23 نوفمبر، 2024 6:07 ص
Search
Close this search box.

على العراق السلام – 5 / خطرالرويبضين على الأمة

على العراق السلام – 5 / خطرالرويبضين على الأمة

شعوب كثيرة وأمم مرت بظروف شبيهة لما نحن فيه, من إهمال لمستوى الشعب الأجتماعي و الثقافي والعلمي والإقتصادي. وهبطت الى القاع الأجتماعي. ولكنها بفضل النخبة المثقفة والسياسيين الشرفاء نهضت وإلتحقت بركب الحضارة والرقي الحضاري والإنساني.فإنتزعت شخصيتها الوطنية من القاع ووحله. ووثبت لسطح الحرية والكرامة والنهضة, لتتنفس الحياة وتبدأ النهضة المطلوبة وتبني مسقبلها, وتكون عضوا فاعلا حركيا في المجتمع الأنساني الكبير لا في قاعه.
وليس ببعيد عنّا ما جرى لشعوب كوريا الجنوبية  وحروب الكوريتين وكيف إنتقلت كوريا الجنوبية من الفقر المقذع الى الغنى والتقدم في كل شيء, واليابان في آسيا بعد أن قُصفت بالقنبلة الذرية وإحتُلت. وإقتصاها اليوم من أقوى الأقتصاد في العالم, وجنوب أفريقيا في أفريقيا وقرون السيادة الأجنبية والتمييز العرقي والأبادة, والبرازيل في أمريكا اللاتينية.وربما الأقرب منّا الأتراك ونهضتهم الإجتماعية والأقتصادية الجبارة خلال فترة قياسية.بعد أن زال سلطان الهيمنة العثمانية وسقوط السلطنة وتفككك الدولة. ومن يذهب الى تركيا يرى بأم العين النهضة الحاصلة فيها, إضافة لما يجري من تطور سياسي وديموقراطي, بعد تقليم أظافر العسكر وإنتزاع سلطة القرار منهم وإعادتها للشعب .كل هذا جرى بفضل النخبة الصالحة التي تشربت الوطنية في دماء قادتها. ولم يكن ولائها إلا لبلدانها وشعوبها, لا الألتصاق والذيلية للقوى الأقليمية والدولية بخنوع ومذلة, لقاء دريهمات ومراكز سلطة لن تدوم, وقد تذهب مع الريح في أي لحظة ,كما ذهب سلطان  القذافي وما يملك. وذهب غيره من الطغاة ومن غرتهم السلطة في أقطار أخرى بعد أن  أذلّوا الشعوب وداسوا على الكرامات.ونسوا إن القدر وسوء حال الأمة وهبوط ثقافاتها,هو من مهّد لهم عزّهم الزائف ومجدهم الموهوم الذي تهاوى كما يتهاوى بيت العنكبوت, لأنهم لم يسندوا ظهورهم للشعوب, بل إستندوا على زمر من المنافقين وبائعي الذمم والوعّاظ المأجورين والرداحين. فلم يدم لهم الأمر. وإستيقظت الشعوب وإنتفضت وإنتزعت حريتها من سالبيها.
وليس من العيب أن يضع الشعب نفسه أمام المرآة وينظر لحاله وواقعه, ويتفكر في أمره ويستعرض واقعه الحضاري والأنساني منذ القرن التاسع الميلادي ليومنا هذا؟ واين نحن وأين موقعنا من المجتمع الأنساني  وما هو تسلسلنا في سلّم النهضة
 والحضارة العالمية اليوم لا بالأمس ؟وأين نحن من حقوق الأنسان أولا؟ وهل هيأت لنا النخبة السياسية والكتل والأحزاب ما نستحقه من هذه الحقوق ؟أم إن واقع الحال هواء في شبك وخذلان وتنكر وتسويف ومماطلة ووعود كاذبة ودجل رخيص وتسويف وتسويف؟نحن لا ننكر وجود هامش من الحرية. ولكن هل قانون الأنتخابات الساري المفعول والذي سنته هذه الكتل يحقق للشعب تمثيلا صادقا ويعكس إرادة الأمة؟ هل مجلس النواب تصرف بوطنية بعيدا عن المحاصصة السياسية والطائفية والأثنية عند إختيار مفوضية حقوق الأنسان؟ أم جرى ذلك وفق رغبات أشخاص تحاصصوا وتشاركوا في كل شيء وبيدهم كل شيء ولا ينقصهم شيء؟وها هيّ الدورة الأستحواذية تدور بنفس العقارب وبذات الأسلوب وبنفس النتيجة فآلت مفوضية الأنتخابات ورميت في أحضان المحاصصة الطائفية والعرقية. فلم تكن مفوضية حقوق الأنسان مستقلة ولن تكون مفوضية الإنتخابات مستقلة ,كما يقول المثل المصري كل محصل بعضو.فشعب العراق ومصيره بات مرتهنا لأرادة ورغبات  عدة أشخاص وهؤلاء يرون مصالحهم لا مصالح الأمة
سُؤل يوما الرسول الأعظم :متى تقوم الساعة يا رسول الله فقال:عندما تتحكم الرويبضة في رقاب الناس.ويبدو إن الساعة قد قربت. والرويبضة وببساطة اقول وحسب معرفتي المتواضعة إنها مُصغّر للرابضة وهو الراعي الحقير مجهول النسب.ولا نقصد هنا التحقير والإساءة لمهنة الرعي والرعاة ولا نقصد الأهانة لأحد فربما لنا أجداد كانوا كذلك. ولكن المقصود هو من يقترف جريمة مخلة بالشرف أو موبقة ويهرب من قبيلته متسترا ويلجأ الى قبيلة بعيدة ولا يُعرّف الناس بنسبه وأصله وفصله وسبب هربه المخجل. خوفا على مصيره وحياته. فيعيش ذليلا . ينمو عنده الحقد والكره للباقين, متمنيا أن ياتيه اليوم الذي يسود فيه فيذلهم ويسومهم سوء العذاب ويسقيهم من كأس الذل والهوان الذي شربه. فينتظر الفرصة ليشفي غليله ونفسه المريضة الحاقدة.
فتصور ماذا يصنع هذا الرويبضة عندما يتحكم في رقاب الناس وكيف يتعامل مع الأشراف والعلماء وعلِّية القوم؟وهو الجاهل الحاقد الموتور من المجتمع.وما بالك لو إلتألم شمل الرويبضين وتعاهدوا على الأنحدار بالأمة الى قاع قاع المجتمع الأنساني .فأي خطر أدهى على هذه الأمة وأي خطب أعظم من هذا؟بالتأكيد فإنهم سيقودون سفينة الشعب الى الحضيض. فهم لا دراية لهم بالبوصلة وسيهشمون المجاذيف  ويحطمون بجهلم الدفة.وستضيع الأمة في لجج من التخلف والدمار والفناء بعد ان يُهلكوا الأنفس ويستنزفوا موارد الشعب ويتلفوا مافي الوطن من إقتصاد وبنى تحتية ومؤسسات.وسيُغرقوا السفينة بمن فيها بعد يهبطوا بها الى القاع المعتم.وهم معتقدون بأنهم ناجون بجلدهم وإنهم سيقفزون  الى شواطئ الأمان قبل الغرق. ولكن هيهات هيهات فهذا لن و لن يحصل. فسيكونوا في طليعة الهالكين.وستطير أحلامهم وحساباتهم أدراج الريح التي ستعصف بهم قبل الغير. والشواهد قريبة وواضحة للعيان. ولكن أين من يتعض.فقد تمكنت العزة بالأثم منهم.وتاهوا وسدروا في الغي. إنا لله وإنا إليه راجعون.
نحن كشعب في قاع المجتمع الأنساني فكل شيء ومنذ عقود  بيد الجهلة من المحسوبين والمنسوبين والأميين والبعض من مزوري الشهادات. فهم الأحرار في التصرف وهم المهيمنون على مقادير الأمة وهو المستحوذون على المناصب والمال العام وهم ألو الأمر. أمّا بقية الشعب  فليسوا سوى رعية وعليهم السمع والطاعة, وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور والتهم جاهزة مسلفنة لمن يعترض ولو بالأشارة. كانت التهمة في السابق الأنتماء لحزب الدعوة أما اليوم التهمة 4 إرهاب أو المساءلة والعدالة. ولكن دون عدالة وبتمييز معيب وحسب العلاقة والمصالح.
لم يتغير شيء. ذهب حكم شمولي لحزب واحد وحل محله حكم شمولي لعدة أحزاب وكتل تتشارك في الغنيمة. وليس هناك في مفاصل الدولة ومؤسساتها وقياداتها إلا النزر القليل من المخلصين وذوي الكفاءات العالية.والشعب يعرفهم ويقدرهم إلا إن كلمتهم كما يبدو غير مسموعة وهم مكبلون بالمحاصصة وتداعياتها.ولا حول لهم ولا قوة. والشعب محروم من كل شيء.فقد عظم جيش المرتزقة والطبالين والزماريين ومدّعي الدين والوطنية وإنكمش الشعب وإنكمشت قواه الوطنية لأن القوى المتحكمة لم تترك لها مجالالصنع القرار أو المشاركة فيه.لأنها محكومة بالمحاصصة. رغم حكم المحكمة الأتحادية الذي نص على أن توزع المقاعد التعويضية لمجلس النواب ومجالس المحافظات على من حاز على أعلى الأصوات. والبعض يصر على سرقة أصوات الشعب ويجيرها لمصالحه  .فإستأثروا بهذه المقاعد لهم ولمن لف لفهم من مريديهم وحواريهم ومن يأتمر بأمرهم. وهُزم الشعب وقُهر وإنحدرت الأمة الى قاع المجتمع الأنساني.
إقتصاد بلدنا وميزانية دولتنا ميزانية تشغيلية وليست إستثمارية.والدولة لا قدرة لها إلا على التوظيف في دوائر الدولة أو القوات المسلحة المترهلة غير المهنية وغير المقتدرة.فلا مشاريع إستثمارية في الصناعة أو الزراعة أو الإسكان, ولا تحسن في الخدمات والرعاية الأجتماعية والصحية ولا تطوير للجامعات والمعاهد ومناهج الدراسة وإنما تردي فاضح وإهتمام بالقشورلا باللب والجوهر المطلوب.وكل هذا لعدم مقدرة وكفاءة ونزاهة غالبية من يتصدى لرفع شان الأمة وإنتشالها من قاع
 المجتمع الأنساني .كنا نأمل بعد التغيير أن نُنتشل من قعر قاع المجتمع الأنساني. ونطوف في باحات التحضر والتمدن والتقدم العلمي والحياة الأنسانية أسوة بشعوب الأرض, لا سيما نحن نمتلك من الثروات والقدرات البشرية والتنوع الطبيعي ما تحسدنا عليه الشعوب. ولكننا ومع الأسف الشديد عدنا قرونا للوراء. فبدل التمدن وإقامة دولة القانون ودولة مؤسسات المجتمع المدني وممارسة الديموقراطية الحقة غير المنقوصة والمشوهة كما هو  حالنا اليوم ,عدنا للقبلية والعشائرية لضعف الدولة وضياع هيبة القانون وعدم ثقة المواطن بقدرة الدولة على حمايته وصون
 كرامته وأمنه.فهل من المعقول أن يتردد الطبيب الجراح أو الطبيب المخدر الف مرة او يمتنع الجرّاح عن إجراء عملية جراحية أو تخدير مريض إلا بموافقة شيخ عشيرة المريض خوفا من طلب إهله الدية إن حصل له مكروه.وقد فعلها الكثيرون وأجبروا الأطباء على دفع الدية عن أمر ليسوا سببا فيه؟ وهكذا شأن القاضي والموظف الحكومي وكل صاحب قرار وفق القانون واللوائح والنظام.فالكل يخشى  سلطةالقبيلة فهي فوق القانون وفوق كل إعتبار بدون رادع.
فمن المسؤول عن إنحدار شعبنا الى قاع المجتمع الأنساني؟ أليست هيّ المرجعيات السياسية والأجتماعية و الدولة بسلطاتها وأحزابها وكتلها ومجلس نوابها.وإن أردنا الحقيقة فالمسؤولية تطال الشعب كله وبخاصة النخبة من المثقفين لأن الفروض إنهم الطليعة التي تحرك الأمة وتستنهضها. فقد قيل : كيف ما تكونوا يولى عليكم.
هل بات محتّما أن يُقرأ على العراق السلام؟ بعد أن أُّحبط الشعب وأُصيب بالغثيان من تصرف الساسة والممسكين بخيوط اللعبة السياسية الغير نزيهة.
إن ما يثير القلق على مصير الأمة هو هيمنة العديد ممن هم في قاع المجتمع على مقاديرها بعد أن أخذت بتلابيبها و شدّتها الى قاع قاع المجتمع ,و تراجع دور المثقفين والعلماء  والأكاديميين والفنانين وإنزوائم أو هجرتهم أو تصفيهم جسديا أحيانا أُخرى. ولم يبقَّ في الساحة إلا الرويبضين الذين تصدروا المجتمع بعد أن إجتمعت لديهم سلطة المال والقوة والجاه.
نحن بحاجة لدراسة معمقة لواقع حالنا البائس وإستنباط الحلول ووضع الخطط للأصلاح الأجتماعي بالدرجة الأولى, ثم الثقافي والعلمي والمعاشي والخدمي وتحقيق العدالة والنزاهة. لا لأجتماع محاصصة في أربيل أو النجف وتكرار تباوس اللحى وإقتسام الغنيمة. ولا نريد أن يكون تحصيل الحاصل لقاء لا نرتضيه  في نقرة السلمان. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات