الإرهاب الفكري يشكل الخطر الأكبر الذي يهدد البشرية عموما، لأنه هو الشريان الذي يغذي كل أنواع الإرهاب، بإعتبار ان السلوكيات هي ترجمان لما يختلج ذهن الفرد من افكار وتصورات وعقائد، ان صلحت صلحت السلوكيات، واليوم وبعد التفوق المعلن على تواجد تنظيم داعش في بعض الدول والمناطق وخصوصا في الموصل الحبيبة، تباشر الكثير ونحن معهم بهذا الإنجاز النسبي، لكن وبنظرة موضوعية وقراءة شاملة تقريبا لبعض المعطيات والتداعيات والأحداث التي تحدث هنا وهناك وما افرزته التجارب السابقة وحتى الأنية، يدفعنا الميول الى الإعتراف بحقيقة لاشك فيها ولا مناص من مواجهتها ودراستها وتحليلها، من أجل الوصول الى نتائج واقعية، وعلى ضوئها نضع الحلول الناجعة،
وهذه الحقيقة هي ان زوال داعش وإن فرضنا تحقق كليا، فهذا لايعني حتما زوال الإرهاب، لأن الحديث عن القضاء على داعش عسكرية ان تم فهذا ليس بالضرورة يعني انتهاء الإرهاب، لكون أن العوامل التي أدت الى نشوء داعش لم يتم استئصالها بعدُ، ومنها العوامل السياسية والأجتماعية وملازماتها وغيرها من العوامل التي يطول المقام بذكرها، وهي ليست بخافية على الكثير، لكن أهم العوامل وأخطرها هو العامل الفكري واقصد الأيديولوجية والمنظومة الفكرية التي تغذي داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية وتشرعن جرائمها، فهذه المنظومة الفكرية والتي عمرها سبع او ثمان قرون لازالت تعشعش في أذهان الكثير، وتتحكم في تفكيرهم وسلوكياتهم ومواقفهم، والتي لم ينبري الرموز والمؤسسات الدينية من وضع استيراتيجية كاملة وناجعة من أجل دحض تلك المنظومة الفكرية الإقصائية، نعم بادر البعض الى معالجتها لكن ضمن مستوي ضيق جدا وأسلوب لا يرتقي الى حجم الخطورة،
فلهذا وغيره من الأسباب بقيت المنظومة يتوارثها من انخدع بها جيلا بعد جيل حتى باتت أمرا مستحكما تحتاج عملية استئصاله الى جهود مضنية ومكثفة واستيراتيجية شاملة ناجعة يتضامن الجميع في مسؤولية تطبيقها وكل حسب مكانته ومسؤوليته، فالإستيراتيجية الناجعة للقضاء على الإرهاب بكل اشكالها واستئصال افرازاته وغدده السرطانية تكمن في المواجهة الفكرية لتلك المنظومة الفكرية التي تغذي الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، كداعش وغيرها، ومن مقومات نجاح تلك الإستيراتيجية هي اعتمادها المنهج العلمي الشرعي الوسطي في الحوار، لأن الحور اذا سيطر عليه التطرف والتعصب وخرج عن ادبيات الحوار العلمي، فإن النتائج ستكون عكسيا تماما ومنها وأخطرها هو تمسك الإطراف التي تعتنق الفكر والعقيدة التكفيرية الإقصائية بمواقفها وسلوكيتها، وايضا سيؤدي الى تعميق وتكريس عقيدتها وتتصاعد عندها رغبة الإنتقام،
ومما يؤكد أن المواجهة الفكرية هي الحل الناجع للقضاء على الإرهاب والتنظيمات المتطرفة وأن الحلول العسكرية لا تستطيع وحدها انهاء الإرهاب فضلا عن استئصال جذوره، هو ما نوهنا اليه سلفا ونقصد به اننا عشنا تجربة تنظيم القاعدة (مثلا) وغيره، فبالرغم من ان الجبهة التي تدعي انها قضت على التنظيم لكن الواقع يشير الى عكس ذلك، نعم تم تحجيم التنظيم نسبيا لكن لم يتم اجتثاثه كليا، وهذا امر لاخلاف عليه بدليل بقاء هذا التنظيم يمارس نشاطاته في بعض الدول والمناطق، وحتى لو سلمنا ان الإستراتيجية العسكرية استطاعت ان تقضي على القاعدة كليا لكنها لم تقضي عليه فكريا، فبدل تنظيم القاعدة ظهر تنظيم داعش وبصورة ابشع من القاعدة، ولم يسبق لها نظير، ذلك لأن الفكر الذي تتغذى عليها القاعدة لم يتم معالجته فكريا، فبقي يغذي ويدس سمومه فأنتج داعش، واليوم حتى لو سلمنا وقلنا بزوال داعش بفعل المواجهة العسكرية لكن هذا لا يعني استئصال داعش،
وهذا امر كشفت عنها التصريحات التي اطلقها المسؤولون الأمنيون المحلييون والدولييون وغيرهم من ان داعش يعد العدة للملمة جراحاته والقيام بنشاطاته، بل انه قام فعلا ويقوم بنشاطات إجرامية في المتاطق والدول الأكثر أمنا كما حدث في الدول الأوربية وما سمعناه عن محاولته لإستهداف البيت الحرام وتبنيه عمليات تفجيرية هنا وهناك ، ولو فرضنا وفرض المحال ليس محال انه تم القضاء على داعش كليا، لكن سيظهر لنا ما هو أخطر من داعش فبالأمس قالوا تم القضاء على تنظيم القاعدة لكن سرعان ما ظهر داعش وصاروا نترحمون على القاعدة، فايضا لو زال داعش بالمواجهة العسكرية فانه سيظهر اخطر من داعش وسيترحمون عليه، كما ترحموا على القاعدة ما دامت المنظومة الفكرية التكفيرية شاخصة تغذي هذا وذاك من التنظيمات، وختاما نقول أن الحل الناجع يكمن في المواجهة الفكرية التي تُثبت بالدليل الساطع والبرهان القاطع بطلان المنظومة الفكرية التكفيرية الإقصائية التيمية التي تعد مرجعا ومشرعا لكل التنظيمات الإرهابية وخصوصا، والمرحلة تشهد بروز خط وسطي معتدل تكفل تلك المواجهة واستطاع ان يُثبت بطلان الفكر التكفيري، فالمسؤولية الشرعية والأخلاقية والإنسانية والتاريخية تستدعي وقفة تضمانية من أجل ايصال الفكر الوسطي المعتدل الى من غرر بهم الفكر التكفيري. ولاجل تحقيق الأمن والسلام العلمي واحترام حرية الفكر والعقيدة فنحن بحاجة ماسة لمواجهة فكرية عادلة تستأصل كل جذور الأرهاب الفكري مهما كان انتمائه ولقد صدقت المقولة: هذه هي حقيقة الأمر فلا خلاص للإسلام والمسلمين ولا للإنسان والإنسانية في الشرق والغرب إلّا باستئصال هذا الفكر التكفيري الداعشي لابن تيمية المارق القاتل الإرهابي ولأمثاله في باقي الديانات؛ المنتسبة إلى المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو غيرها .