حينما عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى بلاده، عاد الى تصريحاته السابقة. والتي بدأ بها حملته الإنتخابية الرئاسية. التي لم يتخل عنها عندما أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. والتي هي في الحقيقة، تمثل فلسفته، ورؤيته، لدول العالم، وخاصة دول المنطقة العربية، من وجهة نظر أقتصادية. وكذلك رؤيته لحركة المال في العالم. لم تتغير نظرته منذ بدايات ظهوره الإعلامي في الثمانينات من القرن الماضي. إنه يرى، وبكل بساطة، وحسب وجهة نظره، إن هناك أموالاً طائلة تتسرب من الغرب، وعلى وجه الخصوص من الولايات المتحدة الإمريكية، الى جيوب عائلات “بدوية” بعينها. ويقصد حكام دول الخليج بكل صراحة. وإن هذه الأموال ما كان لها أن تكون، لولا إن الغرب، الذي قد إكتشف النفط، في هذه المنطقة من العالم. ولذلك، فإن الغرب، يراه، أولى الأموال، وبهذه الثروة. قد يكون لم يعلنها صراحة، ولكن، لكل ذي بصيرة، أن يقرئها، دون عناء كبير. وقد سبق ذلك، تصريح لشارون، عقب حرب تشرين عام ١٩٧٣. قال شارون في حينها؛ الى متى يترك مصير العالم، يتحكم فيه أناس غير متحضرين من “البدو”. وقد تكون هناك تقولات لسياسيين متطرفين، أو متعصبين، يَصْب في ذات الموضوع. إذن، هناك في الولايات المتحدة، وقد يكون في أماكن اخرى، أيضاً، من يرى في عدم أحقية العرب في ثروتهم. وطبيعي، فإنهم يتجرؤون كثيراً، وفقاً لمنطق الحياة الاقتصادية في بلدانهم، وشفافية الإيراد العام في دولهم. فهم، حينما يجدون أن هذه الأموال الهائلة، تدخل حسابات أفراد، ولا تدخل بشكل واضح في إيرادات تلك الدول، ولا في الصالح العام لشعوبها، أو أن تدخل، وتتسرب بما يثر الشكوك، بشكل هائل، وهي مال عام، يعرفون كيف يستوفى، وكيف يصرف، في حقيقة الأمر. فأن بعض تلك الدول، وقياداتها المتطرفة، تجد لها ما يبرر، فيما تحاول الوصول اليه، وهو، اعادة تدوير هذه الأموال، من هؤلاء الذين إغتصبوها، الى مغتصبين جدد. هذا هو جوهر الموضوع، عندما يكون المال سائباً، وغير مصان، وعرضة للسلب، من أطراف متعددة.
مالذي يدفع، قادة، بحجم رئيس الولايات المتحدة، أن يطلق تصريحات سلب الأموال، من العرب، قبل، وبعد. اي عندما كان مرشح الرئاسة، وبعد أن أصبح رئيساً، لأكبر، وأعظم دولة في العالم. لولا إنه يجد أن أموالاً هائلة، تتحرك ضمن صناديق سيادية، يعلم الرئيس ترامب، جيداً، لمن تعود تلك الصناديق. ولحصر هذه الأموال، ولعل ليس جميعها، فقد أشار بيان معهد صناديق الثروة السيادية في العالم، سيطرة أصول الصناديق الخليجية على %40 من إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية في العالم. قدرت أصول الصناديق الخليجية المقسمة على 11 صندوق، بنحو 2.966 ترليون دولار. فقد ذكر المعهد المذكور آنفاً، في تقريره لعام 2016، إن إمارة ابو ظبي تملك أصولاً تقدر بنحو 792 مليار دولار، ومؤسسة دبي للإستثمار بنحو 200.5 مليار دولار، وهيئة رأس الخيمة بنحو 1.2 مليار دولار. وهيئة الإستثمار في الكويت بنحو 592 مليار دولار. ومؤسسة النقد السعودي”ساما” بنحو 736.3 مليار دولار، وصندوق الإستثمار السعودي بنحو 160 مليار دولار. وجهاز قطر للإستثمار بنحو 256 مليار دولار. وصندوق سلطنة عُمان بنحو 34 مليار دولار. وصندوق ممتلكات البحرين بنحو11.1 مليار دولار. أضافة الى المبالغ الشخصية الهائلة في البنوك الامريكية، والبريطانية، والسويسرية، والبلجيكية، وغيرها. كل هذه الثروة الهائلة، مرصودة بشكل دقيق. ومعروفة، على وجه الدقة، أصولها، وعائديتها.
إن هذه الثروة، لو قدر إستثمارها، في البلدان العربية، في مجالات التعليم، والصناعة، والزراعة، والطرق، والمواصلات، والفن، والأدب، والبنى التحتية، وتشييد الجامعات، والمدارس، ودور الثقافة، وثبتت، هذه الثروة، جميعها على الأرض العربية، لبناء أسس المشروع القومي، العربي، الحضاري، والعلمي. وبناء القدرة العسكرية الذاتية، بشقيها، البشري، والصناعي. هل كان للرئيس ترامب، أو غيره أن يقتلعها. أو أي قدرة أقليمية أن تزحزحها. أو هل تتمكن الأفكار الأصولية الدينية المتخلفة أن تضرب أطناب لها في أرض العرب، أو تجد لها موقع قدم.
الملام في هذا التطاول على الثروة العربية، هم العرب، وعلى وجه الخصوص دول الخليج. ولن يتوقف ترامب، ولا غيره، حتى يتم له حلب أخر دولار أمريكي، في هذه الصناديق الورقية. غير المحمية. وعند ذاك لن يبقى لهم، وللعرب، سوى الحسرة، وما أكثر حسرات العرب، على الفرص المضاعة.