18 نوفمبر، 2024 5:37 ص
Search
Close this search box.

الإصلاح السياسي في العراق ضرورة وطنية

الإصلاح السياسي في العراق ضرورة وطنية

أن الإصلاح والتغيير السياسي لأي نظام سياسي لا يمكن بلوغه ما لم يقترن مع إصلاحات اجتماعية واقتصادية وإلا أصبح الإصلاح بلا مضامين وغايات . فبدون تحقيق العدل الاجتماعي والاقتصادي وإلغاء الفوارق الاجتماعية الكبيرة بين الطبقة السياسية وأبناء الشعب يفقد الإصلاح كل مضامينه التي ينشدها مهما كانت كبيرة ,فعندما كانت قضية الإصلاح مطروحة على الساحة السياسية والاجتماعية في العراق من قبل جميع العراقيين نتيجة حصول اتفاق على وجود خلل في العملية السياسية ولكن ظهر الاختلاف في تشخيص هذا الخلل وطريقة معالجته , فقد قدمت الأحزاب والتيارات والكتل السياسية حلولاً كلاً حسب أهدافه السياسية والايديولجيا التي يتبعها .فلا بد هنا أن نحدد ما هو الإصلاح المطلوب اليوم في العراق , وقد لا نحتاج إلى التذكير بان قضية الإصلاح كما يتم تناولها اليوم في الساحة العراقية قد كان من الطبيعي أن تثير ردود فعل متعددة من الوسط السياسي منها من يقبل فكرة الإصلاح ولكنه يرفض أن يكون مضمونه من إملاء قوى أجنبية ومنها ما يقبل الفكرة ولا يرفض المضمون بصورة مسبقة , لا نحتاج هنا أن نناقش هذه الأنواع من ردود الفعل على الدعوة الإصلاحية ,وبعبارة أخرى قبل كل شيء النظر إلى الإصلاح لا من حيث هو دعوة آتية من الخارج ولا من حيث هو شعار بادرت إلى رفعه قوى داخلية بل هو من حيث هو “حاجة ” , فإذا حددنا الحاجة أو الحاجات التي تبرر جعل الإصلاح مطلباً في العراق أمكن حينئذ تحديد الأهداف منه , ثم تعيين الوسائل القيمة بتحقيق هذه الأهداف . أن المشكلة الأساسية في العراق تكمن في انحراف العملية السياسية في العراق من حيث بنية النظام السياسي والخلل القائم في بنية النظام (المحاصصة الطائفية والقومية) الذي يمثل الركيزة الأساسية في النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 والذي أدى إلى تدهور الأوضاع وساعد على تعميق الأزمات بدلاً من حلها .فقد بات من الضروري العمل على إجراء عملية إصلاح شامل في بنية النظام السياسي العراقي، والذي أُسس في ظروفٍ استثنائيةٍ، يشوبها الكثير من الأخطاء وعلامات الاستفهام , كذلك القول أن المتابع لأي مجتمع من المجتمعات البشرية يجد أن عملية بناء المجتمع واتجاهه نحو بناء نفسه وتكاملها لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الإصلاح أي من خلال مجموعة من الحركات الإصلاحية الهادفة إلى تقويم مسار هذه المجتمعات . لذلك لابد من استمرار عملية الإصلاح للمجتمعات والتي بطبيعتها تكتسب سمة التغيير الدوري في مختلف الفترات الزمنية . لكن هنا كيف يمكن أن نفهم الإصلاح , “فالإصلاح هو ضد الإفساد” وإذا بحثنا فيها عن معنى “الإفساد” ردتنا إلى الإصلاح بقولها” الإفساد ضد الإصلاح” وفي هذا الإطار يرتبط معنى “الإصلاح” في القرآن الكريم بإزالة ما شاب العلاقات بين الناس من شوائب , فأن الله سبحانه وتعالى قد جعل حجته بالغة على العالم كما نصت عليه جميع الأديان السماوية فنجد أن الأنبياء منذ أدم ” عليه السلام” قد اخذوا على عاتقهم عملية الإصلاح وحسب التسلسل التاريخي والزمني لكل مرسل وحسب ظروف كل فترة إلى حين نزول الرسالة الإسلامية وتولي القيادة إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الإمام علي (ع) والإمام الحسن(ع) إلى الإمام الحسين (ع) الذي شكل انطلاقة كبيرة وجديدة للحركة الإصلاحية , فقد شكلت هذه الحركة قاعدة جماهيرية عريضة حاولت التواصل مع المتغيرات التي تدفع إلى الإصلاح , أن منهج الإصلاح التي تشكل جوهر الدعوة المحمدية والتي عبر عنها القرآن الكريم على لسان النبي شعيب “ع” بقوله تعالى ” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ..” , وكذلك قوله تعالى ” فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ..” . ويحدد القرأن الكريم منهجية تحقيق الإصلاح بقوله تعالى ” أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” وتقوم هذه المنهجية على مبدأين وهما ” تغيير البنى التحتية للمجتمع كشرط لتغيير العلاقات الفوقية , والتكامل بين الفرد والمؤسسة في العملية التغيرية ” . فالإصلاح يتفرع ويأخذ اتجاهات متعددة منها الإصلاح الاجتماعي و الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي . وان عملية الإصلاح تمر بثلاث مراحل مهمة وهي ( مرحلة الحوار من اجل إبداء وطرح البدائل الصحيحة , ومرحلة الدخول في عملية تغيير الأنظمة السلبية ومنها النظام الانتخابي على سبيل المثال , ومرحلة إعادة بناء المؤسسات السياسية والديمقراطية والدستورية ) . أن مفهوم الإصلاح يرتبط بتغيير الصورة , وإذا اعتبرنا الدولة ومنها تفرز ” الحكومة ” والتي هي في الحقيقية مجموعة من الأفراد وهي تعتبر الجهة التنفيذية والمطبقة لما هو كل مشرع من قوانين وأنظمة وقد لا تطبق جميع القوانين والأنظمة بصورة صحيحة وسليمة فتنشأ عندها مفاسد كبيرة تدفع بالمجتمع – حسب هذا الاصطلاح- فأن الإصلاح في أي مجتمع يجب أن يتجه أولا وقبل شيء إلى الحكومة والدولة . فمن خلال تتبع معالم الإصلاح السياسي يمكن ملاحظة بعض مفردات منهج الإصلاح والذي يمكن أن يكون أساساً متيناً لأي خطوة إصلاحية قادمة ومنها 1-( نقد الأفكار السائدة للأوضاع السياسية القائمة والاجتماعية والتقاليد البائدة والأعراف المتحجرة والتي إما كانت مجرد عادات اتبعها الناس دون دليل شرعي أو نص ديني أو أنها تمثل اجتهادات قديمة لفقهاء سابقين ولم تعد تناسب التطورات السياسية والتطور العلمي الذي عاصروه ). 2-( طرح بدائل فكرية مناسبة فلا يمكن أن تقتصر عملية النقد على مجرد نقد الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية دون طرح فكرة بديلة لها تكون ناجحة وتحمل معها التطور والتقدم والرقي والازدهار أسوة بالأمم المتقدمة ) . 3-(القيام بتأصيل إسلامي لأفكار جديدة , فقد سعى المفكرون من الفقهاء المسلمين المعتدلين إلى تعزيز دعواتهم بأن تكون المصلحة الإسلامية هي الأساس في تبرير هذا الإصلاح حيث تحتل المصلحة ركناً قوياً في الفقه الإسلامي . فقد دعا المفكر الإسلامي” جمال الدين الأفغاني” إلى مشاركة الشعب في صنع القرار وإدارة شؤون البلاد وتأسيس نظام يمنح الأمة دورها الحقيقي بما يوفر التقدم والاستقرار . وكذلك دعا المفكر الإسلامي الشهيد الأول “محمد باقر الصدر” إلى اعتماد تفاسير جديدة لآيات قرآنية في استدلاله على نظرية(خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) والتي تدعو إلى أن الحكم مصدره الفرد .ختاما يقوم جوهر الإصلاح السياسي بإقامة الدولة على أساس صالحة , أولاً وتحديثها ثانياً , أما الدولة الصالحة : دولة قائمة على أساس المشاركة الشعبية وشرعية التمثيل , أنها الدولة القانونية التي تحقق في ظلها المساواة أمام القانون , كما إنها دولة حديثة تقوم على أساس العلم والتقانة .وخلاصة هذه الرؤيا أن عملية الإصلاح تبدأ من تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية والتنظيمية والسير بها نحو الهدف المنشود ألا وهو إعادة النظر في النظام السياسي وإلغاء سياسة (المحاصصة) والتقاسم من اجل إرضاء الكتل السياسية المتناحرة فيما بينها , تحقيق المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الضيقة , وبذلك تحقق الهدف المنشود ألا وهو الإصلاح .

أحدث المقالات