ثلاث سنوات مرت ثقيلة بإحداثها بعد أن سيطرت عصابة مجرمة بأيامٍ قلائلٍ على أكثرِ من ثلثِ العراق كشفت خلالها الحالة السياسية والعسكرية المزرية التي كان يعيشها البلد كنتيجة لقيادة الأحزاب الدينية بكل مشاربها ومذاهبها الغير مؤهلة بأفكارها ورؤاها لمنطق العصر والغير مدركة لتكوينة المجتمع العراقي.
وقد جَمّلَت تلك العصابة الدولية أفعالها الدنيئة بإسم أطلقتهُ على نفسها لمداعبة العواطف والمشاعر الدينية للبعض ممَنْ تُطرِبُهم نغماتها الطائفية وتطرفاتها المذهبية والدينية وكره وتكفير الآخر حتى لو كان من أقربِ المقربين أو جار مشارك لهم في الأرض بسرّائها وضرّائها!!، فإنتُهِكَت الحُرمات وسُبيت النساء وحُرقت الممتلكات وهُجّرت المكوّنات بشيوخها وعجائزها وأطفالها ـ ـ رضيعهم قبل صغيرهم الذي يحبو بعفوية الى أمام ظناً منه من إنه يحبو الى مستقبلٍ زاهرٍ وغدٍ مشرقٍ!!.
ثمّ بدأ السيل الجارف يبتلعُ حتى مَنْ فتح سدود الحصانة المجتمعية السلمية مرحباً بشواذِ العقلِ والفكر الإنساني وفاقدي الصفة الإنسانية بكل تفاصيلها، فسمحَ ذلك البعض الخائن للوطن ولهويته الوطنية لتلك الشراذم بإنتهاك الحُرمات وأصبحَ كل شيء مباح بإسم الدين وتحت صيحات التكبير ظلماً وتزييفاًـ ـ جَزّ الرقاب والتفنن بطرق القتل التي لم تفعلها حتى الحيوانات التي لا تقتل إلا جوعاً أو دفاعاً عن النفس!! ـ ـ سَبي النساء ـ ـ خطف الأطفال ـ ـ تهجير مكونات أصيلة بكاملها ـ ـ تفجير المعالم الدينية والتاريخية وكان آخرها منارة الحدباء التاريخية وجامعها النوري (الكبير) ـ ـ سرقة الأثار والنفائس من القطع التاريخية التي لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها ـ ـ سرقة الذهب الأسود والأصفر وكل ما نالته أياديهم الدنيئة ـ ـ حرق الكتب والمخطوطات النفيسة ـ ـ إيقاف التعليم العلمي وإستبداله بالتعليم المُحرِّض على العنفِ وكراهية الآخر وتحويل الكليّات الى أبنية ومعامل لصناعة أسلحة القتل والتدمير ـ ـ فرض القوانين الشاذة ليس عن منطق هذا العصر فحسب وإنما الشاذة على مر العصور، فنال ما نال مِن الأذى الملايين من أبناء المناطق المحتلّة مِمَنْ لم يكن لهم “لا ناقة ولا جمل” بمجملِ تلك الأفكار الغريبة والدخيلة على مجتمعهم في تكريت والأنبار وديالى ونينوى وغيرها مِن الأقاليم العراقية، فهُجِّروا زرافات زرافات الى المجهولِ تحت وابل القصف العشوائي من هذا الطرف أو ذاك وهُدّمَت البيوت على ساكنيها، وتزايدت أعداد الضحايا والأرامل واليتامى وكأنّ المجتمع العراقي لم يكتفي بعد من الأعداد المذهلة لضحايا الحروب ومآسيها!!، وحيثُ أصبح اللون الأسود يغطي الأجساد والحيطان.
لكن مَنْ بيدهم دفة السياسة الغبية والملعونة لم يكتفوا بعد من رؤية مشاهد الدمار والخراب، وحيثُ لا يزال التعنت يركبُ رؤوسهم الخاوية إلا من معتقداتهم وأيديولوجياتهم الحزبية التي إبتلى بها المجتمع العراقي منذ بداية الثلاثينات من القرن المنصرم ولحد هذا اليوم!!، فما الذي جنيناه منها غير البؤس والآلام والتصدع المجتمعي؟!!، فبات الأخ يعادي أخيه ـ ـ لا بل ينحره بدمٍ بارد وقلبٍ ميتٍ ويدٍ ثابتةٍ كيد قابيل عندما حزّ رقبة أخيه هابيل!!.
فهذا أُممي يطالب بفرض إشتراكيته حسب نظريته التي يُؤمنُ بها وحيثُ فشلت بإمتياز في جميع البلدان التي حاولت تطبيقها!!، وذاك قومي يَرغبُ بصبغِ المجتمعِ المتعدد الأعراق والأجناس بصبغته التي لا يُهادن على فلسفتها الأحادية!!، والآخر ديني لَبسَ “عمامة” التعنت والتطرف المذهبي وصاحَ برعاعِ القوم “حيَّ على الجهاد” لقتل القومِ الكافرين حتى وإن كانوا إخوة له في الدين لكنهم إجتهدوا برؤيتهم التي تعارضت مع رؤيته!!، وفي خِضَم هذه المتناقضات أضعنا هويتنا الوطنية وسحقناها تحت أقدام الجحافل السياسية الثائرة والمتشبعة بتلك الأيديولوجيات، وسَحِقنا معها “المواطنة” وأصحابها ممن كانوا يجلسون على مدارجِ حَلبة الصراعات السياسية بملايينهم ينظرون بأسى وحزن مشاهد السحل في الشوارعِ وردود أفعالها ـ ـ والتعليق على أعوادِ المشانق وعسكرة المجتمع وتسييسه ـ ـ وصعود المتصيدين والوصوليين ومتعطشي السلطة وإمتيازاتها الى مواقعِ القرار لإدارة البلد.
وتكالبت قوى الشر من هذا الحلف وذاك البلد لإذكاء النار المستعرة وديمومة حرائقها التي أتتِ على الأخضر قبل اليابس ـ ـ كيف لا والكل يبحثُ عن ليلاه إلاّ (أولاد الخايبة) فهم يتطوعون مجاناً لمد يد العون للغرباء لتسهيل مهماتهم في القتل والتدمير وحصد الغنائم من البلد المباح بأرضه وشعبه ـ ـ فنحن لا نجيد التخطيط فنتركه للعم سام والعم أبو ناجي ومن لفّ حولهم من الحاقدين من العربان والفرس والعثمانيين ليمرروه الينا لتنفيذه حتى دون فرز صالحه من طالحه ـ ـ فهم لا يجدون أفضل منّا في التنفيذ المدمر ـ ـ لا بل نفاجئهم بنجاح نتائجه بأكثر مما خططوا ومما يتوقعون منّا ـ ـ كيف لا ونحن الكرماء دائماً حتى شمل كرمنا نحر مواطنينا في كل زقاق وحي إكراماً للمخططين!! ـ ـ وحيثُ أننا (ملوك) التدمير لكل ما تركه لنا السلف الصالح!! ـ ـ وكوننا (نفتخر) بأننا الخلف الطالح!! ـ ـ فيا لبؤسنا وسذاجتنا ـ ـ ويا لجهلنا وضحالة فكرنا ـ ـ فالى متى نبقى مطيّة لهذا وذاك حتى لِمن كنّا لا نحسب لهم حساب في الأمس القريب!! ـ ـ فبتنا اليوم نذهب اليهم زاحفين على بطوننا وفوداً وفرادى نتوسلهم ونقبّل أكتافهم ليمنّوا علينا بكلمةِ عطفٍ وصدقةٍ تخرجُ من أفواههم المُزْبدة ذو الرائحة النتنة وبعلياءٍ وتشفّي على ما آل اليه حالنا!!.
ويا عجبي على من أطلقوا على أنفسهم رجال سياسة وحكم وهم يتباهون بضخامة شواربهم لكنهم قد غسلوا وجوههم بالبول ـ ـ فذاك الذي سَخّرَ أبواق آلته الإعلامية لتقول بكل صلافة لنا وللعالم الذي شهد على هزيمته المنكرة بأنه إنتصر بعد أن فعلت آلة الدمار المعادية بكل أنواعها ومسمياتها فعلها في القتل الجماعي والتدمير وخسارة شعبه لكل شيء من الألف الى الياء حتى خسر هو نفسه بأذل الطرق وأرذلها لكنه لم يتنازل حتى آخر لحظات حياته عن غروره وعنجهيته الفارغة!!! ـ ـ وهذا الذي يتربع الآن على منصب نائب رئيس الجمهورية كمكافئة له على هزيمته وهو بطل تسليم ثلث العراق بأيام معدودة لعصابة لا تتجاوز المئات من شراذم تقيئتها مجاري المياه الثقيلة لدولهم فرمت بهم الينا ليَحكموا ويتحكموا على شعب إبتلى بالفاشلين من السياسيين أو مِمَنْ أطلقوا على أنفسهم هذه الصفة التي من المفترض أن يكون صاحبها متقد البصر والبصيرة وليس جاهلاً وغبياً ومنحرفاً وممتلئاً بالعقدِ النفسيةِ.
فأي نصرٍ هذا الذي نتكلم عنهُ وقد خُضِّبَ بدماءِ الآلاف من أصحابِ الغيرةِ المقاتلين بكل صنوفهم من كل قرية ومدينة عراقية ودماء المدنيين الأبرياء بعد أن إستغرق عودة المدن المدمرة بالكامل الى أصحابها ردهاً من الزمن وبعد أن سُلِبت بأيام على يد الرُعاع وهي في عِزّ زَهوها ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل والجرحى المقاتلين الأبطال لا يزالون يناشدون السياسيين بتوفير الخدمات الطبية لهم وصرف رواتبهم ورواتب إخوانهم من الشهداء ـ ـ وكيف لنا أن نتغنى بنصرٍ تعلو على صوته أنين وصرخات الحرائر المسبيات الأيزيديات ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل بنصرٍ لا تزال فيه مئات الآلاف من العوائل مشردة في الصحارى والبراري تعاني ما تعاني!! ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل بنصرٍ كان ثمنه إختفاء منارة الحدباء وجامعها النوري ومراقد النبي شيت والنبي يونس والنبي جرجيس والأديرة والكنائس التاريخية ودور العبادة لبقية المكونات وآثار أجدادنا التي تركوها لنا شاهداً على تحضرهُم ونحن أزلناها من على وجه الأرض كشاهدٍ على تخلفنا وبؤسنا.
فلا نصر يكتمل إلا بمحاسبة السياسيين الفاشلين والقادة العسكريين المتخاذلين ممن كانوا سبباً على الهزيمةِ ـ ـ ولا نصر يكتمل إلا بمعاقبة أفراد تلك العصابات ومن وقف معهم بالفعل والقلب واللسان ودعاهم “بالمجاهدين” ظلماً وعدواناً ـ ـ ولا نصر يكتمل إلاّ بطرد عوائل المجرمين من الموصل والأنبار وتكريت وسامراء وديالى ممن كانوا على علمٍ بأبنائهم وكانوا حاضنة للدواعش ليكونوا عبرة لغيرهم ـ ـ ولا نصر يكتمل إلا بإعادة بناء ما دمرته الحروب اللعينة وبصروح وأنظمة أفضل من أفضل البلدان التي كنّا بالأمس القريب نتفضل عليها وعلى شعوبها ونرثي لحالها، فشعب العراق الذي عانى ما عانى يستحق أن يعيش مثلما تعيش غيره من الشعوب، وحيثُ كنّا نتمنى أن يكون لدى السياسيين الفاشلين ذرّة من الغيرة ليعاقبوا أنفسهم وينهوا حياتهم ليكون لشواربهم معنى رجولي بحق تحت أنوفهم التي مُرِّغَت بالتراب.
ومتى نتعض ونتعلم من أخطائنا ونستغني عن التشبث بأحادية معتقداتنا والغاء الآخر الذي هو شريكنا في الوطن والعزوف عن الخلط ما بين إنتماءاتنا الدينية والقومية والوطنية لنحيا كما يحيا غيرنا في القرن الواحد والعشرين.
فهل وصل الى غايته مَنْ رحّب “بالمجاهدين” وصفق لهم بتدمير منارة الحدباء وجامعها الكبير ومراقد الأئمة والأنبياء ودور العبادة الدينية والصروح التاريخية والمتاحف والمكتبات ودور العِلْم والمعرفة حتى لم يسلم من التدمير حارة أو زقاق أو بيت؟؟!!، وهل شفى غليله نزوح مئات الآلاف من العوائل الكريمة من كل مكونات المجتمع ودمار الأحياء والبيوت على ساكنيها؟؟!!، وهل تنبه الآن مَنْ أيّدهم (وبعد فوات الآوان) الى مَنْ أرسل هؤلاء “المجاهدين” والغاية منهم؟؟؟!!!، فلا ماء ولا كهرباء ولا حتى هواء نقياً بدءاً بالعاصمة بغداد الى أبعد ناحية في العراق الذي حباه الله بكل مقومات العيش الرغيد لكنه أسير بيد رعاع القوم ودونهم الذين نعتوا أنفسهم بالسياسيين وأمتهنوا (مافيا) السياسة في أزقة وأروقة الأحياء المشبوهة في بلدان اللجوء.