كثير من العراقيين من يُؤْمِن بعدم جدوى وجود كردستان مع العراق. آخرون يعتقدون بوحدة الأرض، ويُثيرون شكوكاً عن وجود الكرد في هذه المناطق. الجدل لا ينقطع عن أحقية، أو عدم أحقية الكرد. ولكن الجغرافيا دائماً تفرض حقائق قسرية، قد لا يعتد التأريخ بها. ودون أي تحزب، فقد كان النظام السابق في العراق، الأكثر كرماً، في مسألة حقوق الكرد. فهو أول من منح حكماً ذاتياً للكرد في المنطقة. بغض النظر عما يقال، فالبعض يراه منقوصاً، والبعض الأخر يراه تفريطاً بأرض العراق. وآخرون يَرَوْن أن المشكلة لا تكمن بالحقوق، وإنما وراء الأكمة شيء آخر، وأولها الأطماع. التجربة الكردية، خلال أكثر من ربع قرن لم تفرز شيئاً متفرداً في السلوك الإجتماعي، ولا في البناء الديمقراطي. فشبح الدكتاتورية يطل برأسه على عموم أرض كردستان، وما أشبه اليوم بالبارحة. وكأنها إستنساخ لتجربة قاسية مرت على عموم العراق. عندما تطرح مقارنة بين التجربة العراقية، التي نسميها عرجاء، وبين تجربة كردستان، نجد أن تداولاً للسلطة في المركز، لا يتوفر مثله في كردستان. قد يقول أحد، إي تجربة تتكلم عنها، أقول في بغداد، هناك أكثر من مؤشر، لإمكانية إنتقال سلس للسلطة، والحكم، تجربة إنتقال السلطة من علاوي الى الجعفري، أو غير سلس، تجربة إنتقال السلطة من كل من الجعفري الى المالكي، والمالكي الى العبادي. وأخالها أكثر سلاسة لو إن العبادي لم يحقق ولاية ثانية في الإنتخابات المقبلة. وحتى تجربة المالكي ومحاولته تهميش البرلمان في دورته السابقة، لم يوفق بها تماماً. غير إن الأمر في تجربة كردستان، مختلف تماماً. والمتابع يستطيع، بكل بساطة، أن يقدم أمثلة متعددة، لشكل الحكم، وتعاطي السلطة. لن نحمل أي ضغينة على أحد. ولكن الحياة المشتركة للعراقيين بكل أطيافهم، تجعل هناك تعاطف، وتواد، بين تلك الأطياف. ولو كان الإنفصال يجلب حياة حرة كريمة لشعبنا الكردي، لباركنا بكل قوة، أرض كردستان، ومستقبل أهل كردستان. ولكنا نرى أن كل ما تفرزه التجربة لا تبشر بذلك. وكل الرجاء، أن لا تكون تجربة الإنفصال، مكيفة لمثل تجربة الوحدة بين العراق وسوريا عام ١٩٧٨، عندما لم يجد الفرد مكانه، أقبل على إفشال التجربة قبل أن ترى النور.
سؤال يبحث عن إجابة؟ مالذي يدفع الكرد أن يتطلعوا نحو الإنفصال في ظل نظام ديموقراطي؟ قد يكون هناك مبرر للخلاص بالنفس، من نظام قسري، دكتاتوري. والأمثلة شاخصة، في ايران، وتركيا، والى حد ما سوريا. ولكن ما هي مبررات الإنفصال لكردستان العراق، هل هي الدكتاتورية، ام قيود تسلط الدولة المركزية، أم التضييق الإقتصادي، والحصار، اللذان يمارسا ضد الأقليم. أم ماذا؟ أم ياترى، الدافع هو إستغلال الوضع الديموقراطي الهش في المركز، وضغوط حرب الإرهاب على الدولة، لتحقيق أحلام طائرة في الهواء، كأحلام الأمة العربية في تحقيق دولتها الواحدة، الموحدة، من المحيط الى الخليج. العراق بقضه وقضيضه، يعاني من الإستلاب من دول الأقليم المجاورة، فمالذي سيحدث للدولة الوليدة، المنتظرة، في خضم هذا البحر الهائج، من الأطماع المتلاطمة. الخفية منها، والمعلنة. ومن أين ستستمد، هذه الدولة الوليدة، قوتها، وديمومتها في البقاء. أنه حقاً توقيت سيّء، في ظرف سيء هو الآخر. والإنفصاليون لا يستطيعوا أن يقدموا تبريراً واحداً للإنفصال، سوى الأحلام القومية الوردية. ولن نخوف الكرد، إذا ما أرادوا الإنفصال، ولكنها حقائق واضحة للعيان. وإنهم سوف لن يجدوا فرصة، كالتي يوفرها العراق لهم، وبحبوحة كالتي هم فيها، للتقدم، وللعيش الرغيد. وقد يرى البعض من العراقيين، في ذلك الخلاص من حمل ثقيل، ومن قيد حز أيديهم. وإن ما لديهم من خيرات تكفيهم، للعيش لوحدهم، دون ما أحد يقاسمهم في ذلك. وفي النهاية، لا يجب على الأخرين، علا شأنهم، أم وطى، التلويح بالحرب، والخوض في الدماء، فهي دماء عراقية، لا يحق لأحد المتاجرة بها، لغايات توسعية، هم، يعلمونها، جيداً.