إرتبطت تسمية ولاية الفقية بالنظام الإيراني الحالي. فعندما حدثت الثورة على شاه إيران في عام 1979 اشتركت فيها كل المعارضة الأيرانية بضمنهم أتباع الخميني. والمعروف أن تصريحات الخميني قبل نجاح الثورة بشأن نوع الحكم القادم كانت تناقض تماما تصريحاته بعد نجاح الثورة. وبعد أن إستتب الأمر للخميني بدأ بتصفية رفاق الثورة حتى خلت الساحة من المعارضة الفاعلة، ثم أبعد حتى الأسلاميين الذين وقفوا معه لينفرد بعدها بالحكم. ولكي يُثـَبِت الخميني حكمه وسيطرته والتأكد إن ما يقوله هو الكلام الفصل وبمثابة دستور، خرج بنظرية ولاية الفقيه. قبل هذا كان علماء الشيعة يؤمنون بنظرية الأنتظار أي إنتظار ظهور المهدي قبل إعلان الحكم والدولة التي يقودها المهدي. ولكن الخميني إعتبر نفسه نائباً عن المهدي وولياً واجب الطاعة في كل شيء، وبما أن الفكر الشيعي يعتبر المهدي المنتظر من الأئمة المعصومين فأن النائب حسب نظرية الخميني معصوم بالأستعاضة ولا يجوز مخالفة أوامره سواء بأمور الدين أو الدنيا أو السياسة. ولكن بعض علماء الشيعة الحاليين يقولون أنهم لا يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه الخمينية أو قل أنهم لا يصرحون بذلك ومنهم السيد السيستاني. الا أن واقع الحال يقول غير ذلك فبعد سقوط النظام العراقي السابق ومجيء الأحزاب الدينية الشيعية وفرض الحاكم الأميركي بول بريمر التصنيف الطائفي والعرقي لحكم العراق، كان سياسيو هذه الأحزاب يستقوون بالسيد السيستاني، بل أنهم لا يقررون شيئاً حتى يوافق السيستاني عليه، حتى أصبح طريق بغداد النجف كطريق باب الشرقي – العلاوي. وفرضت هذه الأحزاب فقرة ملغمة في الدستور وهي المادة الثانية أولاً- (أ): لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. وهو كلام حق أُريد به باطل. ولم تحدد ماهية ثوابت أحكام الأسلام علماً بأن بعض المذاهب تختلف حتى بتفسير نصوص أحكام القرآن أو السنة، ولا أريد التطرق أكثر من ذلك في هذا المقال. وكان السيستاني قد تدخل في السياسة عن طريق وكلاءه ففرض على عموم أتباعه التصويت لهذه الأحزاب حصراً وليس لغيرها من باب الحفاظ على المذهب. وأشاع وكلاء السيستاني بين أوساط العراقيين البسطاء بأن من لم يصوت لهذه الأحزاب فهو خارج عن الملة بفتوى السيستاني وتحرم علية زوجته ومصيره النار. وطبعاً لم يترك السيستاني أثراً لفتوى مكتوبة بهذا الشأن لأمر في نفس يعقوب. وبعد أن سيطرت الأحزاب الدينية الشيعية على مقاليد الحكم بدعم من السيستاني وإيران والأميركان خفف السيستاني ووكلاءه من التطرق بالعلن لأمور السياسة، ويقال أنه امتنع عن استقبال الساسة ولكنه أكيد لم يقطع خيط الوصل بل إحتفظ بقناة للتواصل مع الأحزاب التابعة للمرجعية.
عادت مؤخراً الأحزاب الدينية للأستقواء بمراجع الدين حين ناقش البرلمان مشروع المحكمة الأتحادية وهي محكمة يفترض أنها تختص بتفسير نصوص الدستور فقط. فاقترح الحزب الحاكم عدد أعضاء المحكمة بسبعة عشر عضوا، هم تسعة قضاة وأربعة فقهاء قانون ومثلهم فقهاء شريعة (الفقيه). ولا نعرف لماذا تستقطع كل هذه الرواتب الضخمة والحمايات والسيارات والمنازل المجانية و و و من ميزانية الفقراء لسبعة عشر عضو برتبة وكيل وزارة بالأضافة الى مكتب وسكرتيرات لكل واحد، فقط ليجتمعوا مرة واحدة في السنة عندما يطلب منهم أحد الأحزاب تفسير مادة دستورية. لقد فرض التحالف الوطني في مشروع قانون المحكمة الأتحادية فقرة حق النقض من قبل أي من فقهاء الشريعة على قرارات هذه المحكمة أي باستطاعة صوت واحد نقض أصوات ستة عشر عضو. واعترضت القائمة العراقية والتحالف الكردستاني على هذا المبدأ ولم يتوصلوا لحد الآن على صيغة توافقية. ونعتقد أن الأحزاب المرتبطة بالمرجعية الدينية سوف لا تتنازل عن مسألة حق النقض الا بضغط شديد لأن حق النقض هذا سيكون طوق النجاة لهم كلما ضاقت بهم الأمور. وهكذا فإن العراق بعد عشر سنوات من التغيير يسير نحو ولاية الفقيه بتشريع من البرلمان ولو بطريقة مختلفة عن ولاية الفقيه الإيرانية ولكن النتيجة هي واحدة.
وقد يقول قائل ممكن أن يكون لفقهاء الشريعة حق النقض على الأمور التي تتعلق بالشريعة الأسلامية فقط وفقهاء القانون لهم حق النقض على القوانين المدنية. ونقول متى كان فقهاء الشريعة الحاليين يميزون بين السياسة والدين أو بين الشريعة والقانون أو بين الدولة المدنية والدولة الدينية، وتجربة العشر سنوات تثبت ذلك. إذا كانت الأحزاب الدينية قد استغلت المحكمة الحالية لنقض حتى طلب البرلمان بالأستجواب مثل استجواب وزير التعليم التابع لحزب الدعوة واعتبار الأستجواب غير دستوري (هكذا كيفما يشاؤا) أو لتفسير الكتلة الأكبر بعد انتخابات 2010 فأن التدخل بقرارات المحكمة الأتحادية المقترحة ستكون أكثر فاعلية بحكم القانون المقترح. فلنفرض أن أحد الأحزاب الدينية إقترح قانوناً لفصل الجنسين في الجامعات والوزارات ودوائر الدولة وحافلات النقل أو فرض االحجاب على النساء واللحى على الرجال وحُوّلت هذه المشروعات الى البرلمان للتصويت وكان التصويت في البرلمان ضدها بالأغلبية، ستتقدم هذه الأحزاب بالشكوى الى المحكمة الأتحادية لنقض التصويت وإعتباره مخالف للدستور حسب فقرة النقض أو ولاية الفقيه. ولنفرض أن مجموعة من النواب المستقلين اقترحوا مشروع قانون لحرية التعبير، وصوت البرلمان لصالحه فأن الأحزاب الدينية سوف تشتكي لدى المحكمة الأتحادية ليستخدم الفقية حق النقض للقانون واعتباره مخالف لثوابت أحكام الأسلام. وهكذا فكل شيء في العراق سيصبح خاضعا لسيطرة فقهاء الشريعة المرتبطين بالمرجعية. وبهذا سيدخل العراق في نفق مظلم لا يتم فيه تشريع أي قانون الا بموافقة الفقيه. وسوف تكون الفقرة (ب) من المادة الثانية من الدستور بأن لا يُسن قانون يتعارض مع مبادىء الديمقراطية حبرا على ورق نتيجة لنقض رجال الدين .. وباي باي ديمقراطية.
فعلى الساسة من خارج التحالف الذي يصر على حق النقض الأنتباه الى لعبة التحالف، لعبة ولاية الفقيه، قبل فوات الأوان وعدم الموافقة على حق النقض حتى لو تأخر إقرار قانون المحكمة، بل جعل التصويت في المحكمة الأتحادية يتبع مبادىء الديمقراطية بالتصويت بالأكثرية كما هو الحال في البرلمان وإلا فسيؤكلون أو يحاكمون واحداً بعد الآخر بنفس القانون الذي شرعوه هم.