19 نوفمبر، 2024 1:33 م
Search
Close this search box.

“الحرس الثوري” الإيراني .. هل بات يهدد إسرائيل ؟

“الحرس الثوري” الإيراني .. هل بات يهدد إسرائيل ؟

كتب – سعد عبد العزيز :

لا تزال الحرب الأهلية مشتعلة في سوريا ولم تنتهي المعارك التي يشنها الجيش العراقي ضد مقاتلي تنظيم الدولة, وفي ظل تلك الأجواء يتمدد نفوذ طهران سواء عن طريق قواتها العسكرية أو عن طريق الميليشيات الشيعية, حتى اقترب التهديد الإيراني من حدود الدولة العبرية.

وفي هذا السياق نشر موقع “ميدا” العبري مقالاً للكاتب الإسرائيلي “مردخاي كيدار” تناول فيه استمرار التمدد الشيعي الإيراني في الشرق الأوسط, مؤكداً على أن القوة الإيرانية في سوريا لم تعد تعتمد على مجرد ميليشيات أو عصابات بل تحولت إلى جيش مسلح بكل ما تعنيه الكلمة. ويرى الكاتب أنه في الوقت الذي تفضل فيه كل من روسيا والولايات المتحدة غض الطرف عن التمدد الإيراني فإن إسرائيل لا بد لها أن تدرك خطورة الواقع الجديد.

إيران أصبح لها جيشاً متكاملاً في سوريا..

يبدأ الكاتب الإسرائيلي “كيدار” تحليله قائلاً: “لقد اعتقد الإسرائيليون خلال العامين الماضيين أن روسيا أرسلت قوات إلى سوريا وأنها تسيطر على منطقة الساحل السوري وعلى الموانئ البحرية وعلى قاعدتين جويتين. واعتقدوا أيضاً أن تنظيم “حزب الله” هو مجرد ميليشيات شيعية لبنانية وأنه متورط في الحرب السورية. وسمعنا عن ميليشيات شيعية أخرى قد وصلت من العراق وأفغانستان تحت قيادة “الحرس الثوري” الإيراني, وهي من حين لآخر تتكبد خسائر في سوريا. وكان الانطباع السائد هو أن إيران لم تُرسل سوى عصابات شيعية لمحاربة ميليشيات سنية على الأراضي السورية”.

لكن الواقع مختلف تماماً, فالقوة الإيرانية في سوريا لم تعد منذ فترة طويلة مجرد عصابات أو ميليشيات بل إنها أصبحت جيشاً مسلحاً متكاملاً, يعمل تحت قيادة “الحرس الثوري” الإيراني, ويمتلك وحدات من المشاة والكوماندوز والمدرعات والمدفعية والطيران والاستخبارات بالإضافة إلى وحدات لوجيستية. وتم بناء ذلك الجيش الإيراني على الأراضي السورية بعيداً عن وسائل الإعلام, على مدار الأربع سنوات الأخيرة.

تمدُد النفوذ الإيراني..

يرى الكاتب الإسرائيلي أن أكبر عملية عسكرية شارك فيها الجيش الإيراني في سوريا كانت هي عملية تحرير مدينة حلب الواقعة في شمال سوريا, وحدث ذلك في كانون أول/ديسمبر 2016. وتمت العملية بالتعاون الروسي الإيراني حيث قامت الطائرات الروسية بقصف الأهداف من الجو بينما قامت القوات الإيرانية بمشاركة “حزب الله” وميليشيات شيعية أخرى بالهجوم البري ثم تسليم المناطق المحررة لجيش “بشار الأسد”.

ومنذ بداية هذا العام (2017), تقوم إيران بتوسيع مناطق نفوذ قواتها لتشمل المناطق الصحراوية في وسط سوريا وجنوبها, وهي المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “داعش” السني قبل بضعة شهور, وهو الآن يحارب لمجرد البقاء في ثلاث مناطق وهي: “مدينة الموصل في العراق, والرقة, وهي عاصمة التنظيم في سوريا, ثم منطقة دير الزور في شرق سوريا”. وعندما تسقط الموصل بكاملها في أيدي الجيش العراقي من المرجح أن تسقط أيضاً الرقة ودير الزور.

حرب المعلومات بين إيران وإسرائيل..

يؤكد “كيدار” على أن القوات النظامية الإيرانية استغلت فراغ السلطة الذي خلفه انسحاب قوات “داعش”, فسيطرت على المناطق الصحراوية في وسط سوريا وشرقها. وحسب التقدير فإن إيران باتت تهيمن حالياً على أكثر من 60% من مساحة سوريا, سواء كان ذلك بشكل مباشر عن طريق القوات النظامية التابعة للحرس الثوري أم بشكل غير مباشر عن طريق “حزب الله” والميليشيات الشيعية الأخرى. ومعظم تلك المساحات صحراوية وليس بها كثافة سكانية.

يضيف الكاتب الإسرائيلي أن القوات العسكرية الإيرانية في سوريا لديها عدة قواعد هامة, تتيح لها الحرية الكاملة في التحرك والمناورة. وأول تلك القواعد هو مطار تدمر الواقع في وسط الدولة والذي يتيح لإيران إمكانية إرسال جميع المعدات العسكرية والذخائر لسوريا عن طريق النقل الجوي المباشرة. وتشعر إسرائيل بالقلق الشديد جراء هذا الوضع, مما جعلها تشن هجوماً في آذار/مارس الماضي ضد أهداف في منطقة تدمر لتدمير مستودع للصواريخ التي وصلت من إيران.

ولقد طرأ تحول كبير في أسلوب التحرك الإيراني: فحتى فترة قريبة كانت إيران تخدع إسرائيل باستخدامها الرحلات الجوية التجارية لإخفاء الأسلحة والصواريخ التي ترسلها إلى مطار دمشق الدولي. وكانت إسرائيل تستهدف مخازن الأسلحة في ذلك المطار والمناطق المجاورة له بمجرد تلقيها معلومات. وأدرك الإيرانيون أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تجند عملاء سوريين من أهل المنطقة لتزويدها بالمعلومات. كما أن قرب دمشق جغرافياً من إسرائيل يتيح للجيش الإسرائيلي شن هجمات ناجعة ضد الأهداف الموجودة بالقرب من العاصمة السورية. لكن في المقابل فإن مطار تدمر يبعد مئات الكيلو مترات عن إسرائيل ويقع في منطقة قليلة السكان وإذا استخدمته إيران بشكل مباشر سيكون من الصعب على إسرائيل تجنيد عملاء لتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية عن الأسلحة الإيرانية. إلا أن إسرائيل على علم  أيضاً بما يحدث في تدمر ربما من خلال معلومات تصلها من مصادر أخرى. وتلك القضية توضح إلى أي حد تتواصل حرب العقول والمعلومات بين إسرائيل وإيران.

الزحف الإيراني نحو البحر المتوسط..

يشير “كيدار” إلى أن إيران بدأت في تشغيل مطار آخر وهو مطار “السين” الواقع في منطقة “التنف” بجنوب سوريا وقرب المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن. وبالقرب من ذلك المطار يوجد معبر حدودي بين العراق وسوريا, وإذا هيمن عليه الإيرانيون سيمكنهم نقل ما يريدون من أسلحة ومقاتلين. كما أن النشاط الإيراني بطول الحدود السورية العراقية يهدف لخلق اتصال بري يربط بين إيران وسوريا عبر العراق. وهذا التواصل البري سيتيح لطهران إرسال قواتها دون أي عائق من إيران إلى لبنان الواقعة أصلاً تحت سيادة “حزب الله” الذي يمثل الذراع اللبنانية للأخطبوط الإيراني. وبذلك فإن إيران في طريقها لتصبح دولة إقليمية عظمى تهيمن فعلياً, من خلال قواتها العسكرية, على مناطق شاسعة تمتد من وسط آسيا وحتى ساحل البحر المتوسط.

أولويات واشنطن في الشرق الأوسط..

يقر الكاتب الإسرائيلي بإن الولايات المتحدة الأميركية ترى التمدد الإيراني في سوريا والعراق منذ أربع سنوات ولكنها لا تحرك ساكناً. وحتى كانون ثان/يناير 2017 كانت واشنطن توافق على هذا التمدد الإيراني من خلال غض الطرف عن ذلك, حيث كان “أوباما” يريد تنامي قوة إيران على حساب المملكة السعودية. بل ربما كان يفضل تمكين الشيعة العرب والإيرانيين من السيطرة على منطقة “المشرق” الواقعة شرق إسرائيل, أما منطقة “المغرب” – بداية من مصر باتجاه الغرب – فكان يريدها تحت هيمنة المسلمين السنة.

ومنذ أن تولى “ترامب” منصب الرئيس الأميركي, جعل هدفه الأساسي في سوريا هو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. وتركز الولايات المتحد حالياً على بناء قوات معارضة معتدلة, إلى جانب التحالف مع الأكراد للقضاء على ما يسمى بدولة الخلافة بقيادة “أبو بكر البغدادي”. وسبب تركيز واشنطن على “داعش” هو الخوف الأميركي والأوروبي من أن يتحول ذلك النظام السياسي الإرهابي للدولة الإسلامية إلى نموذج ناجح في نظر المسلمين, وهو ما قد يؤدي لإقامة جيوب تابعة للدولة الإسلامية في أرجاء العالم بما في ذلك أوروبا بدعم من الطوائف الإسلامية المحلية.

مُخطط روسي أميركي لبسط النفوذ الإيراني..

يلفت “كيدار” إلى أن “ترامب” لا يرى في تنامي القوة الإيرانية في سوريا خطراً يستوجب التصدي له بقوة. لذا فلم توجه الولايات المتحدة الدعوة لانعقاد مجلس الأمن الدولي لبحث تلك القضية, علماً بأن قرارات مجلس الأمن الدولي لا تسمح لطهران بإرسال أسلحة خارج حدودها. وهناك مسؤولون في الإدارة الأميركية يرون أن الهيمنة الإيرانية على الصحراء السورية تعد أمراً إيجابياً لعدم إحداث فراغ للسلطة في تلك المناطق, لأن مثل ذلك الفراغ قد يؤدي في النهاية إلى ظهور كيان آخر مزعج مثل تنظيم الدولة.

يضيف الكاتب الإسرائيلي أنه ربما يكون هناك تفاهم بين إدارة “ترامب” والقيادة الروسية لتمكين إيران من الهيمنة على مناطق في وسط سوريا وشرقها, حتى لا تصبح تلك المناطق ملاذاً لعناصر “داعش” ومن على شاكلتهم. ومن هنا لا تتكرر التجربة الأميركية المريرة في أفغانستان: فبعد إسقاط نظام “طالبان” في نهاية 2001 تم ترك معظم مناطق الدولة, والآن أصبحت “طالبان” تسيطر على أغلب مساحة أفغانستان.

يمضي “كيدار” قائلاً: أن القوات الشيعية التي غزت سوريا (من الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان), تقوم بحملة تطهير عرقي ضد المواطنين السوريين المنتمين للمذهب السني. وفي أماكن سورية عديدة تقوم القوات الشيعية بطرد المواطنين السنة وتأتي بمهاجرين شيعة من السوريين والعراقيين والأفغان, ليحلوا محلهم.

مخاوف إسرائيلية من الخطر الإيراني..

في الختام يرى الكاتب الإسرائيلي أن إسرائيل كانت تظن قبل عامين أن “بشار الأسد” أوشك على السقوط وأن تنظيم “حزب الله” سيخرج خاسراً من سوريا, وأن التهديد السوري قد تلاشى. لكن الأوضاع اختلفت تماماً, فبعدما كانت سوريا هي المجاورة لإسرائيل أصبحت إيران هي الدولة الجارة, ولم يعد “حزب الله” مجرد تنظيم منعزل في لبنان بل أصبح جناحاً إيرانياً قوياً, يشكل تهديداً ويتمركز قريباً من الحدود الإسرائيلية. لذا يدعو “كيدار” وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تعرض المشهد بكامله, حتى يدرك الإسرائيليون مدى الخطر الذي يحدق بهم بعدما تمددت إيران وأصبحت على مقربة من الحدود الإسرائيلية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة