إذا كانت الديمقراطية والالتزام بالإجراءات المتبعة في الهيئات التمثيلية تشكل القاعدة أو الأرضية القوية والصلبة لتقوية وتعزيز النظام بصورة عامة فأن الأداء السياسي يعد أمراً مهماً جداً في تطوير ودعم المعتقدات الخاصة بالشرعية وتوكيد ذاتيتها . فنستطيع القول ان هناك علاقة بين الديمقراطية والأداء السياسي على مدى التاريخ , فأنه كلما حقق النظام السياسي نجاحاً اكبر في تحقيق رغبات الجماهير كلما تأصلت ضرورة الشرعية على نحو اكبر وأعمق . وغالباً ما تقاس فاعلية حكومة ما أو نظام سياسي ما على وفق صيغ اقتصادية وليس ضمن تقويمات مادية أو أمنية أو المكانة التي تحتلها الدولة بين دول العالم الأخرى ولأنهم يتوقعون من الديمقراطية تحقيق الحرية السياسية والمساواة وشمولية الدستور , فأن غالبية الشعوب تؤمن بأن الأداء السياسي هو الذي يساعد في عملية تعزيز الديمقراطية .
أن الديمقراطية في العراق هي القيمة الذاتية التي من اجلها ضحي الشعب في نضاله ضد الأنظمة التسلطية , وفحوى العملية الديمقراطية هنا ربما يفوق الرفاه المادي أهمية , لأنه ينسحب بتأثيراته على مفردات الحياة لكل شخص فهي تساعد على تقوية انتمائهم من خلال ترسيخ مبدأ المواطنة او ضمن الكيان السياسي أو في أحيان أخرى تضعفهم , لذا فأن المؤسسات الدستورية الديمقراطية في العراق يجب أن تلعب دوراً رئيسياً في رسم السياسات والأشراف على تنفيذها إذا ما أريد لها أن تتعزز ديمقراطياً .
أن الولاء لروح العملية الديمقراطية يعد عاملاً مهماً ليس في تعزيز الديمقراطية فحسب بل وفي تعزيز روح المواطنة والأداء الاقتصادي أيضاً لأنه يوفر المادة الحرة للديمقراطية الضرورية لبناء الشرعية وإدامتها ضمن الفئات الحاكمة والجماهير على حد سواء . لكنها ليست كافية في حد ذاتها إذ تبقى العلاقة بين الحرية والنظام في حالة من التوتر الكلاسيكي وهنا يبرز النظام بعداً أخر للأداء السياسي الذي يخضع لتقويم غالبية المواطنين برغم إهماله من جانب واضعي نظريات التعزيز الديمقراطي .
أن الديمقراطية في العراق دخلت مراحل اختبار عديدة فإذا ما أريد للديمقراطية أن تتعزز فيجب أن لا تستخدم الشمولية الدستورية ذريعة لفشل الدولة في مجابهة الأعمال الإرهابية واللاشرعية والتحديات العسكرية ,, فيجد المواطنون هنا أن لهم الحق في تأمين أنفسهم ودولتهم ضد أي فعل غير مسؤول أو إرهابي يستهدف الدولة ومواطنيها .ولابد أن تكون هناك ضمانات دستورية تعوق الدولة وتحد من سلوكها في انتهاك حقوق الإنسان .
أما البعد الأخر والمهم للأداء السياسي في العراق فهو ” الفساد ” فليس من شك أن هناك علاقة بين الفساد والأداء السياسي فعندما تمتلك عناصر منظمة سلطة لا يستهان بها في المجمع وتمتلك حصانة نسبية ضد المثول أمام القضاء فأنها بالتأكيد ستفسد الأنظمة السياسية والقضائية للديمقراطية ويمكن أن نورد مثال حقيقي على علاقة الفساد بالأداء الديمقراطي فقد بقيت الديمقراطية في ايطاليا على مدى عقود برغم الفساد الإداري والسياسي والحماية التي يوفرها العديد من السياسيين والأحزاب لعصابات ” المافيا ” لكن في الوقت ذاته يجب أن نقر بأن الفساد يلحق ضرراً كبيراً بجوهر الديمقراطية ويعمل على تآكل جدارها الشرعي ويضعه على حافة الهاوية . ويمكن أن نزيد في ذلك فنقول أن الفساد يسير يداً بيد مع أعمال العنف أو التلاعب بالانتخابات مما يقود إلى مخاطر تصاعد الرهانات الشخصية في ألامساك بزمام المناصب السياسية . وبهذا لابد للعراق أن يتجاوز جميع الأخطار التي تقف عائقاً أمام تحقيق الديمقراطية الناصعة التي تحقق العدل لجميع أبناء الوطن الواحد من خلال تكاتف أبنائه وتلاحمهم في محاربة الفساد والمفسدين وبناء وطن واحد موحد .