في كل دول العالم, وبعد أن تزال حكومات الطغاة, تمر فترة عدالة إنتقالية, تنتهي خلال بضعة سنوات, وخلالها يعوض كل من تضرر, ولو بأذي نفسي, ويحاسب من أعان الطاغية ولو بكلمة, من خلال محاكمة عادلة, أو أي ألية أخرى .
أنفرد نظام صدام, بكثرة من تعرضوا لظلمه وتعذيبه, حتى يكاد القول بانه شمل الغالبية, كلاما مقبولا ومقاربا للواقع.. فمن العوائل العلمائية والأدبية, وطلبة العلوم الدينية, إلى معارضيه السياسيين, ومن هجرهم وسحب جنسيتهم من الكرد الفيلية, ومن هرب بجلده خارج العراق.
لم يسلم بقية الشعب, من أذى حكم البعث وصدام, فبين خوف وإعتقالات وإعدامات دون تهمة, وجوع وخوف, وفقدان لأبسط مقومات الحياة, ناهيك عن الحقوق الإنسانية والخدمات, وعوز مادي, دفع الناس لبيع أثاثهم, بل وحتى شبابيك وأبواب بيوتهم.. وكل من كانت تظهر عليه أي علامات تدين, بل وحتى من كان يتهمه أي بعثي, بأصغر تهمة ولو كذبا!
ما تم سنه من قوانين, لتحقيق العدالة ” الإنتقالية” كانت عرجاء ومشوهة, فرغم أنها جاءت لتعوض من تضرر ولن تفعل.. فأي مال أو عقار, يمكن أن يعوض أبوين عن أبنهما؟! أو زوجة شابة فقدت زوجها, وتعرضت لشتى المساومات.. بل وأي شيء في الدنيا كلها, يعادل لحظة رعب عاشها أي عراقي؟! فكيف بأطفالهم؟!
لن ينسى العراقيون, خصوصا من بقي ولم يهاجر, وعاش حكم صدام كاملا, سنوات أكل النخالة ونوى التمر المطحون, المخلوط بالرماد والرمل.. ولن ينسى لحظات الرعب, بين قواطع الجيش الشعبي, ومضايقات البعثيين, وإبتزازاتهم وتهديداتهم.. كما لن ينسى من هجر, ما عاشوه من سنوات عذاب, في خيام الصحارى, أو الذلة في مخيمات اللاجئين, أو الأهوال التي عاشوها, وهم يركبون البحار, ويفرون بين الغابات. هربا من بطش صدام وبعثه اللعين.. فهل يمكننا تقدير, أي فئة تعذبت اكثر من غيرها؟!
هل كل من ذكرناهم, احق بالتكريم و تعذب أكثر, أم من قدم ولده شهيدا في تحرير الموصل؟ أم من أعدمه صدام هو الأحق؟
ولكن لنسأل.. لما يجب المفاضلة بينهم؟! أولا يستحقون كلهم التكريم؟ حتى من بقي هنا وذاق الويل وعذاب حكم الطاغية, وباع أثاث بيته.. ولم يداهن النظام, ولا لبس الزيتوني؟
سن قوانين لتعويض كل هؤلاء, من المظلومين, هو أقل ما يجب تقديمه لهم.. لكن أن تكون تلك القوانين, مبالغا فيها وغير منطقية.. ويتناسى الأخرون, فهذا امر غير مقبول.
كل العراقيين يستحقون التعويض والرعاية, عدى من أيد النظام ولو بكلمة.. ولكن بشرطها وشروطها.