لقد كان الزخم المعنوي الكبير لفتاوى الجهاد الكفائي والجيش الرديف من قبل مراجع الدين في النجف الاشرف بالغ الاثر في استعادة الروح المعنوية للأمة عموما والأجهزة الأمنية خصوصا بعد نكسة الموصل والاحتلال الداعشي ، بعد تعرض الجيش لخيانة وتواطئ بعض قياداته مع بعض الجهات الداخلية والخارجية والتي سيكشف التاريخ يوما دورها البشع في الاحتلال الداعشي ، الانهيار الكبير لم يقتصر على القيادات الامنية فقط ولم يمتد الى باقي الضباط والمراتب وانما كان وقعه أليماً على قلوب كل أنسان عراقي وطني وكيف لا وهو يرى مدن العراق الحبيب تسقط تباعاً في قبضة زمر الضلالة والبغي التكفيرية ويرى ما تعرض له المسيح واليزيدية والشيعة التركمان والشيعة الشبك والشيعة الفيلية وباقي المكونات الاخرى من عمليات قتل وذبح جماعي وسبي للنساء والاطفال وغيرها من المشاهد المؤلمة التي ازدادت ألما ولوعة بعد فاجعة مجزرة سبايكر والصقلاوية وغيرها ..
ان النهضة التي انطلقت شرارتها من فتاوى مراجع الدين في النجف الاشرف كان لها الدور الاكبر في استنهاض الروح العقائدية التي أفرزت جيشا رديفا وحشداً شعبياً عقائدياً من الشباب والشيوخ لمواجهة العدو المتزمت بتطرفه العقائدي ، وهذا ما جعل التشكيل الجماهيري العقائدي العسكري رقما صعبا وصمام أمان قادر على التصدي وأحباط كل المخططات التي اعدت لتدمير البلاد وتمزيق اوصالها الى دويلات واقاليم ضعيفة ومتصارعة .
وفي كلمة المرجع اليعقوبي القاها أمام احد فصائل الحشد الشعبي وعدد من فضلاء الحوزة العلمية بمكتبه في النجف الاشرف بمناسبة تحرير الموصل ، حذر سماحته من المؤامرات والصفقات التي تهدف الى سرقة انتصارات الشعب العراقي ودعا الى قطع الطريق على الانتهازيين ، وبين كذلك ان تضحيات الشهداء هي الاولى بالنصر .
وهذا التحذير من قبل المرجعية له ما يبرره خصوصا بعد ان بدأت الكثير من القوى السياسية وغيرها في التسابق من أجل مصادرة تلك الانتصارات تارة ومحاولة استغلالها لتحقيق اهداف سياسية تارة اخرى ، ومسألة الاستغلال السياسي كانت متوقعة جدا نظراً لقرب موسم الانتخابات وما يتطلبه ذلك الموسم من صفقات دسمة على حساب العراق والعراقيين من أجل الحفاظ على مكتسبات السلطة والنفوذ من قبل بعض الجهات المهيمنة على المشهد السياسي منذ (2003) .
لكن ما هو غير متوقع ان تسارع بعض القوى السياسية الى مداهنة ومجاملة بعض السياسيين الارهابيين الذين تورطوا بدعم الارهاب علانية وسراً وشاركوا في العمليات الأرهابية التي تعرض لها الشعب العراقي وساهموا في تمكين الدواعش من احتلال مدنهم وساهموا في اثارة الفتنة الطائفية من خلال المواقف والتصريحات العدوانية في اكثر من مشهد ومحفل ، وبعد كل ذلك الدمار والقتل الذي تسببوا به يتم دعوتهم للمشاركة في مؤتمر في بغداد لاعادتهم الى المشهد السياسي والاعلامي مرة أخرى في دلالة واضحة على الاستهانة بدماء الابرياء من قبل القائمين والمخططين لهذا المؤتمر ، ولقد تبين أن اسباب عقد هذا المؤتمر هو اولاً : اعادة هؤلاء السياسيين الارهابيين الى واجهة المشهد السياسي لتمثيل المكون السني ، وثانياً : للاستعداد لقطف ثمار المؤتمرات المانحة لاعادة اعمار المدن التي تعرضت لدمار الاحتلال الداعشي والذي أبدت دولة الكويت استعدادها لتكون المحطة الاولى في عملية جمع الدعم والمساهمات الدولية لاعادة اعمار تلك المناطق المحررة ، لذلك بادر خفافيش الارهاب والفساد ومن يتواطئ معهم في ادارة مؤسسات الدولة للاستعداد لسرقة ونهب الاموال المانحة والتخطيط لها مسبقاً ، لذلك كان موقف المرجعية الرشيدة واضحاً في ضرورة التصدري لمثل هذه المؤتمرات التي تصب في صالح الانتهازيين والمخربين ، وكذلك ضرورة الالتفات الى أن لا نسمح لتجار الأزمات باقتطاف الثمار ، والا أن المؤتمرات التي يشارك بها من تسبب بالفتن مرفوضة ومستهجنة ، وأوضح سماحته الى ان مثل هذه المؤتمرات المانحة للاعمار يجب أن لا يتاح المجال لتجار الفتن بالمشاركة بها ، وأكد كذلك على أنه ليس من الانصاف ان يقطف ثمرة هذا النصر من لم يكن لهم المشاركة في هذه المواجهة .
اما عن من يستحق التهنئة والوفاء بعد الانتصار الكبير بتحرير الموصل فأكد سماحة المرجع اليعقوبي أن الشهداء هم احق من تزف له بشرى النصر هم وعوائلهم وكل من شارك في هذا القتال وقدم التضحيات ، وأن تلك دماء الشهداء وتضحيات المقاتلين هي الاولى بالرعاية والعناية ، أن جزء من الوفاء للشهداء يكون من خلال رعاية عوائلهم والاهتمام بابنائهم من خلال توفير أسباب العيش الكريمة ، وأكد سماحته في لقاء سابق مع رابطة جرحى أبطال الجيش العراقي على نفس المضمون عندما أكد على اهمية تخليد ذكرى شهداء الوطن من مختلف الصنوف والتشكيلات ورعاية عوائلهم وتفقدها مادياً ومعنوياً وعدم اغفال دور الجرحى والمصابين والمعاقين، وبين سماحته على ان الشعوب تعتز بشجعانها وابطالها وتخلّد مواقفهم وبطولاتهم وتضحياتهم بمختلف الطرق والاساليب وتفتخر بهم امام العالم بأسره لتتناقلها الاجيال جيلاً بعد جيل .
ويرى المرجع اليعقوبي أن تحرير الموصل لا يعني نهاية المعركة وانما طوي صفحة من صفحات الصراع مع قوى البغي والضلال التي تتجدد نتيجة بقاء الاسباب التي تنتج التطرف والارهاب وعلى رأسها الاجندة التي تصنع وتغذي هذه القوى الظلامية وان ذلك يتطلب الحذر واليقظة بالاضافة الى السعي الجاد لأيجاد الحلول الناجعة والمعالجات السريعة لمسببات نشوء ووجود بؤر التطرف والعنف والتي تعرض لها سماحته في اكثر من خطاب في الفترة التي تلت سقوط الموصل ، وأكد كذلك سماحته على ان مكتسبات النصر وديمومته تكون من خلال معالجة واستئصال الافكار الضالة وليس فقط من خلال القضاء على العصابات التكفيرية ، وأن هذه المعالجة تنطلق من خلال جوانب رئيسية ثلاث هي الجانب التربوي والاخلاقي والسياسي ، وان المعالجة السياسية تكون من خلال حل المشاكل بالحوار والتفاهم بعيداً عن الاقصاء والتطرف والعنف الذي لا يفضي سوى الى مزيد من الدمار والقتل ، اما المعالجة الفكرية فأنها تتطلب مواجهة المد الارهابي فكرياً والوقوف على الأسباب الحقيقية لنشؤه وجذوره العقدية وان لا يقتصر على الاكتفاء بمعالجة الظواهر التي تنتج عن ذلك التطرف والارهاب .
وفي ختام الكلمة التي تعرض خلالها المرجع اليعقوبي الى الانتصار الكبير بتحرير الموصل أوضح ان احد أسرار انتصاراتنا يعود الى مقدار ارتباطنا بالله تبارك وتعالى والعقيدة الحقة وهو ما ميز معركة تحرير الموصل في جميع ابعادها الانسانية والعسكرية ، ورأى سماحته ان ذلك تجسد بشكل مثالي من خلال الانضباط الكبير لجميع صنوف القوات المقاتلة والذي ميز هذا الانتصار والمعركة عن بقية الحروب والصراعات التي يشهدها العالم في بقاعه المختلفة .
لقد سجل العراقيون تاريخاً جديداً مشرقا في سجل الانسانية والبطولة والمجد بعد أن استطاعوا في ظرف أشهر من تحقيق ما عجزت عنه أمريكا وحلفائها في سنوات وصنعوا من النكسة التي ألمت بهم انتصاراً تاريخياً واستطاعوا من خلاله تحرير الانسان وتطهير الارض من رجس الاحتلال الداعشي التكفيري .