قرأت في موقع لأحد الإعلاميين البارزين منشورا جاء فيه ( كل سياسي فاسد وراءه إعلامي فاسد .. عليكم بالإعلاميين الفاسدين فهم أُس البلاء ) ، ومن يطلع على هذا المنشور يعتقد بان العلاقة بين السياسي الفاسد والإعلامي الفاسد هي علاقة تقاسم ، والمشكلة إن هناك من ينظر للتقاسم بطريقة مغلوطة إلى حد كبير حيث توحي للبعض على إنها علاقة القسمة المتساوية أي على 2 بمعنى إن لكل منهما نصف باعتبارها حصة متساوية في مغانم الفساد ، والحقيقة ليست كذلك لان كلمة التقاسم مشتقة من القسمة وقد يكون ( المقام ) أو المقسوم عليه 2 أو 10 أو ألف أو مليون أو أي عدد لأنها كمية غير محددة بنظرية أو قاعدة أو قانون ، سيما حين يتعلق الموضوع بالفساد فما يحكمها هو مدى قدرة القوي على فرض شروطه واملاءاته على الضعيف ، وإذا كان الموضوع يتعلق بالسياسي والإعلامي فان السياسي غالبا ما يكون المتحكم في العديد من الأمور لان السياسي غالبا ما يكون له حلم أو مشروع أو تكون له عقد واحقاد ويحتاج إلى أدوات للتنفيذ وقد يلجأ للإعلامي لغرض تمرير مشروعه ، ووجه الاختلاف إن المشروع عندما يحظى بالمقبولية والاعتدال وعدم معارضته للقوانين السماوية والوضعية وفيه منفعة أكيدة للجمهور يكون البحث عن أدواته يسيرا وغير مكلف وقد يكون العكس صحيحا في اغلب الأحيان ، كما إن للموضوع علاقة بالموقع القانوني والمالي والاعتباري للسياسي فهناك فئات ممن يستطيعون خلق أكثر من ميزة للإعلامي وجذبه بمختلف الإغراءات وجعله يقدم تنازلات ليحظى بثقة ومقبولية السياسي ليكون من رعاياه ولكنهم لا يعطونه النصف في معظم الأحوال ، فالنظرة للإعلامي الفاسد تبقى متدنية حتى من قبل الفاسدين لان الصفة الطبيعية أن يكون نزيها ومترفعا عن الملذات والفساد ، ولعل هذا ما يفسر عدم حصول بعض الإعلاميين الفاسدين على مقاعد تعويضية في الانتخابات الماضية ( وهذا التعميم ليست له علاقة بأسماء محددة ) .
وقد يعترض البعض ويعد ما ذكرناه استهانة ببعض الإعلاميين لأنهم أصحاب رسالات ولا يقدمون تنازلات في أحلك الظروف ، ونقول للمعترضين إننا لم نقصد المهنيين ولم نعني الفئة الوطنية والمضحية التي يكن لها الجميع كل الاحترام سيما أولئك الملتزمون فعليا بلوائح السلوك المهني التي تعمل عليها نقابة الصحفيين العراقيين أو غيرها من المؤسسات المرموقة ، ولكننا نقصد من اتخذ الإعلام وسيلة لجني الامتيازات والأموال غير المشروعة والمزايدة على حقوق الفقراء وبسطاء الناس والذين لهم أجندات معينة ولا يميزون بين الأبيض والأسود ممن يزيلون الحدود التي تفصل بين الحرام والحلال ، والبعض من هؤلاء ضحايا ولهم نوايا طيبة و يقعون تحت وطأة العوز والفقر كما إن هناك من لم يكتسبوا خبرات كافية للتمييز كالمتخرجين من أقسام الإعلام الجامعي التي باتت تنتشر في اغلب الجامعات الحكومية والأهلية وتخضع إلى معايير معينة في القبول ويتخرج منها المئات بدرجة البكالوريوس كل عام قي حين إن البعض الآخر دخلاء وبعيدون عن المهنة إلى حد كبير ، كما إن هناك بعض الإعلاميين الذين تعرضوا إلى البطالة المفاجئة بعد الأزمة المالية التي مر بها العراق بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وتطبيق سياسات التقشف داخل البلاد ، والتي تسببت في تجفيف مصادر تمويل الصحف والقنوات الفضائية التي كانت تعتمد على الإعلانات واللجان الاقتصادية للأحزاب التي تستقطع جزاءا من إيرادات السيطرة على المشاريع لصالح الإعلام لكي يمتلكون أبواقا هنا وهناك ، وقد يكون من المقصودين الإعلاميين الذين لا يعملون تحت ضوء الشمس فتجدهم في دول الجوار وأوروبا وغيرها ولا يجرؤون على التواجد علنا في بغداد وهم يديرون برامج حوارية غاية في ( الجرأة ) والخلو من ( الخطوط الحمراء ) لان النار التي تصيب البلد هم بمنأى عنها وهم من نسوا أو تناسوا حر الصيف في حزيران وتموز وآب بعد أن تعودوا على أجواء الخارج و كهربائه التي لا تنقطع قط ، وبعضهم (وطنيون ) يدعون لخروج التظاهرات ولم يشاركوا فيها يوما لأنهم يقضون معظم أوقاتهم لانتقاء ما يناسبهم من الملابس والماكياج وقبض الدولار بمتعة الإعداد أو التقديم أو الإخراج .
وتتحمل الدولة وأجهزتها جزءا مهما من المأساة التي يعيشها بعض الإعلاميين بعد الرضوخ لقرارات السفير بول بريمر الذي ألغى وزارة الأعلام وسمح بفتح وسائل الإعلام لكل من هب ودب ، فالوزارة وتشكيلاتها تم حلها وتم تسريح مئات العاملين من المهنيين بإحالتهم إلى التقاعد أو نقلهم لوزارات أخرى أو استمرار دفع رواتب لهم تقل عن اجر الكفاف ، وتم السماح بفتح وسائل الإعلام بدون ضوابط وضمانات تكفل الحد الأدنى من حقوق العاملين وراحت تلك الوسائل تحدد سياساتها في التشغيل والتسريح وتحديد العناوين والأجور على مزاجها ، وبعضهم ليست لديهم أية نتاجات أو إسهامات أو تاريخ في الإعلام وان وجدت فهي أما مهداة أو مباعة من الغير أو بأسماء مستعارة ، وحالة عدم الاستقرار وفقدان الأمل اضطرت البعض للوقوف تحت مظلات السياسيين الفاسدين للاحتماء بهم عند الضرورات ، وكانت وزارة الثقافة أول من وجهت طعنة للإعلاميين عندما قلصت المنحة السنوية المخصصة للإعلاميين ثم ألغتها لفتح أبواب العداوة بين الإعلاميين والحكومة أو لغاية أخرى في قلب يعقوب ، إذ ليس من المعقول لن تكون تلك المبالغ الرمزية الني هي بحدود 80 ألف دينار شهريا أسرع ضحايا التقشف في العراق ، ولا نستطيع الجزم بان هذا الإجراء كان البذرة لاصطفاف الإعلاميين إلى جانب السياسيين الفاشلين والسياسيين ، لان هناك العديد من الإعلاميين الذين يقفون وقفة شموخ بوجه الفساد والفاسدين ولم يعطوا تنازلات قط وهم كانوا من المشمولين بتلك المكرمات ، ودليلنا بذلك إن قوافل ضحايا وشهداء الإعلام لم تتوقف يوما وهناك العديد من الأصوات الشريفة والأقلام النزيهة للإعلاميين لا تزال تصدح بوجه الفساد فهم كنخيل العراق لا ينحنون لغير الله ، ولكن الفساد ( أرعن ) ومحمي ولا تهمه تلك الأصوات والجمهور يعلم علم اليقين إن التشهير بالفساد لم يتوقف يوما ولكن الفاسدون تناولوا جرعات مقوية تمنع سقوطهم إلى حد الانهيار والانتهاء ، ونقول لمن يناصر الفاشلون والفاسدون من السياسيين والفاشلين وغيرهم ، ويطبل ويزمر لهم ظلما وعدوانا إن العبرة ليس بالجلوس على الموائد وتناول الفتات لأنكم خسرتم الرجولة والفروسية ، وقد خسئتم مرتين على الأقل مرة في السكوت عن الفساد ومرة في العيش بإذلال ودون كرامة بنشر الباطل على حساب معيشة وكرامة وشرف وحقوق الآخرين .