كنت أنوي كتابة مقال عن دور المؤسسة الدينية المركزي في الخراب الذي آل إليه العراق، ولكني تفاجأت، نسبياً، بطبيعة التعليقات التي كُتبت على مقال سابق تناولت فيه مصير ميليشيات الحشد الشعبي؛ أقول: “نسبياً” لأننا، في ظل الثقافة الغوغائية الهابطة معرفياً وأخلاقياً التي أشاعتها المؤسسة الدينية والأحزاب المافيوية الدائرة في فلكها، لم نعد نستغرب شيئاً البتة!
سأنقل أحد التعليقات التي قررت أن يكون مضمونه موضوعاً لمقالتي، على أن أعاود، لاحقاً، الكتابة عن المؤسسة الدينية، إليكم التعليق، كما وجدته: ((هذه المليشات اللي تسميها هي التي حمت عرضك وسترتك لولاها لكان نسائكم في أحضان جند الخلافة. صدك ناس ما تستحي))!
فكرة حماية الأعراض، وما يتبعها من إشارات جنسية واحدة من أكثر، وأهم الأفكار التي اعتمدت عليها البروباغندا المسوِّقة لميليشيات الحشد الشعبي؛ ولعل دورانها المستمر على الألسن دليل نجاحها الكبير. لكنه، على أية حال، نجاح مُفَسّر في واقع اجتماعي كالواقع الاجتماعي العراقي، يرتبط الشرف فيه بأجساد النساء، وهي، بالتالي، دليل فشل بقدر ما تُحققُ من نجاح. إذ هي تشير، بقوة، إلى الخواء الثقافي الفظيع الذي تطفو عليه العقلية المجتمعية العراقية؛ فمثل هذا الخواء هو وحده المسؤول عن القوة الاحتجاجية للفكرة.
إذن، كان يمكن، ببساطة، تجاهل هذه الفكرة السخيفة، أو حتى الاكتفاء بالسخرية منها، لكن الجهل المستفحل لابد أن يستحصل ضريبته بهذه الطريقة، أو تلك.
هناك عقدة أخرى، لابد من العودة إليها لكشف المغالطة التي تعتمد عليها الفكرة في إنتاج مفعولها. ففكرة الأعراض المحمية تقفز على حقائق الواقع، لتصور حركة ميليشيات الحشد الشعبي على أنها بداية التاريخ غير المسبوقة، وهذا غير صحيح. فميليشيات الحشد الشعبي، بقدر صلة الأمر بقادتها، والأحزاب التي تتبعها، هي بالنهاية جزء لا يتجزأ من النظام الفاسد الذي أعقب سقوط ديكتاتورية صدام، وعليه تتحمل هذه الميليشيات، أحزاباً وقادة على الأقل، كل الفساد والفوضى التي تسببت بكشف عورة البلاد للغرباء والدهماء؛ فهم لم يحموا الأعراض، وإنما باعوها في أسواق النخاسة، ثم شهروا خناجرهم وفتلوا شواربهم بزعم الدفاع عنها! فما أصدق ما ينطبق عليهم قول مظفر النواب:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زنات الليل الى حجرتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها ان تسكت صوناً للعرض?