صدر في ألمانيا كتاب جديد للدكتور محمد عبد الرحمن يونس ، بتاريخ بعنوان: ((فضاء النص الأسطوري في فضاء الخطاب الشعري العربي المعاصر ــــ السندباد البحري / أنموذجا ))،
الطبعة العربية الأولى أيار، مايو 2017 م.
عن مؤسسة Noor Publishing
وهذا بعض مما جاء في مقدمة الكتاب : (( إنّ إعادة بناء الأسطورة و توظيفها في النص الشعري وفق رؤية جديدة للحياة
و العالم، عملية جدّ مهمة للتخلص من النموذج الماضوي المتعارف عليه. و قيمة التجربة الإبداعية تكمن بالدرجة الأولى في لحظة تواجدها و انبثاقها، و في قدرة هذا الانبثاق على تجاوز الماضي لبناء مجتمع الغد، انطلاقاً من الحاضر.
و يحاول كتابي هذا أن يعرض لأبعاد الرحلة السندبادية في الخطاب الشعري العربي المعاصر، باعتبارها تجسيداً لرحلة الإنسان المعاصر، و مغامرة و توقاً للخروج عمّا هو رتيب و متخلف في بنية الحياة العربية المعاصرة.
و قد درستُ في هذا الكتاب نماذج شعريّة لكل من الشعراء: صلاح عبد الصبور من مصر، و خليل حاوي من لبنان، و بلند الحيدري، و بدر شاكر السيّاب من العراق، و عبد العزيز المقالح من اليمن،
و بن سالم حميش من المغرب، و سليمان العيسى من سورية، و يوسف الخال من لبنان.
و قد نهجت في دراستي، و من خلال تحليلي للخطابات الشعرية المعاصرة التي وظفت شخصية السندباد البحري، إلى أن أرى النصّ الشعري نصّاً متعدد التأويلات، و لا نهائياً من حيث دلالته الرمزية، و قابلاً لمزيد من التفسيرات المتباينة جداً، و لا يمكن فهمه أو تفسيره تفسيراً أحادي الجانب، بل إنّ له قدرة كبيرة على التشعب و النمو و الاستفادة من حقول مرجعية، و فضاءات نصيَّة أخرى، و بالتالي حاولت أن أفهم النصوص الشعرية فهماً قد يكون مغايراً لفهم باحثين آخرين، و لا يعني أن يكون هذا الفهم صحيحاً أو دقيقاً، إنه لا يتعدى حدود المحاولات البحثيّة و النقدية في فهم النصوص، و بالتالي قد تخطيء هذه المحاولات أو تصيب.
ويمكن القول توظيف أسطورة السندباد ـ في الخطاب الشعري العربي المعاصر ـ يمثّل توق الشعراء المعاصرين للخروج عن دائرة المألوف و الواقع العربي برتابته و سكونيته، و بنية أمكنته المنحطّة، بحثاً عن عالم جديد مثير مليء بالدهشة و الغرابة، و روح المغامرة و الكشف، هذا العالم الجديد الحضاري الممتد من الذاكرة الشعرية إلى آفاق رحبة عصيّة على الضبط و التحديد، لا يتم اكتشافه إلاّ بالرحلة، فالرحلة السندبادية في الخطاب الشعري المعاصر هي رفض لحدود المكان، و رفض للزمان التاريخي المحدد ببنية هذا المكان، إنها تمثّل التشوّف نحو المستقبل و الحلم و الحرية.
و إذا كانت الذات العربية في تاريخها المعاصر عرفت مختلف صنوف التراجع
و الاستلاب و الخيبة و الحسّ بالفاجع و القتامة، و الانهزام السياسي عام 1948 م، مروراً بنكسة حزيران (جوان) 1967م، حتى آخر هزائمنا الحالية، فإنّ ذلك انعكس بشكل أو بآخر على آمال المواطن العربي و تطلعاته في الحلم و الحرية و العدالة و المستقبل المشرق. و قد جسّدت القصيدة العربية المعاصرة هزائم هذا المواطن و انكسار أحلامه.
و إذا كانت الأسطورة في حقلها الأسطوري تؤكد أنّ السندباد و بالرغم من تعرضه لكثير من المصاعب و الأهوال كان يعود سالماً غانماً بالأموال و الهدايا و الجواهر، ثم سرعان ما يفترش مصاطب بغداد ناشراً الأماني و التطلعات الجديدة لسفرات جديدة، فإنّ السندباد المعاصر في الخطاب الشعري العربي المعاصر، و من خلال الرؤية الشعرية يعود فاقداً آماله، و يسافر فاقداً آماله في كل الحركات الإصلاحية التي طرحت شعاراتها الوطنية و برامجها التنويرية و لم يتحقق منها شيء، و من هنا نفهم لماذا سندباد صلاح عبد الصبور و بدر شاكر السيّاب و بلند الحيدري و عبد العزيز المقالح يعاني من الفشل و الخيبة في حياته و بحثه و تطلعاته.
و قد كشفت بعض القصائد التي دُرِسَت في هذا الفصل عن نزعة تشاؤمية سوداء لدى الشعراء، إذ كثيراً ما كان السندباد المعاصر يعود مهزوماً، ممزق الأشرعة، مستسلماً للخيبة و المرارة، هذه الخيبة التي تعكس خيبة الإنسان المعاصر في تاريخه و حياته و مستقبله، و نظامه الاجتماعي و السياسي.