قام الرئيس المصري الجديد محمد مرسي بانقلاب كبير على السلطة العسكرية الحاكمة الفعلية في مصر, بخطوة عدت مفاجأة وبكافة المقاييس حيث بجرئه وبقرارات سريعة قام بإلغاء المجلس العسكري والذي أسس عمليا” بعد رحيل حسني مبارك عن سدة الحكم, وقد تشكل هذا المجلس بمشورة أمريكية وبمعونة منها. وقبل البدء في دراسة حيثيات هذا الامر على مصر والاحداث فيها في المستقبل القريب, لابد من التطرق الى العلاقات التأريخية الشائكة ما بين جماعة الاخوان المسلمين والسلطة الحاكمة المتمثلة بالعسكر, فمنذ ثورة 23 يوليو عام 1952 ووصول العسكر الى الحكم وخصوصا “في عهد جمال عبد الناصر شهدت العلاقة فيما بينهما مواجهات عسكرية كبيرة أدت الى مقتل قادة الاخوان ي تلك الفترة وخصوصا” سيد قطب والبنا ،حيث تحالف عبد الناصر معهم عند بداية وصوله الى السلطة وبعد تأمين حكمه وسيطرته التامة على جميع مرافق الحكم في البلد، أنقلب على الاخوان وزج فيهم في المعتقلات وأعدم قياداتهم، كما أن الاخوان قاموا بكثير من العمليات ضد عبد الناصر زادت من الضغط عليه أنذاك.
وبعد رحيل عبد الناصر عن الحكم واختيار أنور السادات لحكم مصر , رافق الاحداث أنذاك كثير من التقلبات من مراكز قوى وازدياد المد الشيوعي ما بين الشباب المصري وخصوصا” أنتشاره في الجامعات المصرية ،مما حدا بالسلطات العسكرية الحاكمة تقوية حركة الاخوان المسلمين وتقديم الدعم والاسناد له مما ادى الى أنتشار مد الاخوان في صفوف الشباب ،كل ذلك من اجل أنشاء حركة شعبية مضادة للشوعيين و حتى تستطيع السلطة وقف المد الشيوعي لكن السحر انقلب على الساحر حيث شارك الاخوان المسلمين وبقوة في ما يعرف بثورة الجياع عام 1977 وقد تنبه السادات الى خطرهم على حكمه فوقف بوجهم بقوة واودعهم السجون والمعتقلات وحبال المشانق,مما ساهم في تحجيمهم وقد أستغل ضعف الاخوان أنذاك للتوقيع على اتفاقات كامب ديفيد وزيارته المعروفة الى تل ابيب . الا ان الاخوان لم يمهلوه طويلا” فما ان حل شهر أكتوبر عام 1981 الا وقام الجناح العسكري للإخوان بقتله في حادثة المنصة الشهيرة ليستلم السلطة حسني مبارك(وهو أيضا” رجل عسكري وكان قائدا” للقوة الجوية), وقد شن مبارك حملة عسكرية كبيرة ضد الاخوان, حيث قضى على الكثير من قياداتهم وايضا” على مشاريعهم الاقتصادية والتجارية ومصادر تمويلهم المالية, وقد شهدت حركة الاخوان المسلمين حالة من الوهن والضعف على مدار السنوات الماضية، وكانت جماعة الاخوان تقوم ببعض العمليات ضد السواح الاجانب حاولوا من خلالها التأثير على وضع مبارك الامني أمام حلفاءه الامريكان.
وقد وجد الاخوان المسلمين فرصتهم الذهبية خلال احداث 25 يناير والتي لم يشارك الاخوان فيها بأحداثها الاولى واكتفوا بدور المراقبة والتحريض البعيد خوفا” على قواعدهم الرخوة أصلا”, وعندما تأكدوا من قرب رحيل مبارك نزلوا الى الشارع وبقوة بل استحوذوا على الشارع المصري وميدانه وسط خوف شديد من بقية التيارات الشعبية الاخرى المشاركة في الانتفاضة الشعبية، وحتى يكسب الاخوان بقية التيارات ويضمنوا استمرارهم في النزول الى الشوارع والميادين قالوا واعلنوا بكل صراحة ووضوح أنهم لن يترشحوا الى الانتخابات الرئاسية وسوف يكتفوا بالمشاركة في مجلس الشعب فقط, ولكنهم وما ان رحل مبارك عن السلطة شرعوا بتأسيس حزب سياسي خاص بهم تحت مسمى (الحرية والعدالة) متخذا” من النموذج التركي بقيادة أروغان مثلا” أعلى في الوصول للسلطة والتحكم بالأمور وبالفعل ما أن جرت انتخابات مجلس الشعب حتى سيطروا وبأغلبية كبيرة على مقاليده وقد كان فوزهم الكاسح في الانتخابات ناقوس خطر بالنسبة للعسكر, حيث وبعد فترة قليلة قرر المجلس العسكري حل البرلمان ونشر الاعلان الدستوري المكمل , بعد أن ادركوا ان سيطرة الإخوان على البرلمان ومن خلاله على الهيئة الدستورية المكلفة بكتابة دستور جديد للبلاد تقود البلاد الى سيطرة اخوانية كبيرة.
وبعد اجراء الانتخابات الرئاسية وقف العسكر وبقوة الى جانب احمد شفيق (وهو عسكري سابق) حاولوا من خلاله السيطرة على مقاليد الحكم مدنيا” , الا أنهم وبفارق قليل من الاصوات خسروا المعركة الرئاسية امام محمد مرسي.
تسلم محمد مرسي السلطة الشكلية للحكم في مصر ، وهو اول اخواني في تاريخ مصر يتسلم تلك السلطة وسط أحاطه عسكرية له من جميع الجهات , حيث فرض عليه في الحكومة الجديدة التي اعلنها برئاسة الاخواني الاخر (قنديل) المشير طنطاوي وزيرا” للدفاع، وما أن جرت احداث سيناء المريبة والمحيرة والتي راح ضحيتها عدد من العساكر في سيناء, فجاءه ومن دون سابق أنذار أحال الرئيس المشير طنطاوي ورئيس اركان الجيش المصري وبعض القادة العسكريين الكبارالى التقاعد وبعضهم الى وظائف مدنية , بل أن طنطاوي وسامي عنان أصبحا تحت الاقامة الجبرية ، ليتسلم بعدها الرئيس محمد مرسي السلطة الحقيقية، حيث أنهى دور المجلس العسكري وكذلك الغى الاعلان الدستوري المكمل ، وبذلك الرئيس الجديد حصل على سلطات تفوق سلطات مبارك الكبيرة، وسط ذهول المؤسسة العسكرية المصرية وترقبها, حيث ان الايام القادمة ستشهد المزيد من التطورات الخطيرة في الصراع الخفي ما بين الاخوان والعسكر ستؤثر على أوضاع مصر الداخلية والخارجية، واكاد أجزم أن محمد مرسي لم يستطع عزل طنطاوي وبقية القادة من مناصبهم لو لم يأخذ الضوء الاخضر من واشنطن والتي تعد مخطط خاص بالمنطقة وسط دعمها الكبير والغريب للحركات السلفية والاسلامية، لكن السؤال الاكبر والذي سيبقى في الساحة مطروحا” هل يصمت العسكر على هذا الانقلاب الإخواني الكبير؟ ام سيقومون بحركة ما تضمن لهم مكتسباتهم والتي نالوها منذ عشرات السنين، هذه التساؤلات ستبقى الى حين وغدا” ناظره لقريب.