في زمن الفقر والجهل والضلالة والظلام لم يكن التخرج من الدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية والجامعات مهمة صعبة المنال لمن يحظى بفرصة الدراسة ، ولا يعني ذلك إن نسب الرسوب كانت معدومة أو منخفضة ولكنها في حدود تقل عن النسب والمؤشرات التي تعلن اليوم في نهاية كل عام دراسي ، ورغم إن الدراسة في القرن الماضي تعتريها العديد من الصعوبات البالغة من حيث عدم قدرة اغلب العوائل على أن يكون كل الأبناء تلاميذ وضعف البنى التحتية والمسافة التي تربط المدرسة بالبيت وانعدام الطرق ووسائل النقل والاتصالات ، إلا إن الانتقال من مرحلة إلى أخرى تتم بنجاح في اغلب الأحيان حتى وان تخلل الموضوع بعض الصعوبات ، فالطالب في المتوسطة أو الإعدادية قد تكون له مشكلات مع مادة محددة كالانكليزي أو الرياضيات أو الكيمياء أو غيرها من المواد ولكنها ليست مستعصية وان كان بعضها يؤدي إلى الفصل للرسوب بعامين ، وكانت إدارات المدارس والتربية على قرب من الطلبة فتعمل على إزالة العديد من الصعوبات من خلال فتح الدورات في العطل الصيفية والاستعداد المبكر للعام الدراسي التالي من خلال معاهد التربية والتقوية لقاء مبالغ أشبه بالرمزية وايلاء طلبة الصفوف المنتهية الاهتمام المطلوب كتعويض العطل في أيام الجمع أو مد الدوام لساعة أو ساعتين يوميا ، والاتصال بذوي الطالب من خلال الإدارات أو مجالس الآباء والمعلمين لغرض التعاون لحل بعض المشكلات والسعي لاحتضان ورعاية الطلبة الضعفاء والأذكياء لضمان الجدية ، وما يشكل فرقا بين مدارس اليوم والأمس هو تحول المعلم إلى ( موظف ) متناسيا جزءا من دوره الوطني والمهني وليس ضعف دافعية الانجاز لدى بعض الطلبة فحسب .
لقد أقلقتنا بالفعل إلاحصاءات التي نشرتها الأجهزة المعنية في وزارة التربية حول نتائج الامتحانات للدور الأول للعام الدراسي الحالي حيث يظهر من خلالها إن نسب النجاح في عموم العراق قد بلغت 47% ، وبشكل اضطر معالي وزير التربية بإصدار قرارا يقضي باعتبار الراسبين ب 3 مواد مكملين والسماح لهم بأداء الامتحانات في الدور الثاني أملا في رفع نسب النجاح ولا نعلم لماذا لم تمتد مكرمته لتشمل الرسوب بغض النظر عن عدد الدروس ، حتى وان كان ذلك لقاء مبالغ بسيطة تغطي نفقات الامتحان كالقرطاسية وأجور التصحيح باعتبار إن الطالب الذي دخل البكالوريا منتقى لان الدخول إليها يتم بشروط ، أما نسب النجاح في الدراسة الإعدادية فإنها ليست أفضل حالا من مثيلاتها في الدراسة المتوسطة فخلال السنوات الماضية سجلت معدلات منخفضة حيث لم تصل أحيانا إلى 50% رغم مشاركة الطلبة بثلاثة ادوار في الامتحانات ، والغريب في الموضوع إن هناك نسبة من الطلبة يحصلون على معدلات تزيد عن 95% في امتحانات الدراسة الإعدادية / الفرع العلمي في ويتنافسون على مقاعد المجموعة الطبية للجامعات ، في حين إن النسبة الأكبر من الناجحين تكون معدلاتهم 70% فما دون مما يجعل خيارتهم في التقديم للدراسات الجامعية تنحصر في تخصصات ليس لها مكان في أسواق العمل فيبقون كعاطلين لسنين أو اغتنام أية فرصة للعمل في القطاع الخاص بأي محتوى حتى وان كان عتال أو سائق كيا أو موظف خدمة لتاجر أمي ، وبوجود الكليات الأهلية فان العديد من الفرص الدراسية تهدر في التعليم الجامعي الحكومي لان البديل لذوي الدخول الجيدة هو الالتحاق بالكليات الأهلية ولتخصصات مرموقة وبمعدلات غير عالية لان التنافس فيها محدود لأبناء الميسورين في حين إن التنافس في الجامعات الحكومية لعموم الطلبة والمفاضلة تتم على أساس المعدل أو مجموع الدرجات .
ولو تمت مراجعة موضوعية وحيادية لأسباب التراجع في القطاع التربوي ومسوغات تدني المستويات التربوية والعلمية لبعض الطلبة بحيث إن الأخطاء الإملائية تنتشر بين طلبة صفوف الإعدادية واقتصار الثقافة على ما يتلقاه الطالب من دروس ، لوجدنا بان كل ما يحصل هو انعكاس للأوضاع التي يعيشها البلد منذ عقود فالأبنية المدرسية تعاني الإهمال وغالبا ما تكون من ضحايا الفساد واغلب الصفوف نعاتي الاكتظاظ والمناهج الدراسية لا تواكب التطور العلمي السائد في العالم وطباعة الكتب تشوبها شبهات الفساد ، وتقنيات وطرائق التدريس في تراجع للوراء ودافعية المعلم منخفضة لأنه يستلم اقل المرتبات بين موظفي الدولة ، والأنشطة اللا صفية شبه معدومة كما إن هناك خلو من الساحات والقاعات الرياضية والورش والمختبرات والمكتبات والمسارح وغيرها من وسائل تحفيز الطلبة وتعزيز الدروس العملية والتطبيقات ، وقد وصل الأمر لتحول بعض المدارس إلى مقرات وواجهات للأحزاب والعشائر، لتكرير التجارب الفاشلة للنظام البائد ، كما يتم اختيار بعض الإدارات على أسس لا علاقة لها بمعايير الجودة والقدرة على القيادة الناجحة لإحداث التطور الايجابي ، وحسب ما يتداوله البعض فان راتب المنتسب الذي يتولى حماية بناية المدرسة هي أعلى من راتب أقدم واقدر العاملين ضمن الملاك رغم الفوارق في الشهادة والخبرة والتأهيل و عدد سنوات الخدمة والمهام والواجبات والمسؤوليات ، ومن المضحك المبكي إن بعض الإدارات تعتبر رسوب الطالب مجازفة كبرى قد تترتب عنها مخاطرة وفصول عشائرية وزعل ومعاتبات ، وان الحرص على تبني موضوع أسباب ارتفاع رسوب الطلبة لا يشكل دعوة للتساهل والمجاملة وإنما لمحاولة إيجاد المعالجات لان عقدة الفشل قد تكبر لدى الطالب وقد تشكل خطرا مع تفشي البطالة واللامبالاة والممنوعات ، فالهدف أن لا نترك الشباب للمجهول بل احتضانهم لمصلحة البلد ولكي يكونوا عوامل ايجابية في التفاعل مع المجتمع والدفاع عن الوطن ضد محاولات التحلل والتقسيم والتشرذم .
ولأن الموضوع واضح كضوء الشمس ولا يحتاج إلى جهود مضنية في التفسير ، فان معظم أسباب تراجع أداء التربية والتعليم معروفة للكثير لا سيما أولئك المختصون بتلك الأمور وأكثر ما نحتاجه الآن هو المعالجة وليس التفسير ، فجوانب منها قد تتعلق بشح الأموال والتخصيصات والجوانب الأخرى ربما تعود إلى القصور والتقصير ، واغلب من يعرف الأسباب تكون إسهاماته محدودة في الإصلاح والتغيير ولعل السكوت على وفاة الطالبة ( رفل ) داخل القاعة الامتحانية واحدة من الأدلة على ضعف الإجراءات المتخذة للتغيير ، كما إن وضع الامتحانات الجامعية بالتزامن مع أيام رمضان المبارك وقريبة جدا من العطلة الصيفية لأساتذة الجامعات ، وصياغة مواعيد لامتحانات البكالوريا للسادس الإعدادي في الأيام التي فيها أعلى درجات الحرارة في العراق قد يعود إلى التوافق من حيث التواريخ ولكن المعنيين لم يتخذوا قرارات تجعل الامتحانات لا تتأثر بتلك الإحداث ، وهناك بدائل عديدة يمكن استخدامها بإطالة أو تقصير العام الدراسي أو الدخول المبكر للامتحانات ، فهي أفضل من تبادل الاتهامات بين التربية والكهرباء حول عدم تامين الكهرباء في وقت الامتحانات ، ومن البدائل الأخرى هي البحث عن المولدات وأجهزة التبريد التي تم شرائها في السنوات السابقة والتي خلت منها المدارس في أوقات الامتحانات ، وكان من الممكن التنسيق مع المجالس المحلية أو غيرها لغرض توفير الكهرباء من مولدات المناطق التي تتواجد بها المدارس فاغلب كهرباء الناس الذين لا يتمتعون بالاستثناءات يعتمدون على المولدات الأهلية التي كان من الممكن استئجار بعض الامبيرات منها خلال الامتحانات ، وللتربية تجارب بهذا الخصوص فقد قامت المساجد باستنساخ الكتب المنهجية في بداية العام الدراسي الحالي عندما أعلنت التربية عن العجز الكامل في توفيرها بسبب عدم إدراج التخصيصات في موازنة 2017 ، فالتربية قادرة على خلق وتفعيل البدائل لان العوائل لا تزال تحرص على تعليم أبنائها حتى وان تحملت العائلة جزءا معقولا ولا يشكل عبئا من التمويل .