو سلمة لم يكن يريد إقامة دولة إسلامية تُطبِّق حكم الله كما يراها الإمام ( ع) الدليل على موقف الإمام ( ع) من كتاب أبي سلمة و قوله : ” مالي و لأبي سلمة و هو شيعة لغيري ” !

و لم يكن ولاء أبي سلمه خالصاً للإمام ( ع) ، و يشهد على ذلك كتابه الى عبد الله المحض ، و عمر الأشرف ، و تعليماته لرسوله الذي كلَّفه بتسليم الكتب بترتيب خاص .لمّا عرف أبو سلمة الخلال أحوال بني العباس كتب إلى ثلاثة من أعيانهم و شخصياتهم و رموزهم الدينية و السياسية و هم :

1. الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) .

2. عبد اللّه المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن طالب ( عليه السَّلام ) .

3. عمر الأشرف بن الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السَّلام ) .

و أرسل الكتب مع رجل من مواليه و قال له :اقصد أولاً جعفر بن محمد الصادق{لآع} فإن أجاب فأبطِل الكتابين الآخرين ، و إن لم يجب فالق عبد اللّه المحض ، فإن أجاب فأبطل كتاب عمر ، و إن لم يجب فالق عمر . فذهب الرسول إلى الإمام الصادق ( ع) أولاً ، و دفع إليه كتاب أبي سلمة . فحرقه , فسأله الرسول ماذا سأقول .؟ قال قل له ما رايت .. ثم قال له : ” مالي و لأبي سلمه و هو شيعة لغيري ” !

فقال الرسول : ألا تجيبه ؟قال : ” قد رأيت الجواب ” .ثم مضى الرسول إلى عبد اللّه المحض ، و دفع إليه الكتاب ، فقرأه و قَبِلَهُ و ركب في الحال إلى الصادق ( ع) و قال : هذا كتاب أبي سلمه يدعوني فيه إلى الخلافة ، قد وصل إليّ على يد بعض شيعتنا من أهل خراسان .فقال الصادق ( ع) : ” و متى صار أهل خراسان شيعتك ؟ أ أنت وجهت إليه أبا مسلم ؟ هل تعرف أحداً منهم باسمه ؟ فكيف يكونون شيعتك و أنت لا تعرفهم و هم لا يعرفونك ” ؟!فقال عبد اللّه : هذا الكلام منك لشيء في نفسك .

فقال الصادق ( ع ) : ” قد علم اللّه أني اُوجب النُصح لنفسي ولكلّ مسلم ، فكيف أدخره عنك ! فلا تُمَنِّ نفسك بالأباطيل ، فإنّ هذه الدولة ستتم لهؤلاء وجاءني مثل الذي جاءك ” فكان الإمام {ع} يعرف نوايا العباسيين ونوايا أبي سلمه الخلال ..وهو ما حصل بالفعل ..

**** بدايات الانحراف عن طريق تلاقح الأفكار بالترجمة ……

لو سلطنا الضوء على موضوع الترجمة التي حرفت القوانين الاجتماعية والسياسية بالإسلام لوجدنا إنها مؤامرة كبرى وقعت على الأمة الإسلامية .. متى بدأت الكتابة في تاريخ العرب ..؟

حاول كثير من الكتاب العرب أن يحددوا أصولها، وأول اللغة العربية نفسها إلا أنهم لم يصلوا إلى نتيجة . ومن هؤلاء ابن النديم مؤلف كتاب الفهرست ، وابن خلدون صاحب المقدمة ، وابن عبد ربه مؤلف العقد الفريد ، وغيرهم.غير أن أغلب هؤلاء قد كتبوا عن الحروف العربية، فذهبوا أن الحروف، واللغة العربية، كلها مما علّمه الله تعالى آدم مع ما علمه من لغات أخرى. وانتهت اللغة العربية إلى إسماعيل وهو أبو العرب المستعربة التي كانت منها قريش، وهو أول من تكلم بالعربية ونقلها عنه بنوه.

انتشر هذا الاعتقاد بين العامة والخاصة من العرب. ولكنا نجد عددًا من الكُتاب يرفضون أن تكون اللغة قد تعلمها آدم بحروفها وصورها. وعلى رأس هؤلاء ابن خلدون الذي ذكر في مقدمته أن الخط صناعة من الصنائع، لجأ إليها الإنسان لحاجته لها. وقد استخدمتها كل شعوب الأرض عندما عرفت العمران.

**** اما العرب … للعرب صلات بالشام واليمن بسبب التجارة ,لهذا انقسم الناس قسمين حين حددوا أصل الحرف العربي: قسم يرى الحرف العربي مشتق من حيرة العراق ، وقسم يرى الحرف مأخوذ من حمير اليمن واغلب الكتاب قالوا أصل الحرف والكتابة من العراق جاءت عن طريق السريان .

وانتشرت بعد ذلك في بلاد الحجاز ومصر والشام. أما الجماعة الثانية، التي ترى أن منشأ العربية كان في اليمن فأشهرهم ابن خلدون الذي يرى أن الخط قد انتقل من اليمن إلى الحيرة، ومن الحيرة إلى الطائف وقريش. أمام هذا التضارب بحث عدد من العلماء العرب، وغيرهم ولجئوا إلى النقوش القديمة، والمخطوطات، فتوصل الكثيرون منهم بأن الخط النبطي هو أصل الخط العربي،..ْ أَهْلِ النَّبَطِ : قَوْمٌ كَانُوا يَسْكُنُونَ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَالأُرْدُنِ ،المحافظات الغربية الآن .. كَانَتْ لِدَوْلَتِهِمْ حَضَارَةٌ ، عَاصِمَتُهَا الْبَتْرَاءُ وَتُطْلَقُ الآنَ كَلِمَةُ أَنْبَاطٍ عَلَى أَخْلاَطِ النَّاسِ وَعَوَامِّهِمْ …

على الرغم من اتّضاح ملامح الحروف العربية، إلا أنها لم تتخذ شكلاً واحدًا في كل الأمصار العربية. فقد عرف العرب أنواعًا كثيرة من الخطوط التي يتّخذ الحرف في كل خط منها شكلاً مُغايرًا. فمن هذه الخطوط الخط الأنباري والمكّي، والخط المدني، والكوفي، والبصري. كل نوع يُنسب إلى بلد معين،

*******انتشار الترجمة في زمن المأمون

استغل المأمون الوضع فابتدع بدعة ، حين أمر بترجمة الكتب القديمة ، فأصبحت طريقة إدارة الدولة ، تعتمد أساسا على القواعد غير الإسلامية ، فأنشأ في خراسان ونيسابور وغيرها من المناطق دورا للترجمة ، واخذ يصرف عليها الأموال الطائلة…قام بهذا العمل لأحد سببين .

السبب الأول : إن المأمون العباسي وجد الأفكار الثورية قد انتشرت في الأمة الإسلامية فلا بد من الاعتماد على خلفية فكرية معينة يحارب بها تلك الأفكار الثورية . هذه الخلفية شكلتها الأفكار التي تحملها الكتب المترجمة خصوصا من اللغة الفارسية .بالديانات المجوسية …لو رجعنا إلى فارس لرأينا ان هناك مجموعة من الملوك كانوا يسيطرون على رقاب الناس وهؤلاء المستعبدين المحرومين ، لم تكن عندهم أفكار ثورية إنما كانوا مشبعين بأفكار استسلامية ، كان يضعها مجموعة من الكتّاب الذين يصرف عليهم الإمبراطور ، الأموال الضخمة ليكتبوا كتبا يدعمون بها سلطانه .

اطلّع المأمون على تلك الأفكار في خراسان لما عاش فيها واتصل ببقايا ممالك فارس ، ووجد في تلك الأفكار خير عامل على تثبيت سلطانه .

السبب الثاني : ظهر في البلاد الإسلامية حركات علمانية ، نتيجة الخيبة التي مُني بها من دخل الإسلام أتباع الديانات الأخرى ،كانوا ينشدون العدالة الاجتماعية والحرية السياسية والرحمة .

فإذا بهم رأوا ان الإسلام انهم مجموعة من الانتهازيين “بنو امية وبنو العباس” ، فاندفعوا راجعين إلى دياناتهم السابقة ، او إلى معتقدات جديدة بديلة عن الإسلام… مع ان العباسيين أتبعوا بحق أصحاب تلك الأفكار بالقتل , بالمقابل كانوا بحاجة إلى أفكار يحكمون بها غير الأفكار الإسلامية , ولا يمكن ان يذهبوا الى مدرسة اهل البيت {ع}حرم الخلفاء الاستماع لأفكارهم .. ، لذلك عمدوا إلى تشجيع حركة الترجمة .

النظام العباسي هو الذي دفع الناس الى التمرد ضد الإسلام بسبب استخدام الاسلام كوسيلة لسلطته فالمأمون العباسي كالخلفاء الذين من قبله ، حينما رأى تلك الحركات ، استعان بالفكر الغربي والشرقي لإعادة التوازن داخل الفكر الإسلامي وتطعيم الأفكار بأفكار أرسطو وأفلاطون..، وظهرت أنظمة ترتدي لباس الإسلام تستورد الخمور ثم تعاقب من يشربه ، او تقطع يد السارق مع إنها هي التي تدفعه الى السرقة بسبب سياستها الاقتصادية السيئة .. ذلك يعني إنهم شجعوا الأمة الإسلامية على الانحراف .

******ـــــــــــــــــــــــ كيف تأسست المذاهب الأربعة .. وما دور العباسيين في المذاهب الأربعة..؟

اهتمت الحكومات الإسلامية المتعاقبة في الإسلام على إبعاد أهل البيت {ع} ابتداء من السقيفة الى يومنا هذا .. واوجدوا بديلا لهم سواء في ولاية السلطة والأمور الشرعية والفقهية .. فكانت الدولة الأموية لا تسمع رأياً ولا رواية عن الإمام علي {ع} . واهتمت بعدها الدولة العباسية بالفقه المخالف لآل البيت لان انتشار مذهب آل البيت يضعف الحكومة ويقوي منافسيهم على منصب الخلافة . فصار الخليفة هو من يعين المذهب ويرعى الفقيه بالرواتب والمنح والعطاء ..فأصبح إسلام المذاهب والفقهاء تابعا للدولة .. وهذا ابتدأ في العراق وتحديدا في بغداد . لذا جاء الإمام الصادق واختار العراق ..

*** وأول مذهب يطالعنا هو مذهب الإمام أبي حنيفة ،هو من أوائل الدين بايعوا لأبي العباس السفاح من الفقهاء ، لكن أبا حنيفة سرعان ما عرف انحراف العباسيين وشراءهم الضمائر فابتعد عنهم ورفض تولي القضاء للمنصور العباسي فكلما ازدادوا إلحاحاً عليه ازداد ابتعاداً ورفضاً لتولي القضاء ، وصل الأمر إلى سجنه ومات مسموماً على أيدي العباسيين .

حين مات أبو حنيفة لم يكن هناك مذهب رسمي غيره .. فعمدت السلطات بعده احتواء اثنين من أكبر تلامذته ، هما : أبو يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن الشيباني اللذان نسبا كل رأي منهم إلى أبي حنيفة .وانضما إلى السلطة أيام المهدي العباسي سنة 158 وظل على ولائه أيام الهادي والرشيد ! وقد ذكر المؤرخون سبب أنصال أبي يوسف بالرشيد .. في تاريخ الخلفاء للسيوطى يقول: لما أفضت الخلافة إلي الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري أبيه المهدي ، فراودها عن نفسها فقالت: لا أصلح لك ، إن أباك قد طاف بي , ولكنه شغف بها ، فأرسل لأبي يوسف ليسأله : أعندك حل في هذا فقال : يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق ؟ لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة .ويقول الراوي متعجبا ” فلم أدر ممن أعجب !! من هذا الذي وضع على رأس السلطة بيده دماء المسلمين وأموالهم لا يتحرج عن حرمة أبيه ، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عنه ، أو من هذا فقيه الأرض وقاضيها ..! يقولون احد القادة حنث في يمين ، فطلب فقيهاً يستفتيه فيها ، فجيء بأبي يوسف ، فأفتاه أنه لم يحنث ، فوهب له دنانير وأخذ له داراً بالقرب منه واتصل به .

هذا حال التدوين عند أصحاب أبي حنيفة والمسائل التي سار عليها طائفة كبيرة من المسلمين . وبذلك اتضح دور السلطة في انتشار مذهب أو التعتيم على آخر ، وأن مهنة القضاء وتوجه الحكام إلى البعض من العلماء كان له الدور الأكبر في تعرف الناس على ذلك المذهب أو الفقيه…

**** مذهب الإمام مالك :.. بعد يأس المنصور من احتواء الإمام أبي حنيفة ، توجه إلى الإمام مالك ليكتب له (الموطأ) ، وقال له : انه سيحمل الناس على ذلك ، ويجعل العلم علماً واحداً ! وبعد وفاة المنصور تمكن المهدي العباسي من احتواءهم ، إذ أناط إلى أبي يوسف مهنة القضاء ..نقل عن الإمام مالك انه قال للمنصور : « لو لم يرك الله أهلاً لذلك ما قدر لك ملك أمر الاُمّة ، وأزال عنهم الملك من بعد نبيهم ولقرب هذا الأمر إلى أهل بيته .وأعانك على ما استرعاك » .واتخاذ هذا الموقف من قبل مالك لمصالح الحكام جعل أستاذه ربيعة الرأي يبتعد عنه ويكرهه ، لأنه كان لا يداهن السلطان ولا يرتضي التعامل معهم ، فلذلك هجر الناس ـ تبعاً للحكومة ـ ربيعة الرأي ، والتفوا حول مالك .

وجاء عن المنصور انه قال لمالك : « يا عبد الله ، ضع هذا العلم ودونه ، وتجنب فيه شواذ عبد الله بن مسعود ورخص ابن عباس واقصد إلى أوسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة ، لنحمل الناس على علمك وكتبك ونبثها في الأمصار ، ونعهد إليهم ألاّ يخالفوها ولا يقضوا بسواها » .

فاستجاب مالك لطلب المنصور ، وألف (الموطأ) مع علمه بأن أهل العراق لا يستجيون لما كتبه ، لكن المنصور طمأنه بأنه سيحملهم عليها بالقوة والسلطان ! ! فصار (الموطأ) دستور الحكومة ، وأول كتاب دون في الحديث للدولة العباسية . وأمر الرشيد عامله على المدينة بأن لا يقطع أمراً دون مالك ، واشتهر عن الرشيد أنه كان يجلس على الأرض أمامه لاستماع حديثه . قال ابن حزم : مذهبان انتشر في مبدأ أمرهما بالرياسة والسلطان ، مذهب أبي حنيفة ، فإنه لما ولي أبو يوسف القضاء كان لا يولي قاضياً إلاّ من أصحابه والمنتسبين إلى مذهبه ، والثاني مذهب مالك . . فلاحظ كيف صار فقه رسول الله يدون من قبل الحكام الذين لا يهمهم إلاّ الحكم ! ! وطمأن مالك المنصور بأن الفقه سيبقى في أيديهم وليس لأهل البيت نصيب فيه ….

كان يقول له : يا أمير المؤمنين ، هذا الصقع فقد كفيتك يعني بغداد ، وأما الشام ففيه الرجل الذي علمته يعني الأوزاعي وأما أهل العراق فهم أهل العراق, جملة (وأما الشام ففيه الرجل الذي علمته) تعني عداءهُ لأهل البيت ، وأنها هي المطلوبة ، وقد عرف عن المنصور أنه كان يعظمه ويراسله لما عرف عنه من الانحراف عن آل محمد . هذا بالنسبة إلى المذاهب الحكومية ، أما مذهب أهل البيت فلم يكن يُسمح بتداوله ، بل إن أتباع هذا المذهب ، بممارساتهم الطقوس الدينية والعبادات الشرعية ، يعرفون أنم من المخالفين لنظام السلطة . **** *****مذهب الإمام الشافعي :… الإمام الشافعي ، ارتبط بالفقه المالكي وحفظ الموطأ منذ صباه ، واتصل بوالي مكة ليدخله على مالك ، فلما وصل إلى المدينة وقدم إلى واليها الكتاب ، قال الوالي : إن المشي ، من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً أهون عليَّ من المشي إلى باب مالك ، فلست أرى الذل حتى أقف على بابه . يبدو من هذا الكلام أن الشافعي أراد الاتصال بمالك بعد سطوع نجمه وارتقاء محله عند العباسيين ، حتى أن والي المدينة يشعر بالذلة والتصاغر أمام مالك والوقوف ببابه !

وقد طالت تلمذه الشافعي على يد مالك ما يقارب تسع سنين ، ثم إن الشافعي أملق أشد الإملاق بعد موت مالك فرجع إلى مكة ، وصادف ذلك أن قدم إلى الحجاز والي اليمن ، فكلمه بعض القرشيين ، فأخذه الوالي معه ، وأعطاه عملاً من أعماله ، وهي ولاية نجران .

ثم وشي به عند الرشيد بتهمة كونه ذا ميول علوية ويحاول الخروج على الحكم ، فأرسلوه إلى بغداد مكبلاً بالحديد ، فتبرأ من تهمة انخراطه مع العلويين ، وأكد إخلاصه للسلطة وشهد له صديقه محمد بن الحسن الشيباني ـ الذي كان قد تعرف عليه عندما كان يدرس عند مالك ثلاث سنين ، ـ بأنه ثقة ومن أتباع الدولة ، فخلى سبيله . وبعد هذا توطدت علاقته وصلاته بالشيباني ، فأخذ يدرس عليه آراء أبي حنيفة في الرأي والقياس . إذن فالشافعي أخذ من مدرستين من ابي يوسف ومن مالك .. فكان نتاجه مدرسة جديدة أشاعها في مصر بعدما عاد إليها من بغداد عام 199 هـ …

وأنه بدأ في تقوية بناء مدرسته ، فهاجم مالكاً لتركه الأحاديث الصحيحة لقول واحد من الصحابة أو التابعين أو لرأي نفسه ، وهاجم أبا حنيفة وأصحابه لأنهم يشترطون في الحديث أن يكون مشهوراً ويقدمون القياس على خبر الآحاد وإن صح سنده ، وأنكر عليهم تركهم بعض الأخبار لأنها غير مشهورة وعملهم بأحاديث لم تصح لأنها مشهورة ، فاستاء منه المالكيون وأخذوا يبتعدون عنه ، لأنه أخذ يغير آراءه القديمة التي كان يقول بها سابقاً والتي كانت موافقة لرأي مالك في الغالب ـ ويرسم مكانها رأيه الجديد المتخذ على ضوء القياس والرأي . ولما استقر مذهبه الجديد شغب عليه بعض عوام أصحاب مالك فقتلوه. وقد وردت طعون على الشافعي كعدم نقل البخاري ومسلم حديثاً عنه في صحاحهم ،

وعلى هذا يحتمل أن يكون عدم تحديث البخاري ومسلم ، وغيرها من الطعون المذكورة فيه ، إنما جاءت لقوله : إن علي بن أبي طالب هو الإمام الحق في عصره ، وأن معاوية وأصحابه كانوا الفئة الباغية . وقد اتخذ الشافعي في كتاب السير من فقهه سنة علي (ع) في معاملة البغاة ، وإظهاره حب آل محمد رغم وقوف الحكام في طريق ذلك ، وقد اشتهر عنه قوله :إن كان رفضاً حب آل محمد * فليشهد الثقلان اني رافضي ..هذه المواقف كانت لا ترضي الحكام ، وهي التي أوجدت نسبة تلك الطعون وأمثالها فيه .

***** مذهب الإمام أحمد بن حنبل :…

ولد الإمام أحمد بن حنبل في عهد المهديّ سنة 164 هـ ، ونشأ ببغداد وتربّي بها ، واتّجه إلى طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، أخذ عن الشافعيّ واتّصل به ، ولازمه مدّة إقامته في بغداد . وكان أوّل تلقيه العلم على القاضي أبي يوسف ، وصرّح أحمد بأنّه كان أوّل من كتب عنه الحديث ، إلاّ أنّه لم يبق طويلاً معه ، وانصرف إلى فقه الأثر الذي كان يمثّله هشيم بن بشير الواسطيّ ، ولازمه إلى أن توفي هشيم سنة 183 . ثم أخذ عن كثير من المحدّثين ، وأخذ على نفسه أن يلتزم مدرسة الأثر ويخالف مدرسة الرأي والقياس ، فقرأ على محدّث البصرة عبد الرحمن بن مهدي الموطّأ لمالك أربع مرّات ، وكان معجباً بالشافعيّ ، وتصدّر للتحديث في مسجد الخيف سنة 198 ، وقيل : إنّه ما أفتى ولا درّس حتّى بلغ سنّ الأربعين في سنة 204 هـ ! ! … وقد أيّد العبّاسين منذ صباه ، فروى فيهم حديثين انفرد بهما ، يبشر فيهما بظهور أبي العبّاس السفّاح والدولة العبّاسيّة وشعارها السواد، وكان يقول : (إنّ العبّاس أبو الخلفاء) وثبت على ولائه رغم ما أصابه من محنة خلق القرآن وضربه بالسياط . وقد استفتاه جماعة في الخروج على الواثق فرفض ذلك وأقرّ خلافته بقوله : (إنّ الخارج عليه شاقّ لعصا المسلمين ومخالف للآثار عن رسول الله) . ويعزى تحرّجه عن أخذ أموال بني العبّاس لكونها مغصوبة ، لا خدشة في مشروعيّة خلافتهم وكان يرى عليّاً رابع الخلفاء الراشدين ، في الوقت نفسه لم يلتزم أن يكون معاوية باغياً على الإمام عليّ ـ كما ذهب إليه الشافعيّ .

والجدير ذكره أنّ الإمام أحمد لم يشتهر كباقي أصحاب المذاهب ، ويرجع البعض سبب ذلك إلى أنّه كان محدّثاً ولم يكن فقيهاً ، حتّى قيل إنّ شهرته كانت بسبب عدم قوله بخلق القرآن وقد قال بها بعدما ضرب ثمانية وثلاثين سوطاً أيّام المعتصم . ولمّا تولّى الواثق أعاد امتحان أحمد ، لكنّه لم يصبه بأذى ، واكتفى بمنعه من الاجتماع بالناس ، فأقام أحمد مختفياً لايخرج إلى الصلاة ولا إلى غيرها حتّى مات الواثق .

وتولّى المتوكّل الخلافة سنة 232 هـ واشتدّت وطأته على العلويين ، وعرف ببغضه لأهل البيت ، وطرد المعتزلة من حاشيته ، ونكلّ بابن أبي دواد ومحمّد ابن عبد الملك الزيّات وصادر أموالهم ، وأخذ يقرّب أصحاب الحديث ويأمر المحدّثين أن يجلسوا للناس ويتحدّثوا إليهم ، وأعطاهم الأموال والمكانة ، حتّى أنّ ابن كثير نقل أنّ تولية يحيى بن أكثم كانت بمشورة الإمام أحمد بن حنبل ، وفي نص آخر انّ المتوكّل قال : له يا أحمد انيّ أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجّة فأظهرني على السنّة والجماعة ، وما كتبته عن أصحابك عمّا كتبوه عن التابعين ممّا كتبوه عن أصحاب رسول الله . وقد وشى بعضهم بأحمد عند المتوكّل بأنّه يشتم آباءه ويرميهم بالزندقة ، فأمر المتوكّل بضرب ذلك الرجل الواشي ، وعندما سئل عن ذلك قال : (لأنّه قذف هذا الشيخ الرجل الصالح أحمد بن حنبل) .

واستمع المتوكّل إلى أقوال الجواسيس بأنّ أحمد يؤوي أحد العلويين الهاربين من المتوكّل ، فأمر بكبس داره وتفتيشها ، فلمّا تحقّقوا من كذب ذلك عفا عنه المتوكّل . وكان المتوكّل يصله بصلات سنيّة ، ويعطف عليه ، وعيّن له في كلّ شهر أربعة ألاف درهم ، وطلبه إلى سامراء ليتبرّك برؤياه ، وينتفع بعلمه ،فقبل ذلك روي عنه أنّه قال : ما أرى الرافضة على الإسلام فقد كسب عطف المتوكّل حتّى قيل : إنّ بعض أمراء المتوكلّ قالوا له : إنّه لا يأكل لك طعاماً ولا يشرب لك شراباً ولا يجلس على فراشك ويحرّم ما تشربه . فقال المتوكّل لهم : والله لو نشر المعتصم وكلّمني في أحمد ما قبلت منه.

بعد عرضنا السريع لنشوء المذاهب الأربعة ، نستطيع أن نفهم وبكّل وضوح أنّ روايات الوضوء المرويّة في هذه الكتب هي نسخ متكرّرة من الوضوء العثمانيّ والفقه المخالف لما ذهب إليه عليّ بن أبي طالب وابن عبّاس . لأنّ الفقه والرواية ـ كما قلنا ـ نشأ وترعرعا في أحضان الحكومتين الأمويّة والعبّاسيّة ، وقد وقفت على دورهم التخريبيّ في الشريعة واحتوائهم بالفقهاء وبعض التابعين ، لإبعاد الناس عن الأخذ بفقه عليّ ، إذا إنّهم كانوا يتصوّرون أنّ الأخذ بفقه عليّ هو مقدّمة لإبعادهم عن الحكم وتقرّب الناس إلى أهل بيت النبوّة ، وهذا ما كان يزعج الحكّام ولا يرضيهم ، فتراهم يؤكّدون على الأخذ بكلام ابن عمر وإن خالف عليّاً وابن عبّاس .

**** الإمام الصادق(ع) ودوره في نشر الفكر الإسلامي

لما خلقت مرحلة سقوط الحكومة الأموية فراغاً سياسياً تمكن علماء الشيعة والإصلاح من استثمار واستغلال الفترة ، أشبه بالفرصة الذهبية للإمام (ع) لاستلام الأمر وقيادة الأمة الإسلامية، هذه الحركة استغلت عظمة الإسلام، عظمة هذا الاتجاه، وتجمع المسلمون حول هذا الاتجاه، ولم يكن هؤلاء مسلمين شيعة، أكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة، لكن كانوا يعرفون أن الاتجاه الصالح، الاتجاه الحقيقي، الاتجاه الصلب العنيف كان يمثله علي بن أبي طالب (ع)، والواعون من أصحابه وأبناء علي (ع). ولهذا كثير من أبناء العامة، ومن أئمة العامة، من أكابر أصحاب الأمام الصادق (ع) كانوا ناساً عامين يعني كانوا أناساً سنة، ولم يكونوا شيعة. كانوا يعملون على خطين، بناء المسلمين الصالحين، وخط يكون مثل أعلى لهؤلاء المسلمين، بقطع النظر عن كونهم شيعة أو سنة.

وكان الإمام (ع) شديد الولوع بولده البكر إسماعيل (ع) وكثيرالأشفاق عليه ، ولذا كان قوم من الشيعة يظنون انه الإمام بعد أبيه، ولكن إسماعبل توفي في حياة والده (ع) وقد حزن عليه الإمام كثيراً ، ثم إنه (ع) ودفعاً للشبهه عن الناس ، ومنعاً للإلتباس أوألأحتمال الظن بإمامة إسماعيل (ع) أوبقائه على الحياة كشف الإمام الصادق (ع) عن وجه أسماعيل مرات عديده بعد وفاته ، وأشهد ثلاثين من صحابه على موته فشهدوا بذلك ثم أمر (ع) بغسله وتجهيزه وحمله إلى قبره في البقيع من المدينة المنورة ، ووضعه في لحده وأهال التراب عليه ودفنه ، واستشهد أصحابه على دفنه أيضاً من رؤساء قومه ، فشهدو كلهم على موته ودفنه ، ومع ذلك كله لما استشهد الإمام الصادق (ع) بقي فريق من الناس يقولون بإمامة اسماعيل مدعين حياته . وقال فريق منهم وهم اكثر عدداً بإمامة أبنه محمد بن إسماعيل ، وذهبوا إلى أن الإمامة في ولده إلى أخر الزمان ، وكلا الطرفين من الطائفة المعروفة بأسم الإسماعيلية ، واما بقية الشيعة القائلين بإمامة إسماعيل ، فقد رجعوا إلى الحق وقالوا بإمامة الإمام موسى الكاظم (ع) بعد استشهاد أبيه الصادق (ع) .وكان إسماعيل (رض) رجلاً تقياً عالماً باراً مطيعاً لأبيه ، بخلاف أخيه عبدالله الذي كان بعده ، والذي يعرف بلقب الأفطح …

ولقد تفاقم الأمر في السنوات الأخيرة للحكم الأموي وبالتحديد بعد وفاة هشام بن عبدالملك واستيلاء الوليد على الخلافة ثم مقتله، وما حدث من فتن واضطرابات واهتزاز لأركان الحكم الأموي وبالتحديد بعد موت هشام بن عبدالملك واستيلاء الوليد على الخلافة واهتزاز أركان الحكم الأموي وحبل بني مروان حتّى حُكْم آخر ملوكهم ; مروان الحمار ; وانتصار الحركة العباسية عليهم في خراسان والعراق 11. ه .

وفي خضم انتفاضات العلويين والزيديين والقرامطة والزنج وسواهم من طالبي السلطة .. الى جانب ذلك ظهرت الزنادقة والملاحدة في مكّة والمدينة، وانتشرت فرق الصوفية في البلاد، وتوزّع الناس بين أشاعرة ومعتزلة وقدرية وجبرية وخوارج…ركّز الإمام (ع) في حركته على تمتين وتقوية الأصول والجذور الفكرية والعلمية مع أخذ دوره الرسالي كمعصوم من ال بيت النبوّة.

وقد تسرّبت التفسيرات والتأويلات المنحرفة إلى علوم القران الكريم وطالت مباحث التوحيد والصفات والنبوة وحقيقة الوحي والقضاء والقدر والجبر والاختيار.. ولم تسلم السنة النبوية بدورها من التحريف ووضع الأحاديث المكذوبة والمنسوبة إلى نبي الإسلام .. وكان الامام الصّادق (ع) منصرفاً عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء المقاومة بناءً علميّاً وفكريّاً وسلوكيّاً يحمل روح الثورة، ويتضمّن بذورها ، لتنمو بعيدة عن الأنظار وتولد قويّة راسخة .

******وبهذه الطريقـة راح يربِّي العلماء والدُّعاة وجماهير الأمة على مقاطعة الحكّام الظّلمة ، ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي ، والتفقّه في أحكام الشريعة ومفاهيمها ، ويثبِّت لهم المعالم والأسس الشرعية الواضحة ، كقوله; مَن عَذَرَ ظالِماً ، بظلمهِ سَلّطَ اللهُ عليهِ مَن يظلِمُهُ ، فإنْ دعا لم يُستَجَبْ لهُ فأعطى الفكر الشيعي زخماً خوّله الصمود أمام التيارات الفكرية المختلفة يومنا هذا، ولذلك يسمى المذهب الشيعي الفقهي بالمذهب الجعفري.

رأى الإمام الصادق (ع) المصلحة أنّه يفتح باب العلم والمعرفة الدينية على مصراعيه لمن يريد أن ينهل منهما، حرصاً منه على شيوع الفكر الإسلامي الأصيل، ومنعاً وعلاجاً للانحراف الذي لحقه بني أمية، والعباسيون فهب المسلمون يدفعهم العطش الفكري والفراغ المعرفي لأنّ يشدوا الرحال من حدب وصوب إلى حيث يتواجد الإمام الصادق (ع)، فتوافد عليه طلاب العلم من أمكان مختلفة قريبة وبعيدة، حتى غصّت بهم مدرسة الإمام الصادق (ع) –

**** من اهم منجزاته ان جعل العلم الإسلامي بعيدا عن سيطرة الحاكم , وان لا يستغل الحاكم العلماء .. فتخلصوا منه بقتله , لان هذا الموقف خطر على مستقبل حكوماتهم ..فعمد المنصور الى وسيلة دنيئة لقتل الامام الصادق(ع) فبعث الى والي المدينة المنورة ان يدس السم الى الامام جعفر {ع} بقي أمامنا يومين يعاني الام السم الى ان حضرته الوفاة في الخامس و العشرين من شهر شوال من سنة 148 , حضره ولده الامام موسى {ع} مما أوصاه قال : يا بني اسرج ضياءا بمكان جسدي بعد ان تدفنني فان الروح اذا فارقت الجسد عادت إلى مكانه فإذا رأته مظلما استوحشت , ثم قضى الإمام جعفر الصادق{ع} نحبه مسموما مظلوما ودفن الى جنب ابيه الإمام محمد بن علي الباقر{ع} في بقيع المدينة , وكان يوم وفاته يوما مشهودا في المدينة حيث ضج الناس بالبكاء والنحيب , ولما أخرجت جنازة الإمام جعفر الصادق عليه السلام استقبله الشعراء والناس كافة …