كل الدول تركن الى الهدوء والسكينة وتهتم بشؤونها الداخلية وتصلح احوال الناس بعد حرب ضروس مرت عليها الا العراق، فهو يخرج من حرب ليدخل في اخرى اشد ضراوة وقساوة وكان ومازال على هذه العادة المدمرة متلذذا باثارة الفتن والصراعات الدموية، وبغض النظر عن تاريخه الطويل الحافل بالحروب الداخلية والخارجية فانه مازال يواصل نهجه المعهود وبنفس الوتيرة، ولم يهدأ وان هدأ فلمدة قصيرة ثم يعاود الكرة من جديد وهكذا دواليك، بالاضافة الى حروبه الطويلة مع الاكراد ولجوؤه الى اشرس واخطر الوسائل لقمعهم مثل القصف الكيمياوي على مدينة “حلبجة” مما تسبب بقتل وجرح عشرات الالوف من المنديين وابادة 182الف انسان بريء في عمليات “الانفال” السيئة الصيت في فبراير من عام 1988 متزامنا مع حربه الشاملة مع ايران، ولم تكد حربها الطويلة مع ايران تنتهي في سبتمبر عام 1988 حتى تفاجأ العالم بغزوه لدولة الكويت وافتعاله ازمة عالمية في اغسطس من عام 1990 والتي انتهت بطرده منها في حرب غير متكافئة مع اكثر من عشرين دولة، واستمرت حالة اللاحرب واللاسلم في العراق الى عام 2003 وهو العام الذي غزت فيه الولايات المتحدة العراق وابدلت نظامه العروبي العنصري بنظام شيعي طائفي اكثر اندفاعا لاثارة الازمات واشعال الحروب وتأزيم المنطقة، ولم يمض على هيمنة الاحزاب الشيعية على الحكم كثيرا حتى دخلت البلاد في حرب اهلية طائفية”سنية شيعية”ذهب ضحيتها مئات الالاف، ومازال الشحن الطائفي يتصاعد ويتفاقم حتى ظهر تنظيم “داعش” الارهابي بابشع صوره في الموصل والمناطق السنية الاخرى، ولمواجهة زحفه المتواصل، اعلن المرجع الشيعي علي السيستاني التعبئة العامة واصدر فتوى تقضي بتشكيل قوات الحشد الشعبي من مقاتلين متطوعين من عامة الجماهير وميليشيات مسلحة كانت لها الدور الابرز في اثارة الحرب الاهلية وارتكاب جرائم كبرى بحق الانسانية..
وباعلان النصر على الدواعش وانتهاء المعركة في الموصل برز الى السطح صراع آخر وحرب محتملة جديدة قائمة على اساس عرقي وطائفي بين ميليشيا الحشد وقوات العسكرية العراقية وبين القوات الكردية “البيشمركة” في اقليم كردستان وخاصة بعد اعلان رئيس الاقليم “مسعودبارزاني” عن اجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر القادم للانفصال عن العراق، بعد فشل المباحثات الطويلة مع بغداد استمرت لمدة 14 سنة دون الوصول الى اتفاق لحل القضايا العالقة وتنفيذ مواد الدستور ومن اهمها المادة 140 التي تعالج قضية المناطق الكردية”المتنازع عليها” التي استولت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة بالقوة من خلال عمليات التعريب والتهجير.. وبين اصرار الطرف الكردي على اتمام عملية الاستفتاء في موعدها المعلن ورفض بغداد لها، واستمرار تصاعد الموقف المتدهور في العلاقات وعدم وجود اي بادرة لحلحة الازمة، فان الاحتمالات تزايدت بحدوث مواجهة مسلحة بين الطرفين لحسم الامور العالقة، وخاصة ان الجانبين لديهما تجربة دموية سابقة واشتباكات مسلحة في مدينة”طوزخورماتو”المختلطة قوميا ومذهبيا، ومنذ ان توترت الحالة على مناطق النفوذ لم يتوقف زعماء الشيعة من ارسال تهديدات مباشرة الى اقليم كردستان، ولم يتوانى رئيس التحالف الوطني الحاكم “عمار الحكيم” من توجيه تهديد صريح الى زعماء الاقليم بضرورة عدم اجراء الاستفتاء والا فان “أمن الاقليم الذي أوجد كل هذا البناء بالاضافة الى الموازنات الضخمة وقت الوفرة الالية امن يمكن ان يتزعزع اذا اختلفت الارادات الدولية او الاقليمية”. ولم يكتف بذلك بل حث الولايات المتحدة الاميركية ودول الجوار والعالم صراحة الى “قول كلمتهم بما يتعلق بوحدة العراق عبر اليات واضحة لا عبر الاكتفاء بالتصريحات”.
ورغم هذه التصريحات النارية والتهديدات المباشرة سواء من قبل الزعماء السياسيين او الميليشيان الشيعية فانهم لم يظهروا اي بادرة حسن نية او مرونة في سياساتهم السابقة ضد الاقليم لتطبيع العلاقات واعادة الاوضاع الى سابق عهدها، ولم يتعهدوا بتطبيق المادة 140 الدستورية ولا باطلاق ميزانية الاقليم ورفع الحصار عنه، كل ما اجادوا فعله لغاية الان هو؛ اطلاق التهديد والترهيب ضد شعب مسالم لم يرد الا العيش بهدوء واستقرار و ضمان حقوقه وفق آليات قانونية ودستورية معمول بها في البلاد.