16 نوفمبر، 2024 2:25 ص
Search
Close this search box.

سعدي يشيّع نفسَه

القصيدة – المقطوعة التي نشرها سعدي يوسف عشية اعلان النصر على خنازير الدين الدواعش بعد ان انتهكوا الحياة الانسانية ودمروا آثارها ، واغتصبوا نساءها في مدينة الموصل العريقة ، وقعت كالصاعقة على كل من عرفه ، فهذا النص التافه المرتجل الوضيع الذي كتبه سعدي ، يشير الى حالتين لاثالث لهما ، البحث عن تصدر مشهد سحقت احداثه نرجسية سعدي وتناقضاته ، حيث فوجيء العراقيون بان (ابا حيدر) الجنوبي ابن البصرة الذي كتب وترجم عن الحرية والريف والحياة والتاريخ مئات القصائد الطليعية المتقدمة ، كاتب “الليالي كلها ” و”الاخضر بن يوسف” ، ينتقل من اقصى التطرف اليساري الى اقصى اليمين الديني ، مثلما انتقل سابقا في نضاله من الدعوة شعرا الى احتلال بلاده وتخليصها من صدام .. في قصيدة تقول :
هل لي أن أسأل توني بْلير:
إن كنتَ تُريد لـ”لندنَ”
ألاّ تُمسي “مستعمرةً” لعراقيين
فلماذا لا تطردُ صدّام الواحدَ
كي نرجعَ نحنُ،
ونحن ملايين اربعة
من ديوان سعدي يوسف (قصائد العاصمة القــــــــــــــديمة – اصدار دار المدى دار المدى 2001).

ثم الركوب المفاجيء لموجة “المقاومة” الملتبسة في احط صورها ومبرراتها وهي تقتل المدنيين وتترك المناطق الخضراء آمنة لمن فيها . ليرد على نفسه في قصيدة (مصر العروبة عراق العجم) عام 2014 :
(ما معنى أن تُستقدَم جيوشٌ من أقاصي الكوكبِ لتقتلَ عرباً عراقيّين ؟).
وكأنه ادرك متاخرا جدا ، ان استقدام توني بلير وجورج بوش صدام كان خطأ !!. الحالة الاخرى، وكنت مترددا في الاشارة لها كونها حالة صحية انسانية ،ولكن هنا ليس سوى سواها ، وهي الخرف والبحث عن فرص لتصدر الواجهة في بلد مأزوم ليلعب هذا الشاعر المعلمّ باعصاب تلاميذه من اجيال تبحث عن الامل ، فترى شاعرها العجوز يدوسه بحذائه ويتقيأ عليه .
الشاعر والوطن
حين سمعت عن تصريح لسعدي في احدى الدول العربية ( العراق لم يعد وطني ) وانه لم يعد يتشرف بحمل هذا الاسم : قلت حينها : ليترك قصائده ، ويشطب اسمه منها .. فالشعر هو الوطن ، والانسان دونه لقيط بلا رأي ولا هوية يبحث عن ظروف ومعطيات وطفولة جديدة لانتاج شعري مغاير ، مع دهشة من ان يصدر هذا عن سعدي الذي دخل السياسة لينتصر للحرية ، وهرب من بلاده ليكافح ضد الديكتاتورية ، و”دعا حتى الى اسقاط صدام بالحرب على العراق ” ، ثم يصل في خاتمته الى الاصطفاف مع ارذل وانذل جماعات دينية متطرفة عرفها الوجود على ارض العراق .. وقبلها دعا صراحة الى حرب عصابات داخل البلاد .
لاشك اني أحببت سعدي يوسف وتعلمت من قصائده مثل الكثير من الادباء العراقيين و العرب خلال الخمسين سنة الماضية ، ولاشك ان سعدي شاعر كبير لكنه مثل كثير من الشعراء ماهرين وكبار بيد أنهم لم ينصروا قضايا شعوبهم في اللحظات التاريخية ، فبدت اخطاؤهم كارثية هائلة الحجم والتأثير وهي تطعن مواطنيهم ، لاسيما في العراق ، البلد الذي توطأت عليه احزاب الدنيا والآخرة فراح يرنو الى رحمة ابنائه ، الى شفاعتهم وانصافهم وتضميدهم جراحه فيجدهم شامتين بموته ، مستهزئين بنصره ، يلفقون مثل السحرة القصص والتعاويذ لتهتك حياته وتاريخه . ولذلك لم يعد في هذا الاتجاه شاعر الدعوة الى احتلال العراق ثم مقاومة الاحتلال بحرب عصابات وقودها المدنيون ، ثم الكشف عن انياب طائفية مستترة مقرفه ، لم يعد معلّما ولا أبا ولا اخا ، ربما تقراه اجيال بعيدة بطريقة مختلفة ، لعلها لن تتذكر جريمة الراي التي ارتكبها لتقراه عراقيا من جديد.
الاسف والخاتمة
ما ان تأكد الارهابيون والداعمون لهم وابواقهم الاعلامية داخل وخارج العراق من تحقق النصر في الموصل وتحريرها من خنازير الدين ووحوش الغاب ، حتى انبرت الاشاعات والاخبار المفبركة ، منها ” خبر عن مقترح لهدم نصب الجندي المجهول ، وانشاء تمثال لشهداء سبايكر” ، وكأن أرض العراق ضاقت كي نتوسل نصبا قديما لنخلدهم به ، اضافة الى مقالة – قصيدة سعدي يوسف الانتحارية التي هاجم فيها أول رجل عراقي يُجمع عليه العراقيون ، واول قائد عسكري يقضي جميع ايام المعارك بين جنوده ، المهني واستاذ العسكرية الفريق عبد الوهاب الساعدي ، الذي سيشهد التاريخ أن بسيفه استقام الدين وهو يهزم وحوش داعش ويلعن نصوصهم، كما انتصر الوطن بتحرير اراضيه وإعادة اهله ، وتضميد جراح الهزيمة التي سببها الجبناء والفاسدون دون ان يحاسبهم احد، كما مسّ شريحة كاملة من اهل العراق المضحين الطيبين الاصلاء.
كلمات سعدي الجارحة والرد عليها واشغال الناس بالهجوم على كاتبها بقصد او دون قصد يحرف الاحتفال والحديث في النصر وتبعاته والفرح به فرحا باول ارض تستعاد بعد احتلالها، كما يجعل امة كاملة تريد الانتقام من رأي قيل في لحظة من جفاف الدماغ واصفرار الدم لشاعر كبير قرأناه بمحبة أمس ، وفجعنا بقراءته اليوم وهو يشيع نفسه بنفسه مأسوفا عليه الى سوء الخاتمة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات