منذ سنين خلت وأنا اتابع ملحق السبت الأسبوعي لمسائية أفتون بلادت السويدية، الذي ينفرد بمواد صحفية غنية ومتنوعة من الخفيفة التي تصلح لاسترخاء يمهد للنوم، الى مواد غنية تحفز العقل، وتذهب عنه النوم، ومنها المسابقة الأسبوعية التي تتالف من عشرة اسئلة توضع بعناية وتتوزع لتغطي مختلف نواحي المعرفة من علوم وآداب وفنون وفلسفة، فتثير لدى القاريء الفضول وتدفعه الى انشغال ذهني و بحث يستلزم في غالب الأحيان الرجوعَ الى مظان موسوعية مثل فوكس أو بونييه وغيرهما. ويحظى الفائز بجائزة معنوية أضافة الى مادية مقبولة، في بلد ينفق كثيرا على المسابقات المعرفية التي تشكل مظهرا من مظاهر الحياة الثقافية في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء …
وإن أنسَ لا أنسَ ذلك السؤال ذا الشقين الذي حيرني، فلم تسعفني المظان المسطرة في رفوف مكتبتي المتواضعة، ولم أحَر له جوابا مما جعلني أنتظر الجواب على أحر من الجمر: من هو المعماري العالمي الذي صمم بناية في بغداد واجهتها تحمل حرفي اسمه؟ ما هي البناية؟
لم يكن من العسير جدا معرفة المعماري الفنلندي العالمي من باب التخمين، ألفار آلتوAlvar Aalto (1898-1976)، فهو معماري ومصم أثاث شهير، عرف بمزهريته البلورية التي تحمل اسمه، ذات الفصوص الطولية المتموجة بأحجامها الثلاثة، وبالألوان: الشفاف، الأزرق الكوبلتي، والبني الداخن،والأخضر… وكرسيه عديم القوائم، وطبليته ذات القوائم الأربع أو الثلاث، وعربة الشاي ثنائية العجلات…
أما منجزاته المعمارية فقد اتسمت بالحداثة، التي لا تجد لها جذورا في العمارة الأوربية التقليدية على اختلاف مدارسها، مما شكلت قفزة نوعية في فن العمارة نال بسببها لقب ” أبو الحداثة” بجدارة، اتسمت بسعة الفضاءات والتموجات والالوان الدافئة، ومن اشهرها قاعة فنلنديا، ودار الثقافة في هلسنكي، ودار الأوبرا في آخن في المانيا، ومتحف الفن الحديث في البورغ في الدانمارك، ووووو…..الخ.
ومتحف الفن الحديث في بغداد، مقابل متنزه الزوراء، الذي افتتح في عام 1968 في أواخر الحقبة العارفية، ويُعد من أكبر الصروح الثقافية في الشرق الأوسط، وهو مفخرة للعراق، عمارة ومحتوى. تعود قصته الى عام1957 حيث أراد الملك الشاب فيصل الثاني (1935-1958)المتخرج من هارو(انكلترا) ان يثبت استقلاليته واهتمامه بالشؤون الثقافية ومنها تحديث العاصمة بغداد بما يتناسب ومجدها التاريخي المؤثل، فدعا مجموعة من المعماريين العالميين منهم فرانك لويد رايت لتصميم دار أوبرا ومسرح، و لو كوربوزييه لتصميم مجمع رياضي، و الفار ألتو لتصميم بناية البريد المركزي، ومتحف الفنون التشكيلية، مع طموح كبير أن يتم تشييد مجمع الفنون لكولبنكيان في بغداد، حيث خاب أمله (الملك) وشُيّد في لشبونة.
وتصميم المتحف اتخذ واجهة تتألف من حرفي اسم المصمم الفار آلتوAA بالشكل المتموج مع تلبيس بالقرميد الخزفي الأزرق الغامق مع دعائم وتدية ساندة على شكل شراع، يتألف البناء من أربعة طوابق، وحيث أن شمس بغداد محرقة غطى الطابق الأعلى تماما بمظلة تتخلها فتحات تهوية، أراد لها أن تكون كافتيرية فوق قاعة العرض الرئيسة الواسعة، هناك مكتبة وقاعة محاضرات، وقاعة عرض في الهواء الطلق…لقد صمم هذا المتحف ليكون بحق صرحا حضاريا وثقافيا يعج بالنشاطات الفنية المختلفة، ولا أدري إن كانت هناك لائحة تعريف بالبناية ومصممها، الذي يجهله كثير من العراقيين وكنت منهم. فقد بحثت عن صورة لهذا البناء ولم اعثر على واحدة!! ومما يجدر ذكره أن الملك فيصل الثاني قتل بعد عام في صبيحة الرابع عشر من تموز/يوليو، ولم ير هذا الصرح منجزا!
لوحة الأم لفائق حسن
خلال احتلال بغداد في 9 نيسان/ابرل عام 2003 تعرض المتحف الى عمليات نهب لمحتوياته من لوحات زيتية ومائية وغرافك، ومنحوتات، وأحرقت وثائق وصور، ومخطوطات تتعلق بالمقتنيات والفنانيين الرواد، مما كشف عن طبيعة القوى الظلامية وتخلفها، وعدائها للإبداع عموما وللفن خصوصا، إذ يقدر مدير المتحف الأستاذ سلام عطا صبري المسروقات بأكثر من ثمانية ألاف عمل تشكيلي، في حين يقول الفنان نوري الراوي في مقابلة مع جريدة”الإمارات اليوم”31 ك1/ديسمبر 2011 أن ” النهب طال أعمالا فنية وأثرية كبيرة من بينها 7000سبع آلاف لوحة كانت ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث الذي تعرضت وثائقه للحرق”، وكانت نواة المتحف قد تأسست عام 1962 بمبادرة من الفنان نوري الراوي،،الكثير من المنهوبات نقلت الى خارج العراق حتى غدت العاصمة الأردنية عمان مركزا للتجارة بالآثار العراقية واللوحات الفنية وغيرها من النفائس العراقية، لقد تم استرجاع قسما من النفائس عن طريق الشراء، فلوحة الأم لفائق حسن تم استرجاعها من قبل الفنان العراقي سيروان باران، الذي عثر عليها في إحدى حواري العاصمة عمان ، فقام الرجل بشرائها وإرجاعها الى المتحف…مما يستلزم تخصيص مبالغ لشراء كل المنهوبات، وتأسيس ورشة متخصصة في صيانة وتصليح التالف من المقتنيات والمحفوظات….
[email protected]
فيانتيان آب/أغسطس 2012