22 نوفمبر، 2024 4:27 م
Search
Close this search box.

بغلة القاضي

لكلِّ مجتمعٍ قادتُهُ ورجالُهُ وصفوتُهُ وقدواتهُ وهؤلاءِ يمثّلون الوجهَ المشرقَ للمجتمع لما يمتازون به من خصالٍ أهَّلتهم لأنْ يتربّعوا في تلك المواقع الأجتماعية التي لم تأتِ من فراغ أو في غفلةٍ من الزمن بل جاءت ضمن استحقاقٍ تاريخي وأخلاقي واجتماعي وعائلي مشرّف ، فكانوا بحق قمماً في مجتمعاتهم وكانوا بحق قادةً لهم باعهم وتأثيرهم وثقلهم الأجتماعي . لقد امتازوا بالحكمةِ والحِلْمِ والهيبةِ والتواضع .

في العقود المنصرمة حصلتْ تداعياتٌ في جدار مجتمعنا العراقي بسبب السياسات غير المتّزنة والمتخبطة والمضطربة ، وعندما يكونالنظامُ السياسي مضطرباً فمن الطبيعي ان ينعكسَ هذا الاضطرابُ سلباً على المجتمع وتقاليده .. فقد حصل ماحصل بسبب تلك السياسات من ثلمٍ في جدران المجتمع والتي انعكست على آلية التعاملات والعلاقات الاجتماعية . ومنذ ان خلق اللهُ البشرَ كانت هناك فوارق اجتماعية بين الناس واقصد هنا المواقع الاجتماعية ( ورحمَ اللهُ امرءاً عرفَ قدر نفسِهِ ) بمعنى ان هناك سُلّماً اجتماعياً ان صحَّ التعبيرُ وكل فردٍ له ( درجته ) في ذلك السُلّم حسب استحقاقه الاجتماعي والتاريخي والعائلي . وهنا نسألُ : اذا كان كل الناس ملوكاّ وأمراء فمن يرعى الغنم ومن يزرع ؟؟ اذن الحياةُ عجلة تدور وكل واحد له دوره في دورانها ولكل واحدٍ مكانه واستحقاقه فيها يتلاءم وينسجم ومؤهلاته ووزنه ومقامه وانا هنا لااقصد ابدا التمييز الطبقي . .. ( مربط الفرس ) اقولُ : لقد طفت على السطح في العقود الاخيرةطبقةٌ طارئة توهّمتْ بأنها من ( عِلية القوم ) ومن الصفوة في حين انها لاتمتلك من مقومات الصفوة والقدوة ( آنفة الذكر ) أيَّ شي ، فشتّان مابين الثرى والثريا . هذه الطبقة استغلّتْ الساحة المفتوحة وعرفت ( مِن اينَ تُؤكلُ الكتف ) واستطاعت ان تغيّرَ لونها وطعمها ورائحتها وتوهّمت بأنَّ اللون والطعم يمكنا ان يصنعا منها ( قدوات ) في المجتمع وتوهّمتْ بأنها اصبحتْ من عِلية القوم . كانت تلهث خلف المغريات التي يسيلُ لها اللعاب وحول موائد المصالح المشبوهة من اجل اشباع نزواتٍ ذاتية ومنافع شخصية أو لسدِّ نقصٍ واضطرابٍ في شخصياتهم ، كانوا يلهثون خلف البهرجة كي يدعموا نفوذهم المزعوم ، فكّوّنوا علاقاتٍ مع ( الكبار ) حتى وصل بهم الامر الى المباراة في كشف واستعراض تلك العلاقات مع اولئك الكبار ، والتفاخر في اقامة الحفلات والولائم والكل يضحك على الكل . وانسحبتْ هذه ( الترّهات ) في بعض جوانبها لتخدش جدار المخاصمات العشائرية التي لها اصولها وتقاليدها وعقلاؤها ، لقد اتخذت منحى آخر اتّجهَ الى تسليط الضوء على ضخامة التجمّع وكم خيمة نُصِبتْ وكم خروفاً نُحِر ، وحضر فلان وعلّان وتحوّلتْ ( بعض ) تلك القيم والتقاليد العالية الى مظهر من مظاهر الاستعراضات والتفاخر والتكلّف والتمثيل والمجاملات المزيفة ، حتى اماكن الجلوس ، هذه الخيمة للكبار وتلك الخيمة لعامة الناس ، وترى الواقفين مشدودي الاعصاب وهم يرتدون ارقى مالديهم من الثياب والاكسسوارات .. تصوّروا اين وصلت بنا الامور واية مهزلة حصلتْ لنا وكيف يفكر اولئك الطارئون الواهمون وهل ان عِلية القوم الحقيقيين يفكرون ويتصرفون بهذا الشكل ؟؟ انه اضطراب وعدم توازن في الشخصية .. ان اولئك المساكين الطارئين يتصرفون ويسلكون سلوكا مضطربا كشخصياتهم ومَثَلهم كمثلِ اولئك الذين شيّعوا بغلةَ القاضي عندما ماتتْ فخرجوا عن بكرةِ ابيهم يمشون خلْفَ نعشِ البغلةِ وعندما مات القاضي لم يمشِ احدٌ خلفهُ .. قال تعالى ( فأمّا الزبّدُ فيذهبُ جُفاءً وأمّا ماينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرضِ ) صدق اللهُ العظيم

أحدث المقالات