لم يطرق لسمعٍ، إن تنويرياً قتل ظلامياً، لظلاميته. أو إن مفكراً حداثياً، قد سعى بقتل متخلفاً، دينياً، من مراجع عقول عصر الإنحطاط، والتخلف. ولم يُسمع، أيضاً، أن مصلحاً، أو فناناً، أو موسيقياً، أو أديباً، أو كاتباً، أو شاعراً، حرض بالقتل، على آخره من متخلفي المنابر، أو الحلقات المدورة. الذين يملؤون الدنيا عبثاً، وضجيجاً، دون رادع. القتل جريمة بشعة. لا يرتكب فعلها إلا مختل، مريض، إنحرف سلوكه، عن الطريق القويم، لمسرى البشرية. ولا يفعلها، إلا عقيم، لأنها الطريق الأقصر للخلاص، من الظاهرة النيرة. ولأن القاتل، المجرم، عاجز عن مواجهة ما تفرزه الحياة، لكي يقارعها بما لديه. ولأن ما لديه لا يساوي شروى نقير، فإنه يصول على مَن حوله، بفرض ما يحمل من بدع متخلفه، يجب الأخرين على قبولها بقوته، وبطشه، ساعة إنفلات قوة القانون العام. وبغياب سيطرة قوى الدولة، المتحضرة، ومؤسساتها القضائية، وبسبب، ضعف أجهزة الأمن الوقائي، مما، يصبح المجتمع، عرضة لهجمات قطعان التخلف، والجريمة المنظمة، وغير المنظمة، بين حين وآخر. وتسود، خلال ذلك، شريعة الغاب، عموم المجتمع. وتنحسر آفاق، ورؤى التحضر، والمدنية. ليحل بدلاً عنها أعصار الجهل، ومفاهيم الرجعية، والظلامية، والإجرام.
شهد العالم، أمثلة كثيرة، ومثيرة، طيلة المسيرة الإنسانية، لتأريخه الطويل، الحافل. لا يمكن حصرها، ولا تعدادها. منها ما ظهر للعلن. ومنها من لم يظهر، أو ضاع في طيات النسيان. وهذه الأحداث الإنسانية، منها الحدث الكبير، ومنها الحدث الصغير، ولكنها تلتقي في إنسانيتها. فلقد قتل سقراط لأنه تنويري. وأجبر غاليليو على التراجع عن حقيقة علمية، بفرط ضغوط الظلاميين عليه، وتهديدهم له بالقتل. وكم من التنويريين، والتنويريات، قتلوا، أو إحرقوا، بسبب معتقداتهم. وفِي التأريخ العربي قتل الحلاج، وقتل إبن المقفع، بأبشع ما في القتل من صور، ليس إلا لتنويريتهما، ورفضهما الدوران في دوائر التخلف، والتحجر. وأحرقت كتب، وأخفيت حقائق، بفعل طغيان الجهل، وسيطرة الظلاميين. وفِي العصر الحديث، أعدم محمود محمد طه لأنه رفض ما يشرعون بأسم الدين، زوراً. وقتل علي شريعتي في وسط لندن لأنه من المحدثين في الدين، وفي علم الإجتماع، ومن المفكرين الإسلاميين التنوريين، وبسبب رفضه لبدع الظلاميين. وقتل أحمد كسروي، لكونه مفكر تنويري، ذو نزعة للمدنية، والعصرنة، ويجانب البدع، والشعوذة، وأخلاقيات الدجل. وأغتيل حسين مروة، ومهدي عامل لأنهما مثقفان تنويريان، سعيا الى إحداث نقلة ثقافية معاصرة. وقتل فرج فودة، لأنه مفكر يرفض الخرافة، ويرفض تسخير الدين لأهداف ليست لها صلة بأغراضه الأخلاقية النيرة، ولأنه حداثي. وحاولوا إغتيال نجيب محفوظ بعد أن كفروه، وكفروا معه نوال السعداوي. كما كفروا من قبله معروف الرصافي، والزهاوي، ومن بعدهما حسين مردان. والقائمة تطول، عند البحث في هذا الطريق، ومنعرجاته المؤلمة المتشعبة.
كرار نوشي. شاب له رؤية خاصة، في المظهر، وفي الأزياء. لم يثبت إنه مفسد في الأرض، حتى يقتل. بل إن جميع الدلالات تشير الى أنه شاب طموح، بتحصيله الدراسي الأكاديمي، وفي ريعان العمر، يتلمس طريقه كفنان، وله معتقدات خاصة به، وهو، من طليعة المجتمع العراقي. ولم يظهر، أنه خليع، أو أنه من عائلة متهتكة، بل كان من عائلة عراقية، بسيطة، فقيرة، كحال كل العوائل العراقية. بل إن ظرفه، الإقتصادي، كان من أشد الظروف، كحال أغلب العراقيين. فمالذي دفع هؤلاء، المجرمين، الى قتله، أو من هي الجهة التي حرضت على قتله. إنهم، ما كانوا يفعلوا ذلك لولا أنهم يعلمون، ومتيقنون، إنه يشكل ظاهرة، مهما تكن بسيطة، هي خطوة في طريق التحضر، وهذه، تقلق القتلة، وتقيض عليهم مضجعهم. وهم، الذين أثبتت مجريات الأحداث، أنهم، المستفيدون، من مثل هذه الحالة، من الإنحطاط. وهم، الداعون الى تجهيل الناس، لغاية يعلمونها. لأن بضاعتهم، لا تسوق في النور. وإنما، هي، بضاعة كاسدة، تروج في زوايا التخلف، وفي دهاليز الظلام. ما يلفت، أن يقول البعض، من المتخاذلين، الذين أناخوا، أنفسهم، لهيجان العاصفة، ماذا لو أنه ساير هؤلاء الذين هددوه، وأمتثل لإرادتهم. لكان قد إدخر حياته، وحافظ على نفسه. لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فَلَو انه ساير هؤلاء، وأمتثل لأمثالهم، وانصاع لضلاميتهم، لما كان، هذا الذي فجع فيه العراقيون، ولما كان، هو، كرار، الذي يكتب عنه الآن، الكثيرون. وسيكتب آخرون عنه في المستقبل.